يؤكد محللون سياسيون ضلوع الميليشيات الإيرانية في إحراق مسجد “أبي بكر الصديق” في حي الجميلية الشهير بـ”قلب حلب التجاري” وسط مدينة حلب، مستبعدين رواية نظام الأسد بأنَّ الحريق ناتج عن ماس كهربائي.
معلومات عن الحريق، تفيد بأنَّه جاء بعد أن رمى المصلون من شرفاء حلب الفخارات التي وزعتها المليشيات الطائفية عليهم للسجود عليها كما يفعل الشيعة في صلاتهم. فيما يرى سياسيون أنَّ الحريق وراءه رسائل موجّهة إلى تركيا في ظل الحديث عن عملية عسكرية تركية جديدة ترفضها إيران.
ولا يستبعد رئيس المكتب السياسي لـ”حركة العمل الوطني من أجل سوريا”، محمد ياسين النجار، ذلك الأمر عن الميليشيات الإيرانية المعروفة بإثارة النعرات الطائفية، وقد قامت بذلك سابقاً. ويقول لشبكة “آرام”: إنَّ اختلاق المشاكل الطائفية على الحدود التركية يُعدّ رسالة مباشرة للأتراك، وأنَّ أيّ عمل عسكري يستهدف مدينتي تل رفعت ومنبج التابعتين لمحافظة حلب قد يكون له تداعيات كبيرة على جنوب تركيا خلال المرحلة القادمة.
ضلوع إيران بالحريق
يرى النجار، أنّ حريق “مسجد الصديق” ليس حدثاً عادياً ما يتطلب فتح تحقيق مستقل، مشيراً إلى أنَّ هناك شكوك جدية بأن تكون وراء العملية ميليشيات طائفية محسوبة على إيران، وهذا ليس غريباً عليهم، وقد حصل في مناطق عديدة سواء في إيران أو خارجها.
بدروه، الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، يوضح لـ”آرام” أنَّ إحراق “مسجد الصديق” متعمّد من قبل أدوات مستأجرة تعمل لصالح معممي ملالي طهران، وذلك كون الحريق اندلع في الساعة الرابعة و30 دقيقة من عصر الجمعة 22 الشهر الجاري، بينما لم تحضر سيارات الإطفاء إلى مكان الحريق حتى الانتهاء من حرق المسجد وبالتحديد الساعة السادسة عصر الجمعة.
رسائل طائفية
يعتقد النعيمي، أنَّ جريمة حرق المسجد تضاف إلى الجرائم التي ارتكبتها ايران على مدار 11 عاماً من الثورة السورية على صعيدي استهداف المدنيين والمساجد، وتُمثّل عملية الإحراق رسائل وبصمات مذهبية طائفية، الغاية منها تأجيج الصراعات بين مكونات الشعب السوري.
ويتابع: إنَّ النظام الإيراني يعتمد في مشروعه على مجموعة من الركائز والمتمثلة بتأجيج الشروخ الطائفية بين مكونات الشعب السوري، كذلك منذ احتلال العراق في العام 2003 وتفجير ضريح الإمامين العسكريين في شباط/فبراير 2006 ضمن المراقد الشيعية بمحافظة سامراء، بهدف تأجيج الحاضنة الشيعية على المكون السني.
وبناءً على تلك الحادثة، أشعلت ايران الحرب الطائفية في العراق إلى يومنا هذا، ووفقاً للنعيمي، فإنَّ حادثة إحراق مسجد “أبي بكر الصديق” مؤشر خطير تجاه تعميق الهوّة بين المكونات السورية مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّ محافظة حلب ذات المكون السني، وقيادة طهران تعتمد على اتخاذ مجموعة من الركائز لمشروعها في بلدتي نبل والزهراء إضافة إلى العديد من الركائز العسكرية المرتبطة بها.
أمّا عن ادعاء نظام الأسد بأن سبب الحريق ماس كهربائي فإن ثبت ذلك، فهو يحمل دلالة واضحة على أنَّ النظام شريك في الجريمة، وذلك لعدم رغبته باحتواء الحريق وتأخير فريق الإطفاء، كما أنَّه ادّعى أنّ الماس سببه بطارية الشحن المستخدمة، لكن الصور المتداولة تؤكد استخدام وقود سريع الاشتعال أدى إلى حجم الخسائر الكبير.
بالتالي، هذا التناغم بين النظامين (السوري والإيراني) لطمس هوية الأكثرية المتمثلة بالمكوّن السنّي في حلب، ولربّما نشهد حرائق مماثلة إن لم يكن هنالك موقف دولي جاد وحاسم تجاه تلك الانتهاكات الخطيرة التي تمارسها تلك السلطتين في سوريا. حسب النعيمي، لافتاً إلى استباحة حلب من الميليشيات الإيرانية التي تدخل أي منطقة رغم القبضة الأمنية العالية لميليشيات الأسد.
ومن تداعيات الحريق ذي البعد الطائفي، توجيه رسائل إلى المكون السني في حلب بأنَّ إيران ماضية في هذا النهج، وتستثمر كافة الجهود وتبحث بشكل مستمر عن ذرائع البقاء، ومن أبرزها مجموعة من الإجراءات التي تستخدمها عبر مشروعها المذهبي منذ عشرات السنين، وذلك من خلال زياده الشروخ بين المكونات داخل الجغرافيا السورية. وفق النعيمي.
أهمية مسجد الصديق
تعد مساجد حلب جزءاً أساسياً من تاريخها وثقافتها، وتعتبر من أكثر المدن احتواءً للمساجد في العالم الإسلامي حيث تضم وفقاً لقوائم مديرية الأوقاف قرابة 814 مسجداً بالإضافة إلى 114 مسجداً في أحياء حلب القديمة، ومن أهم المساجد: “الأموي أو جامع سيدنا زكريا، الخسروية، العادلية، الروضة، التوحيد، الرحمن، أبي حنيفة النعمان، الفرقان، آمنة بنت وهب، وأبي بكر الصديق”.
ووفقاً للكاتب السياسي النجار، فإنَّ جامع الصديق في حي الجميلية ليس مجرد جامع عادي، بل هو معلم مهم عن تطوّر مدينة حلب في القرن العشرين اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، ولا يمكن لأيّ شخص زار حلب إلا وقد مر به أو دخله للصلاة، وتقام فيه الكثير من صلاة الجنازة على الموتى بسبب توسطه المدينة ومعرفة الأهالي به، كما تمّت فيه صلاة الجنازة على الزعيم إبراهيم هنانو عام 1935.
بدوره، الناشط المدني وسيم الحاج، ينوّه في حديثه مع “آرام” إلى أنَّ جامع أبي بكر الصديق، تعرَّض لانتهاك منتصف عام 2013 حين قامت البلدية ببناء كتلة جديدة بجانبه، لكنّها منفصلة تماماً عن الكتلة الأساسية للمسجد دون حتى وضع باب بين الكتلتين، ما أثار ريبة واستغراب أهالي المنطقة الذين أجبروا على الصلاة في الكتلة الجديدة مع إغلاق الكتلة الأثرية والأساسية للمسجد بشكل كامل بحجة الصيانة وتوسعة المسجد.
وفي نهاية عام 2013 تم هدم الكتلة الأثرية والأساسية للمسجد، بعد قيام المليشيات الإيرانية بالتنقيب داخل المسجد دون معرفة ما تم سرقته، وقاموا أيضاً بنقل الحجارة الأثرية للمسجد ووضعها في متاريس الحواجز العسكرية الخاصة بهم داخل المدينة، وذكر الحاج، أنَّ المهندس المشرف على عملية هدم المسجد هو ملهم البدوي، بغض النظر عن من أعطى الأمر بالهدم أو كان مسؤولاً عنه.
ويؤكد الحاج، أنَّه رغم هدم الرمزية الأثرية والدينية في المسجد عام 2013، إلا أنَّ الاسم قائم والصلاة قائمة فيه، ليبدؤوا منذ فترة قريبة بسلسلة انتهاكات في المسجد كوضع الفخار ليسجد المصلين عليه، فيما رفض أهالي حي الجميلية السماح لمعمَّمين شيعة بأداء طقوسهم في المسجد قبل نحو شهر، ليقوموا بإحراقه استفزازاً لمشاعر كل السوريين والمسلمين اليوم.
يذكر أنَّ الائتلاف الوطني السوري، شدد في بيانه أن حرق مسجد أبي بكر الصديق، هو جريمة تمس هوية الشعب السوري ومقدسات المسلمين، وعليه يطالب الائتلاف المنظمات الجامعة لعلماء المسلمين كافة بإبداء موقف من هذا الانتهاك الخطير لبيت من بيوت الله. داعياً الأشقاء العرب لرفع مستوى الحذر من خطر المشروع الإيراني، وإبداء موقف حازم وواضح تجاه الميليشيات الإيرانية ونظام الأسد.
عذراً التعليقات مغلقة