إنها حكاية مأساة إنسانية لأكثر من 60 ألف إنسان، غالبيتهم من النساء والأطفال من جنسيات مختلفة، محتجزين في مخيم الهول، والذي يقع على تخوم مدينة الحسكة، ذلك المخيم الذي يحوي الآلاف من العوائل التي لم تستطع نداءات المنظمات الحقوقية، ولا مناشدات لجان التحقيق الدولية، ولا استغاثات المنظمات الإنسانية، ولا تقارير صحف النشطاء ووسائل الإعلام المرئية والمقروءة، التي تصف الحالة المأساوية لذلك المخيم أن تخترق مسامع الدول المعنية لوجود حل إنساني ينقذ هذه العوائل من هول السجن الجماعي.
لم تستطع اختراق مسامع الدول المعنية من أجل استلام رعاياها من الأطفال والنساء القابعين خلف أسوار ذلك المخيم المظلم الرهيب، الموجود في بقعة ربما تكون حاضنة لكل أشكال الحقد وألوان الإرهاب والعذاب والقهر.
وذلك بسبب الإهمال المتعمد وانعدام أبسط العوامل الإنسانية في ذلك المخيم، ناهيك عن تربية الأطفال هناك على ثقافة الثأر والحقد، في غياب كامل لأدنى مقومات حقوق الطفل في كل المجالات. كل ذلك أدى إلى ظهور عمليات القتل والاغتصاب والخطف، والتي لا يكاد يمر يوم بدونها.
يتبادر السؤال التالي لدى الجميع: من ذلك الذي يغلق الباب أمام قاطني المخيم من النساء، وعلى أكثر من 30 ألف طفل ولدوا في ظروف وبيئة من آباء لم يكن لهم رأي في اختيارهم؟، ومن الذي يغلق سمعه ونظره عن تلك المأساة الإنسانية المفجعة؟ ولماذا هذا الإهمال المتعمد من الدول في الوقوف أمام مسؤولياتهم تجاه رعاياهم على أقل تقدير؟.
في أحدث بيان لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان السيدة (ميشيل باشليه)، والتي أعربت عن قلقها العميق إزاء أوضاع عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، الذين ينتمون إلى دول مختلفة، والمحتجزين في مخيم الهول بمناطق تسيطر عليها تنظيمات قسد – PYD – PKK الإرهابية في شمال شرقي سوريا، وقد أشار البيان إلى وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في تلك المخيمات، تشمل القتل والعنف الجنسي تجاه النساء والفتيات وحتى الأطفال الذكور، إضافة إلى الخطف والاتجار بالبشر والتجنيد الإجباري والاستعباد الجنسي على يد التنظيمات القنديلية الإرهابية، وقد دعت المسؤولة الأممية في ختام بيانها الدول التي ينتمي إليها هؤلاء النساء والأطفال إلى التحرّك سريعاً لإنقاذهم من تلك الجرائم، والتي تمر دائماً بدون فتح أي تحقيق ولو بالحد الأدنى.
في ظل تلك الظروف الصعبة التي يعيشها عشرات الآلاف من الأطفال والنساء في مخيمات الهول بمحافظة الحسكة، والمعتقلات التي تسيطر عليها عصابات قسد – PYD – PKK الإرهابية، يظهر تقرير خطير صادر عن صحيفة التليجراف البريطانية منذ أيام، يميط اللثام ويكشف الحقائق عن تمويل الحكومة البريطانية لسجون ومعتقلات سرية تديرها عصابات قسد – PYD – PKK الإرهابية في شمال شرقي سوريا، حيث تحتجز تلك المعتقلات السرية أطفالاً بعضهم لم يبلغ التاسعة من عمره، وبدون أي محاكمة وسط تعتيم إعلامي شديد على تلك المعتقلات، وفي ظروف بعيدة كل البعد عن الإنسانية والعدالة ومواثيق القانون الدولي الإنساني.
وأكدت صحيفة التليجراف البريطانية في تقرير مهم لمراسلها السيد “كامبل ماكديرميد” -في معرض استعراضه لأوضاع السجون والمعتقلات الخاضعة لعصابات قسد – PYD – PKK في مناطق شمال شرقي سوريا والتي يتم تمويلها من الحكومة البريطانية بشكل مباشر- مدى معاناة الأطفال الذين يتم احتجازهم في معتقلات سرية وزنازين تحت الأرض منذ ثلاث سنوات، وأكد بأنهم لم يروا نور الشمس طيلة تلك الفترة، وأنهم يقبعون في زنازين شديدة الحرارة في الصيف وينخر بردها عظام هؤلاء الأطفال في فصل الشتاء.
وأن بعض هؤلاء الأطفال يعاني من أمراض وجراح خطيرة، لا يمكن معالجتها بأي حال من الأحوال داخل تلك الزنزانات والمعتقلات، وأن البعض الآخر يعاني من مرض السل والجرب، الذي ينتشر في كثير من الزنازين، ناهيك عن قلة الماء والغذاء والمعاملات الوحشية من قبل السجانين من عصابات قنديل الإرهابية.
ووفقاً لتقرير صحيفة التليجراف البريطانية، فإن عدد هؤلاء الأطفال يقدر بـ 750 طفلاً، عمر بعضهم أقل من تسع سنوات، بينهم غربيون وبريطانيون قابعون بلا أمل، ويصارعون الموت والعذاب في معتقلات وحشية، تموّلها بريطانيا وبدون أن توجه لهؤلاء الأطفال أي تهمة بارتكاب أي جريمة، ورغم أن هذه الانتهاكات تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومخالفة صريحة لأحكام القانون الدولي.
ولما كان الأطفال من أكثر الفئات تعرضاً للخطر من بين ضحايا النزاعات المسلحة، سواء منها الدولية أو غير الدولية، ولهذا فإن المجتمع الدولي قد اهتم وبدرجة كبيرة بحماية الأطفال، من خلال إدراج مواد في القانون في القانون الدولي الإنساني، وفي الاتفاقيات الملحقة به تحث جميع الأطراف على الالتزام بها في أوقات الحرب والنزاعات.
في عام 1924 أقرت عصبة الأمم المتحدة إعلاناً بشأن حقوق الطفل، والذي سمي لاحقاً باسم “إعلان جنيف”، الذي كفل للأطفال رعاية وحماية خاصة، بصرف النظر عن جنسياتهم وجنسهم أو دينهم، وفي عام 1949 أدرجت في اتفاقيات جنيف، وتبعها أيضاً البروتوكولان الإضافيان لعام 1977 بنصوص خاصة لحماية الأطفال، ومن ثم تم التأكيد على كل تلك الحقوق، عندما وضع المجتمع الدولي أحدث النصوص، وهي نصوص اتفاقية الأمم المتحدة بشأن حقوق الطفل عام 1989، والتي سميّت (حماية الأطفال في حالات النزاع المسلح).
وفيما يتعلق بالنزاعات المسلحة الغير دولية، فإن المادة 3/4 من البروتوكول الملحق الثاني لعام 1977 أوجبت حماية الأطفال وتوفير الرعاية والعناية الخاصة، التي تميزهم عن غيرهم من المدنيين، بالقدر الذي يحتاجونه، والتي تنحصر بعده واجبات منها التربية والتعليم وتحريم تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة، ولمّ شمل الأطفال بأسرهم، وحماية الأطفال المشاركين في الأعمال العدائية دون الثامنة عشرة.
كل تلك الواجبات وغيرها أقرتها الاتفاقية الرابعة من اتفاقيات جنيف لعام 1949، وتم التأكيد عليها في البروتوكولات الملحقة لعام 1977، إضافة إلى اتفاقية الأمم المتحدة بشأن حقوق الطفل في عام 1989، حيث أكدت المادة (4) من البروتوكول الثاني الملحق لعام 1977 -والتي جاءت بأحكام تحمي من خلالها الأطفال حتى في حال تجنيدهم أو السماح لهم بالاشتراك في العمليات القتالية وهم تحت سنه الخامسة عشر – على ما يلي:
يجب توفير الرعاية والمعونة للأطفال بقدر ما يحتاجون إليه، وبصفة خاصة:
ج) لا يجوز تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة في القوات أو الجماعات المسلحة. ولا يجوز السماح باشتراكهم في الأعمال العدائية.
د) تظل الحماية الخاصة التي توفرها هذه المادة للأطفال دون الخامسة عشرة سارية عليهم إذا اشتركوا في الأعمال العدائية بصورة مباشرة. رغم أحكام الفقرة (ج) إذا ألقي القبض عليهم.
وبالرغم من كل تلك المحاذير القانونية والإنسانية المنصوص عليها في تلك الاتفاقيات الدولية والقوانين الإنسانية.
وبالرغم من كل الجرائم التي ترتكبها التنظيمات الإرهابية قسد – PYD – PKK من خطف للأطفال والتجنيد الإجباري لهم، وحتى جرائم الإبادة الجماعية والاغتصاب والتغييب القسري لآلاف الأطفال والنساء، سواء في السجون أو مراكز الاعتقال السرية.
فإننا نجد بريطانيا ما تزال ترسل المساعدات المادية وملايين الدولارات لتلك التنظيمات القنديلية الإرهابية، حيث تقول صحيفة التليجراف البريطانية في تقريرها (المدوّي) بأن تنظيمات قسد – PYD – PKK الإرهابية، والتي تشرف على إدارة تلك المعتقلات السرية، لم يكشفوا عن أية معلومات تتعلق بالأطفال، كما أنهم رفضوا طلبات من منظمات غير حكومية لإجلاء الجرحى والمرضى من الأطفال.
فيما قالت لتنا تايلر المديرة المشاركة في مكافحة الإرهاب في هيومن رايتس واتش: “إن الصمت وعدم السماح بدخول تلك المعتقلات السرية، وعدم الإفصاح عن أية معلومات من قبل تلك التنظيمات الإرهابية عما تحتويه تلك المعتقلات من أطفال والاطلاع على أحوالهم، يثير الكثير من التساؤلات حول تلك الدول التي تدعم تلك التنظيمات”.
وقد أشارت صحيفة التليجراف البريطانية بأن فكتور لاند ممثل اليونيسف في سوريا -والذي تمكن من زيارة إحدى تلك المعتقلات التي تسيطر عليها تلك التنظيمات الإرهابية وتتلقى دعماً بريطانياً- صرح بأن المعتقلين الأطفال يعانون من نقص الطعام والأدوية والرعاية الصحية، وأنهم يعيشون في ظروف غير انسانية.
وذكر ممثل اليونيسف في سوريا في تقريره الذي نقلته صحيفة التليجراف البريطانية بأن “هؤلاء الأطفال يواجهون وضعاً قانونياً مجهولاً مع استمرار اعتقالهم بتلك الظروف المأساوية”.
ورغم كل ما أثير حول تلك القضية الإنسانية -والتي يشكل الأطفال أكبر ضحية فيها- فإن السلطات البريطانية ما تزال تخطط لدعم القائمين على هذه الجرائم، من خلال رغبتها بتوسيع رقعة السجون والمعتقلات السرية في شمال شرقي سوريا، حيث يعتقل الآلاف من الأطفال والنساء بطريقة تعسفية وحشية، وبدون أي محاكمة، رغم مخالفة ذلك لقواعد القانون الدولي.
وقد تلقت الحكومة البريطانية مؤخراً تحذيرات من خبراء في الأمم المتحدة، وبعض المنظمات الإنسانية، من أن تمويلها نظام السجون والمعتقلات لدى تنظيمات قنديل الإرهابية يشكل مخالفة صريحة لمواد القانون الدولي.
وفي أحدث رسالة بذلك المسار -والتي تعود إلى الأول من يناير عام 2022- حذرت تلك المنظمات من أن تقديم الدعم في توسيع المعتقلات التعسفية لا يتوافق ببساطة مع التزامات الحكومة البريطانية في ظل القانون الدولي من الناحية المدنية والسياسية والأخلاقية.
وقد رفضت الحكومة البريطانية طلب صحيفة التليجراف لتقديم معلومات حول قيامها بدعم مراكز الاعتقال شمال شرقي سوريا بموجب قانون حرية المعلومات.
وأكد بعض المحققين في صحيفة التليجراف بأنه لا أحد يعرف المبالغ التي أنفقتها الحكومة على تلك المعتقلات التعسفية، وإنما تقديرات الخبراء رجحت أن المبلغ المقدم إلى تلك التنظيمات الإرهابية من الحكومة البريطانية كبير جداً، وهذا ما يثير أسئلة وإشارات استفهام خطيرة عن شراكة الحكومة البريطانية مع تنظيمات قسد – PYD – PKK الإرهابية في تلك الجرائم التي ترقى إلى جرائم حرب.
ختاماً: لما كانت صناعة السلام وكسر دوامة العنف في الاستقرار تقوم بداية من خلال حماية الأطفال ولما كان تأثير النزاعات المسلحة على الأطفال هي من أهم السلبيات التي تعاني منها المجتمعات التي تحدث فيها صراعات داخلية بصفتهم الضحايا الأساسيين في كل الحروب من خلال ما يتعرضون له من انتهاكات، فإن مجلس الأمن في قراره 1261 لعام 1999 قد تناول تلك القضية وطلب من الأفراد المشاركين في أنشطة الأمم المتحدة لصنع السلام التدريب المناسب بشأن حماية الأطفال وتأمين حقوقهم ورفاهيتهم، كما دعا مجلس الأمن في قراره 1379 لعام 2001 إلى إدراج أحكام محددة لحماية الأطفال في النزاعات المسلحة الداخلية والخارجية ووضع قيود واضحة في ذلك الشأن.
ولما كانت بريطانيا التي تعتبر نفسها قبلة الديمقراطية والإنسانية في العالم قد تصل لمرحلة التورط بجرائم حرب ضد الأطفال في شمال شرقي سوريا، من خلال دعمها التنظيمات الإرهابية المجرمة، فإن ذلك يستلزم موقفاً دولياً موحداً ضد تلك الجرائم التي أشارت إليها صحيفة التليجراف البريطانية، وذلك لتحقيق العدالة، وكي لا تكون دول العالم شريكة بتلك الجريمة ضد الإنسانية من خلال سكوتها وتقاعسها عن القيام بواجباتها حيال تلك الجرائم المأساوية.
وقد أشار المكتب القانوني في حركه تحرير الوطن في كثير من الدراسات السابقة إلى مدى وحشية تلك الجرائم التي ترتكبها عصابات قسد – PYD – PKK، والتي ظهر في تقرير الصحيفة البريطانية أنها مدعومة من الحكومة البريطانية. مما يستلزم موقفاً دولياً جاداً تجاه تلك التنظيمات المجرمة والجهات التي تقف خلفهم مادياً وسياسياً.
عذراً التعليقات مغلقة