يختلف السوريون في كل عام من شهر آذار على موعد بداية الاحتجاجات الشعبية ضد نظام بشار الأسد هل هو ١٥ آذار أم ١٨ آذار؟
عشر سنوات حملت الكثير من الأحداث في بلد كانت تلقب بسوريا الأسد لعقود، ثورة شعبية عارمة أشعلها أطفال درعا وانتقلت إلى باقي المحافظات في أول تحرك شعبي يشمل كل محافظات سوريا لأول مرة منذ استلام حافظ الأسد ووريثه بشار الأسد من بعده.
يتفق السوريون على أنها ثورة خطتها أنامل الأطفال ويختلفون على تاريخها لماذا وماهو السبب؟
بعد الربيع العربي في تونس ومصر وانتقالها لليبيا ظهرت صفحة على الفيس بوك تدعى (الثورة السورية ضد بشار الأسد) دعت لمظاهرات في تاريخ ١٥ آذار وبالفعل خرج عدد من الشباب والشابات في دمشق في محيط الجامع الأموي وتم تفريقها بسهولة من قوات الأمن بسبب معرفة المخابرات لكل تلك التحركات ومتابعتها عن كثب.
لم يسمع أغلب السوريون بهذه الحادثة باليوم نفسه لأن الفيس بوك وكل وسائل التواصل كانت محجوبة في سوريا وبالتالي أغلب الشعب السوري لم يكن يملك حسابات شخصية على الفيس بوك.
بعد ظهر يوم الجمعة في 18 آذار تجمع أهالي درعا البلد في محيط جامع أبو العباس للمطالبة بالإفراج عن الأطفال المعتقلين من عدة أيام بسبب كتابتهم شعارات ضد النظام على جدار مدرسة الأربعين كما بات معروف للجميع وهي حادثة لم يعرف بها حتى بلدات وأرياف محافظة درعا ذاتها في ذلك الوقت.
وكانت الطريقة العنيفة التي فرقت بها قوات الأمن هذه المظاهرة وسقوط أول شهيدين واستمرار خروج الأهالي بشكل يومي حتى موعد يوم الجمعة القادمة التي اتسع فيها الحراك الجماهيري لتشمل نقاط المظاهرات والاحتجاجات عموم الأراضي السورية.
ربما ظاهريا يبدو أن هذا السبب الرئيسي في إصرار أهالي محافظة درعا على الدفاع بشكل لا يقبل الجدال عن تاريخ الثورة السورية في ١٨ آذار، فنسمع الكثير من البراهين والإثباتات على هذا الحق مثل أن الحراك الشعبي كان نصرة لمدينة درعا، أو أن المظاهرة في ١٥ آذار في دمشق لم تكن على مستوى شعبي عارم ولم يكن لها أي صدى أو تأثير على باقي المحافظات ولم تكن هي المحرك الرسمي للحراك الشامل لاحقا.
كما أن ارتباط فتيل الاحتجاجات باعتقال الاطفال في درعا وسقوط أول شهيدين في أول تحدي شجاع في وجه سلطات القمع أعطت قدسية لهذا التاريخ وأصبحت أي محاولة للتشكيك في هذا الحق جريمة للثورة ذاتها وطعن في ظهر من أشعل فتيلها من وجهة نظر أهل حوران.
ولكن هل هو السبب الوحيد؟ ربما حتى نستطيع أن نفهم الدافع الرئيسي خلف الدفاع الدائم عن هذا التاريخ يجب أن نعود لأسباب الإحتجاجات ومشاركة واسعة للمناطق الريفية والمحافظات المهمشة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بشكل أكبر من المدن الاقتصادية الكبرى مثل دمشق وحلب.
وبما أن السبب الرئيسي للانتفاضة الشعبية وتحولها لثورة عارمة كان حاملها الأساسي في عموم سوريا هو الظلم والقمع والفساد ولكن عند المدن الصغيرة والأرياف يضاف لهذه الأسباب التهميش المتعمد لعقود طويلة خدميا واقتصاديا واجتماعيا وبشكل أوضح سياسيا.
وخلال عشر سنوات من الثورة ظهر بشكل علني على صفحات الفيس بوك السورية اتهامات متكررة للعاصمة دمشق والعاصمة الاقتصادية حلب بتخلفهما عن ركب الثورة وعدم وقوفهما مع باقي فئات الشعب الثائر تصل تلك الاتهامات لتحميل سكان المدينتين سبب فشل الثورة وإعطاء النظام الغطاء للالتفات عسكريا وأمنيا للمدن الثائرة للقضاء عليها واحدة تلو الأخرى.
وبعد الفاتورة البشرية والاقتصادية والإنسانية الضخمة التي دفعتها تلك المدن في مواجهة النظام ومن بينها مهد الثورة كما يطلق على درعا بات يشعر أهل حوران أن من الظلم ومن غير العدل أن يكتب التاريخ أن الثورة التي قامت في وجه أكثر الانظمة إجراما في التاريخ الحديث تنسب لدمشق التي لم تقم بأي حراك حقيقي فاعل خلال عشر سنوات حتى الآن.
الخلاف على تاريخ الثورة ليس خلاف على رقم بل هو وجه آخر للظلم الذي لم يتح للسوريين أن يتخلصوا منه حتى الآن، هو نتيجة طبيعية لعقود طويلة من التهميش بداية بالجغرافيا وصولا للهجة التي يشعر أهالي المدن الصغيرة وأريافها أنهم مطرودون خارج حدود سوريا لأن لهجتهم ولباسهم وعاداتهم ليست دمشقية أو حلبية.
يتشبث أهل حوران بتاريخ الثورة لأنها كانت الأمل لرد الاعتبار للجغرافيا ولأهلها وفرصة ذهبية لردم عقود طويلة من الظلم والتهميش وأمل في الإعتراف فيهم كمواطنين سوريين من الدرجة الأولى ولأن كل ماسبق لم يتحقق بعد حتى اللحظة بسبب تعنت النظام وإصراره على تحويل سوريا إلى رماد سيبقى تاريخ الثورة مثار جدل كل عام حتى يأتي يوم يتساوى فيه جميع السوريين في الحقوق و تتشكل هوية وطنية جامعة تعلي مصلحة الوطن على المصالح المناطقية الضيقة وتدفن التصنيفات القاتلة (ريف /مدينة) وتتحقق العدالة الاجتماعية للجميع التي صدح بها صوت الثوار الأول (واحد واحد واحد الشعب السوري واحد).
عذراً التعليقات مغلقة