توّج الائتلاف المذكور في العنوان تبعيته للسياسة التركية ببيان مخجل أصدره دفاعاً عن الحكومة التركية ضد شكاوى اللاجئين السوريين في تركيا. مع العلم أنه موضوع إنساني وليس سياسياً، فلا يتطلب الأمر كل هذه الضجة. وإذا كانت العلاقة السياسية مع أنقرة تحرج الائتلاف فلا يستطيع اتخاذ موقف إنساني مشرف، فكان حرياً به أن يلزم الصمت، وبخاصة أن أحداً لم يعد يتذكر وجوده، منذ سنوات، بعدما تحول إلى ظل باهت للظهير التركي، وشارك في مسار أستانة الذي كانت وظيفته مساعدة نظام دمشق الكيماوي على استعادة المناطق الخارجة عن سيطرته بنيران «خفض التصعيد» المدمرة.
يستحق هذا البيان أن يدرّس في الجامعات نموذجاً فذاً على انعدام الضمير. فهو يعتبر تصريحات الإنكار الصادرة من المراجع التركية بشأن عمليات الترحيل الجماعي للاجئين السوريين من إسطنبول إلى ما وراء الحدود، بمثابة حقائق لا يرقى إليها الشك، على رغم من الشهادات الحية لمن تم ترحيلهم إلى محافظة إدلب، حيث قنابل الطيران الأسدي والروسي وبراميلها تسقط على المدنيين.
يقول البيان إنه لا يتم ترحيل أحد إلى سوريا. والدليل؟ قالولو! (قالوا له، على مبدأ العبارة الشهيرة في مسرحية عادل إمام).
ويقول إن الترحيل يتم فقط إلى الولايات التي أصدرت «كمالك» السوريين المرحلين. والدليل؟ قالولو!
ويدافع البيان عن السلطات التركية التي تتعرض، برأي البيان، إلى حملة ظالمة من اللاجئين السوريين، بهدف الإساءة إلى العلاقات الأخوية.. إلخ. والدليل؟ ما ينشره اللاجئون السوريون الظالمون على وسائل التواصل الاجتماعي من افتراءات!
أن تنكر السلطات التركية انتهاكاتها بحق اللاجئين السوريين، هذا مفهوم، فلو أنها كانت تنوي الاعتراف بتلك الانتهاكات لما ارتكبتها. ولكن ما شأن الائتلاف بتكذيب أخبار الترحيل والمعاملة الفظة التي يتعرض لها المرحلون، في الوقت الذي تنشر أخبار تلك الانتهاكات في بعض وسائل الإعلام التركية ذات الضمير الحي، بما في ذلك حتى بعض الصحف المحسوبة على الحكومة؟ حتى وزير الداخلية التركي لم ينكر حدوث «تجاوزات أثناء التنفيذ» على حد تعبيره، ووعد بمحاسبة المسؤولين عنها، في حين أن من حسن حظ السوريين أن الائتلاف لا يملك وسائل محاسبة «المفترين»! ولا السلطات التركية قامت بمحاسبة أي سوري نشر أخباراً عن الترحيل القسري وعن سوء معاملة المرحلين من قبل الشرطة.
ليس هذا البيان «سقطة» طارئة يمكن تجاوزها باعتذار أو بوعد بعدم التكرار. فقبل ذلك شاهدنا رئيس هذا الائتلاف رياض سيف، مع وفد مرافق، يقوم بزيارة إحدى القرى التي سيطرت عليها القوات التركية والفصائل التابعة لها في منطقة عفرين، في آذار/مارس 2018، في إطار عملية «غصن الزيتون»، مباركاً احتلال قوات أجنبية لجزء من أرض سوريا. إلا إذا كان الائتلاف يعتبر عفرين أرضاً كردية وليست سورية، فلا بأس ـ برأيه ـ من أن يأخذها أي كان ما عدا سكانها الكرد.
كذلك، رأينا السيد أحمد طعمة، الرئيس السابق لـ«الحكومة السورية المؤقتة» المنبثقة عن الائتلاف، ورئيس الوفد «المفاوض» في سوتشي، مفترشاً أرض مطار موسكو، بانتظار إقلاع طائرة العودة إلى إسطنبول، بعدما «فوّض الوفد الرسمي التركي بالكلام باسم وفد المعارضة»!
هذا التفويض ـ الفضيحة جيد وسيئ. فهو جيد لأنه ينتقل من التبعية المواربة إلى التبعية الصريحة، ويلغي أي مبرر لوجود الائتلاف، ما دام الحليف التركي يقوم بالواجب. وسيئ لأنه لم يبن على الأمر مقتضاه، فلم يتم حل الائتلاف وتوكيل التركي بمعارضة نظام الأسد بدلاً من السوريين. لو حدث ذلك لكانوا وفروا علينا قراءة شهادة الزور المخجلة المسماة بياناً بشأن عمليات الترحيل.
وقبل صدور البيان، كتب السياسي السوري ملهم الدروبي على صفحته على «فيسبوك» عما وصفه بـ«قلة الإحساس» لدى اللاجئين السوريين الذين استغلوا حسن ضيافة التركي، فلا يغادرون المضافة التي يجب أن يبقى فيها فقط هو وأمثاله. هذا الكلام المشين الذي اضطرت حتى جماعته (الإخوان المسلمون) للتنصل منه وانتقاده.
يمكن إطالة قائمة مواقف التبعية المذكور بعض أمثلتها في الأسطر السابقة. لكن هذه الأمثلة تعطي فكرة كافية عن هذا الكيان المسمى ائتلافاً معارضاً. الأهم من ذلك هو قراءة النسق الذي يقوم عليه هذا المسلك التبعي. فموقف الائتلاف من السلطات التركية مطابق تماماً لمواقف أحزاب سورية مؤيدة لنظام البراميل والكيماوي، كأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التي شكلت دائماً رأس حربة في تسويغ أسوأ مواقف النظام وقراراته، وفي تكذيب ما كانت المعارضة «تفتري» به على النظام «البريء المسكين» الذي يعجز عن الدفاع عن نفسه.
حسناً، إذا كانت مهمتكم هي الدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه من سياسات وممارسات حكومة دولة حليفة، فأحرى بكم العودة إلى «حضن الوطن» الدافئ لتواصلوا منه إصدار بياناتكم. فإذا ذكرت وسائل الإعلام أخبار إلقاء براميل متفجرة على تجمعات سكنية أو مدارس أو مستشفيات أصدروا بياناً لتكذيب تلك الأخبار، مع إسناد تكذيبكم إلى مسؤولي النظام. فيكون الدليل «قالولو»! وهو دليل كاف في عرفكم.
عذراً التعليقات مغلقة