انضمت جامعة “بيان نور” إلى سلسلة الجامعات الإيرانية التي حصلت على ترخيص رسمي للعمل في سوريا، في خطوة من شأنها أن تزيد الشكوك في الغايات التي تسعى إليها إيران من وراء افتتاح هذا العدد الكبير من الجامعات في بلد لم يخرج بعد من دائرة الحرب المستمرة منذ عام 2011.
وبعد مباحثات لم تستغرق وقتاً طويلاً، نجحت إدارة جامعة “بيان نور” في انتزاع رخصة لافتتاح فروع لها في سوريا من وزارة التعليم العالي السورية التي وافقت في السابق على افتتاح فروع لخمس جامعات إيرانية أخرى.
ويأتي منح ترخيص جديد لجامعة إيرانية أخرى في إطار مساعي إيران إلى توسيع توغلها في سوريا، تحت غطاء علمي وثقافي بعدما تمكنت خلال السنوات الماضية من فرض نفوذ عسكري وأمني وصل إلى مستويات غير مسبوقة، مع انشغال روسيا في حرب أوكرانيا منذ شهر شباط الماضي.
وتعتبر جامعة “بيان نور” من أكبر الجامعات في إيران، وتأسست عام 1988 وتتبع لوزارة العلوم والبحوث والتكنولوجيا، وتوصف بأنها تحمل طابعاً إيرانياً شيعياً.
وعملت إيران خلال الأعوام الماضية على تكثيف جهودها للاستحواذ على حصة وازنة من سوق الجامعات السورية، بذريعة “التعاون بين الجامعات الإيرانية والسورية في مجال البحث والإنتاج والمشاريع العلمية والمعرفية، وربطها بالمشاريع التنموية والصناعية والإنتاجية في البلدين”، وزادت في هذا السياق عدد المنح الدراسية للجانب السوري، وأقامت مشاريع بحثية مشتركة.
وفي منتصف عام 2021، وقّعت جامعتا دمشق وطهران مذكرة تفاهم تضمن الأسس الأولية لجميع الاتفاقيات اللاحقة بين الطرفين في مجال الاختصاصات الدراسية.
وسبق ذلك في مطلع عام 2020 توقيع مذكرة تفاهم بين وزارتي التربية في كل من دمشق وطهران، تتضمن تبادل الخبرات والتجارب في المجالات العلمية والتعليمية والتربوية، وتقديم الخدمات الفنية والهندسية وترميم المدارس.
تنافس روسي إيراني
وفي تقرير سابق نشره موقع “إيران وير”، كُشف عن وقائع التنافس بين إيران وروسيا في قطاع التعليم، بعد شموله قطاعات مختلفة، أهمها قطاع الطاقة والكهرباء وغيرها من الموارد الاقتصادية. وذكر التقرير أن إيران تحاول إطلاق فصول تعليم اللغة الفارسية في سوريا، ورفع مستوى الوعي بالمذهب الشيعي “الاثني عشري” باستخدام مجمع التقريب الذي أُنشئ لتقريب وجهات النظر بين المذاهب المختلفة، وأشار التقرير إلى أن روسيا ترغب في المقابل في أن تدرّس في الجامعات المزيد من الثقافة واللغة الروسيتين.
وقد أدرجت عام 2014 اللغة الروسية رسمياً كلغة ثانية في المناهج الدراسية السورية في المرحلتين الثانية والثالثة، إضافة إلى افتتاح قسم للغة الروسية في جامعة دمشق، وأصبحت هناك كتب ومناهج روسية تدرّس في المدارس.
في المقابل، واصلت إيران طلبها من حكومة نظام الأسد تعليم اللغة الفارسية رسمياً في المدارس السورية، حيث وقّعت إيران اتفاقاً يشمل في جزء منه مساعدة سوريا على إعادة بناء مدارسها، مع تأكيد وزير التعليم الإيراني في حينه محسن حاج ميرزائي “أهمية إدخال اللغة الفارسية في التعليم السوري”.
الجامعات الإيرانيّة في سوريا
الجامعة الإيرانية الوحيدة التي كانت في سوريا قبل الثورة السورية التي اندلعت عام 2011، هي “جامعة الفارابي” التي أنشئت كمؤسسة تعليمية بحثية مشتركة عام 2008، بالتعاون مع جامعة تشرين في محافظة اللاذقية.
ولكن إيران سرعان ما استغلت اندلاع الحرب السورية بهدف توسيع نفوذها في قطاعات مختلفة، احتل فيها قطاع التعليم مرتبة متقدمة، نظراً إلى أهميته في الترويج للأيديولوجيا الإيرانية. وكانت آخر جامعة حصلت على ترخيص رسمي هي جامعة “تربية مدرس” عام 2018، وتختص هذه الجامعة في إعداد أساتذة الجامعات وتخريجهم.
وافتتحت إيران كذلك فروعاً لجامعات أخرى مثل “الجامعة الإسلامية الحرة/آزاد”، و”كلية المذاهب” في دمشق، و”جامعة مصطفى” الدولية.
وتنقسم الجامعات الإيرانية في سوريا إلى نوعين: الأول جامعات ذات طابع ديني تدرّس المناهج باللغة العربية، وتختص بالعقيدة الشيعية. والثانية حكومية هدفها المعلن تدريس المناهج العلمية كالفيزياء والرياضيات، ولكنها بدأت أخيراً تدريس ما يسمى “الفلسفة الفارسية”.
وفي سابقة من نوعها، أعلنت جامعة حماة عام 2018 عن توقيع اتفاقيات تعاون علمي مع 3 جامعات إيرانية هي “جامعة فردوسي” في مدينة مشهد، و”جامعة أمير كبير” التقنية، إضافة لتوقيع اتفاق نوعي مع “جامعة الزهراء” للإناث، وفق ما ذكرت مواقع إعلامية سورية معارضة.
جامعات أم توسع ثقافي؟
ويتخوف مراقبون من أن تكون مساعي إيران لافتتاح فروع لجامعاتها، يصب في خانة استكمال مشروعها التوسعي وتشديد قبضتها على التعليم الجامعي والمدرسي في سوريا، بعد نجاحها في إحكام سيطرتها العسكرية والأمنية. ويشير المراقبون إلى قيام إيران بتأسيس مدارس باسم “الرسول الأعظم” تدرّس المرحلتين الإعدادية والثانوية، وفق منهج دراسي تطلق عليه إيران اسم “منهج آل البيت”، بحسب ما ينقل الموقع الرسمي لمدارس الرسول الأعظم المنتشرة في محافظتي اللاذقية وطرطوس بكثافة ملحوظة.
وأياً تكن الذرائع لافتتاح هذا العدد الكبير من فروع الجامعات الإيرانية في سوريا، فإنه لا يمكن التغاضي عن رغبة إيران في التغلغل ضمن النخب السورية بهدف التأثير في توجهاتها، بما يخدم مصلحة مشروعها.
وتحت عنوان “تأثير تربوي” قال تقرير لمعهد واشنطن إن “ثمة تطوراً يشير إلى هدف إيران المتمثل بضمان وجود متعدد الأجيال في سوريا، وهو ما يعكسه القرار الرسمي السوري بافتتاح أقسام اللغة الفارسية في العديد من المؤسسات التعليمية، بما فيها جامعات دمشق وحمص واللاذقية”، وفق الدراسة التي نشرها المعهد في وقت سابق.
عذراً التعليقات مغلقة