تشابهت الأنظمة التسلطية، إلى حد بعيد، في طريقة ردة فعلها أو تطبيق سياستها الصحية في ما يتعلق بالتعامل مع فيروس كورونا المستجد، فطريقة التعامل هذه مرت بثلاث مراحل رئيسية:
الأولى، التخفي، أو عدم الإعلان عن أية حالات، حتى يقرر النظام السياسي الرؤية الاستراتيجية في طريقة التعامل مع هذا الوباء العالمي، بطريقة تعود بالنفع على صورة النظام خارجيا، وتقلل من حدّة الانتقادات الداخلية.
الثانية، دراسة ردة الفعل الدولية تجاه التعامل مع الوباء، وكون هذا الوباء نشأ في الصين، لكنه تطور وبلغ مداه وعنفه الأقصى في الدول المتقدمة والصناعية، أي في الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وهي الدول الأكثر اندماجاً في النظام الاقتصادي والمالي العالمي، بما يمكن اعتبار هذا الفيروس أنه ينتمي إلى الشمال، وليس إلى الجنوب، حتى الآن، إذ قد تتغير المعطيات في الأشهر، أو حتى الأسابيع المقبلة. وأن ينتمي هذا الفيروس إلى الشمال فهذا يعني أنه قضية مركزية في الشمال، الأمر الذي يترافق مع حزمة مالية ضخمة ومساعدات دولية. ولذلك وجدت الأنظمة التسلطية في هذا الوباء فرصة، في المرحلة الثانية، للتفاعل معه، والحصول أو الاستفادة من بعض المساعدات الدولية، كما هي حال موجة مكافحة الإرهاب بعد أحداث “11 سبتمبر” في العام 2001، والتي أطلقت حزمة مساعدات دولية ضخمة للدول التي تعلن أنها تكافح الإرهاب بطريقتها.
المرحلة الثالثة، أنه بعد أن تقرّر الدول التسلطية الوضع الدولي المتغير والاهتمام العالمي بالفيروس وهوية الفيروس الشمالية، فإنها تقرّر الإعلان عن خطتها للتعامل مع الوباء وفق “المعايير الدولية”، وتبدأ الإعلان تدريجياً عن حالات فردية، من دون أن تكشف عن عجز نظامها الصحي وفشله في احتواء الوباء، في حال اجتاح الفيروس قطاعات واسعة من المجتمع. وعلى ضوء ذلك، يزداد عدد هذه الحالات وفق “الرؤية السياسية”، وليس وفقا للمعطيات الصحية والحاجة للرد على الوباء على الأرض.
مع متابعة ردود فعل الأنظمة التسلطية عبر العالم، بدءا من الصين وكوريا الشمالية وحتى الدول العربية التسلطية، مثل سورية ومصر، كلها تتشابه في طريقة ردة فعلها وفق المراحل الثلاث أعلاه. وإذا دخلنا في تفاصيل رد فعل النظام السوري على جائحة وباء كورونا، نراه مشى على خطة المراحل الثلاث بهدوء وأمانة تامة، فقد تأخر في الإعلان عن وجود أية حالات للإصابة بفيروس كورونا حتى 22 مارس/ آذار 2020، بعد أن كانت الأمم المتّحدة قد حذّرت في 21 مارس، على لسان مسؤولة الشؤون السياسية، روز ماري ديكارلو، من تأثير مُدمّر ومحتمل لتفشّي الوباء في سورية، سيما في محافظة إدلب. وكان تردّد النظام في الإعلان عن حالات الإصابة عدم إزعاج “الحليف الإيراني” الذي تأثر بشكل كبير بالجائحة، مع وصول عدد الوفيات المعلنة في إيران إلى أكثر من خمسة آلاف، وبالتالي كان النظام يشعر أنه بحاجة إلى الحصول على “الموافقة” من إيران، قبل الإعلان عن أي حالات بالإصابة بفيروس كورونا، خصوصا مع توالي التقارير عن ارتفاع عدد الإصابات في منطقة دير الزور التي تنتشر فيها المليشيات الإيرانية والمتحالفة معها، مثل فاطميون وزينبيون، فقرّر بعدها النظام الإعلان عن الحالة الأولى في دمشق، متجاهلا كعادته كل التقارير عن زيادة عدد الإصابات في مناطق دير الزور والبادية، وهي مناطق يسيطر عليها النظام بالكامل.
وقد جاء هذا الإعلان المتأخر بعد دراسة متأنية من النظام بشأن العوائد الممكنة عن إعلان الحالات، بهدف استجلاب الدعم الدولي، واستخدام المناشدات الدولية لرفع العقوبات على النظام. ولذلك استغل الإعلان عن الإصابات بحملة من أجل رفع العقوبات عنه، بحجة أن “هذه الإجراءات التي تتخذ بحق الدول تؤثر بالنهاية على المواطنين لا الحكومات، ونطالب باستمرار لاتخاذ خطوات باتجاه استثناء المجال الاجتماعي والصحي من هذا الحصار، والذي يؤثر على استجرار التجهيزات الطبية والأدوية”، كما قال وزير الصحة السوري. ما يعني أن النظام دخل في المرحلة الثالثة، الحصول على العائدات الدولية من الاهتمام الدولي بفيروس كورونا، ومن الحاجة إلى السيطرة ومنع تفشي الوباء، خصوصا في مناطق الصراعات.
عذراً التعليقات مغلقة