أيامنا معهودة على لِقاء أناس معيّنين، يمكن لهم أن يقلبوا حياتنا رأسًا على عقب، ذاك اليوم كان يتضمن فعاليّة تطوعية خيرية لأجل إدخال البهجة والسرور على قلوب الأطفال، وكالعادة كانت مليئة بالفرح والحزن في آنٍ واحد ..
ركض أحمد نحوي وعيناه مركّزتان على آلة التصوير خاصّتي، بلهفة محِبٍ قال لي: هل من الممكن أن أستخدمها؟
انتابني الفضول نحوه، طفل بعمره لم يأبه للفتى الذي يرتدي زيّ المهرّج، ولا لصديقتي التي توزع الجوائز، ولم تحرّك مشاعره تلك الزينة الملونة والبالونات الكبيرة، فقط لفت نظره آلة التصوير المعلقة على عنقي.
سألتُ أحمد عن سبب حبّه لآلات التصوير، فقال لي وهو يعبثُ بها، وعقدة التركيز ارتسمت على جبهته، زمّ فغرهُ بتركيزٍ حادٍّ، أريد أن ألتقط صورة لكلّ شخص يصرخ في وجهي، لأُريه إياها ويرى نفسه كم يكون قبيحًا في هذه الوضعية ويكف عن ذلك.
ما بك يا صغيري، من الّذي يتجرّأ أن يصرخ في وجهك الملائكيّ هذا؟ نظر إليّ بابتسامة بسيطة وهمس، الجميع ..
بفضولٍ أكبر أردت أن أعرف ما الذي أوصل أحمد إلى هذا المكان، شيء غريب شدّني نحوه، بدأ الحديث عن حياته، متخذًا مني صديقة جديدة؛ أمي وأبي استشهدوا بسبب القذيفة التي هبطت ذاك الصباح فوق منزلنا، وأنا بقيت لوحدي، حتى تولى أمري زوج خالتي، وأخذني معه وعائلته لمخيم الزعتري، كان مكانًا قبيحًا لم أحبه يومًا، خرجنا منهُ بعدما تواصل بعل خالتي مع كفيلٍ أردنيّ، وهنا بدأت الحياة الجديدة، بيت صغير جدًا، يخنق ساكنيه نفسيًا، مليء بالحشرات والرطوبة، أرسلني حينها إلى الشارع، لكي أستلم وظيفتي الجديدة، ألا وهي التسوّل، لم يتحمل أكثر عندما رأى عدم إنجازي في هذه المهنة، وأنني لم أعد قادرًا على جذب مشاعر الناس حولي، حينها قرر أن يضعني في دار الأيتام، هنا أنا بخير، لديّ أصدقاء وصديقات، يحبونني وأحبهم مثل عائلتي، اشتقتُ لأمي وأبي، لكن تلك المربية القبيحة، أريد فقط أن ألتقط لها صورةً واحدة، كيّ تعدل قليلًا من وجهها بابتسامةٍ صغيرة وصوت منخفض غير مرعب وبعض من الكلمات الحسنة، حينها سأقول لها كم أصبحت جميلة!
عذراً التعليقات مغلقة