التجربة الديمقراطية في سورية

سمير سعيفان30 سبتمبر 2020آخر تحديث :
التجربة الديمقراطية في سورية

ثمة تناول شائع لتجارب الديمقراطية في سورية، إذ يقتصر الحديث على فترة الديمقراطية خلال سنوات أربع بين 1954 و 1958، وكأن سوريا لم تعرف الديمقراطية سوى خلالتلك السنوات الاربع، مما يعزز الشعور بأن الديمقراطية لا تملك تربة خصبة في سورية.

ما نود بيانه هو أن المناخ الديمقراطي بدأ يتشكل في سوريا “الكبرى” بعد خروج العثمانيين منها 1918، ثم بعد دخول فرنسا الى سوريا سايكس بيكو في تموز 1920 الى أن انسحب آخر جندي فرنسي من سوريا في 17 نيسان 1946، ثم بدأت الديمقراطية الشابة تتلقى الضربات مع الانقلابات العسكرية بين اذار ١٩٤٩ وحتى شباط ١٩٥٤ لتعود الديمقراطية بحماسة شعبية لها بين شباط ١٩٥٤ حيث عاد الحكم الديمقراطي بعد أن أطاح انقلاب عسكري بديكتاتورية الشيشكلي وحتى بدء الوحدة مع مصر في شباط ١٩٥٨ حيث قضت الوحدة على الديمقراطية الشابة ثم اطاح انقلاب عسكري بالوحدة في أيلول ١٩٦١ فعادت الديمقراطية لمدة عام ونصف ولكنها خرجت معتلة الى ان جاء انقلاب العسكر في آذار ١٩٦٣ واسس لحكم مستبد استمر حتى اليوم.

بعد ١٩٢٠ بدا لمجتمع السوري، كما الفلسطيني والأردني واللبناني والعراقي بالانتقال والتبدل بالتدريج من مجتمع عثماني الى مجتمع آخر أكثر حداثة وبدأت نخب سورية بالنمو في مناخ من الحريات العامة التي أتاحها الانتداب. فقد بدأت سورية سايكس بيكو، كما بدأت البلدان الأخرى مثل لبنان والأردن والعراق وفلسطين بالتحول الى مجتمعات حديثة تدريجيًا.

فعلى الصعيد السياسي نشأت الأحزاب السياسية وتشكلت الجمعيات المدنية والاجتماعية والأندية الرياضية وفرق الكشاف، وبدأ السوريون يتمتعون بالحريات العامة في التعبير والتنظيم، فنشأت الجرائد والمجلات المركزية او المحلية، وبدأت التظاهرات والإضرابات، وتشكلت النقابات بدًلا من شيخ الكار، ونشأـ المدارس الحديثة بمناهج حديثة وحلت محل الكتّاب، وتأسست جامعة دمشق 1919 ووجدت الثقافة مناخًأ أفضل للنمو فنما المسرح والسينما والموسيقى والغناء والمقاهي والأندية الليلية، بدأ اللباس الحديث بالانتشار وخاصة بين الطبقات الوسطى والمدينية وتزايد دخول المرأة الى الحياة العامة، وتبدل تصميم المنازل وبدأت التصميمات الجديدة، وعرفت سورية سيادة القانون ومحاكم حديثة وقضاء كفء ونزيه، وتم تنظيم الجيش والشرطة وأجهزة الدولة وفق معايير حديثة، وتم إزالة الشيوع في ملكية الأراضي الى حد بعيد، وتم وضع مخططات المدن والبلدات والقرى لأول مرة (الكادسترا) وغيرها من تحولات.

ما أردت قوله هنا، أن الديمقراطية ليست مجرد ديمقراطية سياسية وليست مجرد انتخابات كل اربع سنوات، بل الديمقراطية لها وجوه عديدة اجتماعية وثقافية واقتصادية أيضًأ، والأهم أن ديمقراطية الخمسينيات لم تهبط من السماء بل نبتت في ارض تمت حراثتها مسبقًا.

نعم السوريون لديهم تجربتهم الديمقراطية التي امتدت على مدى أربعة عقود وهم مستعدون للديمقراطية وقادرون على ممارستها بكفاءة، وهي وحدها الكفيلة بخلق مناخ صحي لمعالجة ما تراكم من كوارث كبيرة خلال سنوات الحرب السورية التي بدأها الحل الأمني للنظام لمواجهة استحقاق تاريخي بالتغيير والانتقال إلى نظام ديمقراطي طالب به ملايين السوريين، ودعمته قوى الاستبداد في ايران وروسيا، وشارك بوأد هذا الحلم قوى ظلامية متطرفة استترت بغطاء الثورة ومحاربة النظام، كما ساهم بها من زعموا أنهم أصدقاء الشعب السوري.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل