زينة الحمصي – حرية برس:
ألقى الكاتب الصحفي “مارك أ ثيسن” الضوء في مقاله في صحيفة “واشنطن بوست” على استراتيجية “ترامب” تجاه إيران، واصفاً إياها بالتأرجح بين الدبلوماسية والعدوانية، حيث قام “ترامب” بنشر تغريدة في احد الأيام “أنا متأكد من أنّ إيران لن تتحدث قريباً”، ثم حذّر في اليوم التالي بتغريدة أخرى “إذا أرادت إيران الحرب، فإنّها ستكون نهايتها الرسمية”. أما إيران، فقد جاء ردها في تغريدة على الحساب الحكومي لآية الله المرشد الأعلى “خامنئي” “هذه ليست مواجهة عسكرية لأنّه لن تكون هنالك حرب”.
واستطرد “ثيسون” في شرح الموقف الأمريكي وأهدافه من هذه الاستراتيجية تجاه إيران قائلاً: “إنّ الإدارة الأمريكية تدرك أنّ إيران لا تريد حرباً لأن الأخيرة تعلم أنّها ستخسر، كما أنّ “ترامب” لا يريد حرباً، لكن إدارته تهدف إلى ثلاثة أشياء:
أولاً: استعادة الردع واحتواء تةسع إيران في الشرق الأوسط.
ثانياً: استعادة المكاسب التي حققتها إيران وإجبارها على التراجع إلى حدودها.
ثالثاً: منح قادة إيران خياراً واضحاً يتجلى بإمكانيتهم للقدوم إلى طاولة المفاوضات، والتخلي عن طموحهم النووية والصاروخية، والتصرف كبلد عادي، أو يمكن لنظامهم أن ينهار مثل الاتحاد السوفييتي”.
وأشار “ثيسون” إلى تاريخ ترامب وإيران، حيث كانت إيران تشق ميسرتها عبر الشرق الأوسط عندما تولى “ترامب” منصبه، وذلك بفضل فشل إدارة “أوباما” في مواجهة العدوان الإيراني وضخ الأموال الضخمة التي تلقتها من تخفيف العقوبات في ظل الصفقة النووية في عهد “أوباما”. انسحب ترامب من الصفقة، لكنّه لم يستعد ببساطة العقوبات المفروضة قبلها، بل صعّدها إلى مستويات غير مسبوقة. ونقلت صحيفة “ذا بوست” عن مسؤولين في الإدارة الأمريكية أنّ العقوبات “حصدت بالفعل 10 مليارات دولار من الإيرادات الإيرانية منذ تشرين الثاني/نوفمبر”.
وتطرق “ثيسون” إلى تأثير العقوبات الأمريكية على إيران، ففي هذا الشهر، شدّدت الإدارة الخناق أكثر فأكثر، مما أدى إلى إلغاء الإعفاءات عن ثماني دول سبق أن سُمح لها بمواصلة استيراد النفط الإيراني. والهدف وفقاً للمسؤولين الأمريكيين هو خفض صادرات النفط الإيرانية إلى “صفر”. وذكرت وكالة “بلومبرج” أنّ “شحنات النفط الإيرانية تراجعت هذا الشهر بعد أن قامت الولايات المتحدة بإنهاءالتهاون في العقوبات، وحتى الآن لم تُشاهد سفينة واحدة وهي تغادر محطات النفط الإيرانية إلى الموانئ الأجنبية. ”
كما تُجبر العقوبات إيران على قطع التمويل عن وكلائها الإرهابيين، وبحسب صحيفة “ذا بوست” فقد تم تقليص قدرة إيران على تمويل حلفائها مثل حزب الله، أما في لبنان فقد ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أنّ رواتب الميلشيات السورية التي تمولها إيران قد انخفضت بشكل كبير، وذلك يعود إلى ما قاله أحد المقاتلين “إيران لا تملك المال الكافي لإعطائنا”. كما أخبر وزير الخارجية “مايك بومبيو” الكونغرس يوم الثلاثاء أنّ “ميزانية الدفاع الإيرانية المقترحة قد خفضت بنسبة 25% والميزانية المقترحة لفيلق الحرس الثوري الإيراني بحوالي 10%”.
من الواضح أنّ إيران غير راضية عن ذلك، ورأت المخابرات الأمريكية علامات تدل على أنّ إيران كانت تستعد للرد بهجمات على الأمريكيين باستخدام وكلاء إرهابيين، تماماً كما فعلوا في تفجير ثكنات مشاة البحرية في بيروت عام 1983 وتفجير أبراج الخبر في المملكة العربية السعودية عام 1996، من خلال ميليشيات شيعية في العراق قامت بزرع القنابل على جوانب الطرق وتسببت في مقتل المئات من الجنود الأمريكيين.
لذا فقد وجهت إدارة “ترامب” رسالة واضحة مفادها أنّ أمريكا ستحمِّل إيران مسؤولية مباشرة عن أي هجمات على الأمريكيين، حتى لو تم تنفيذها من قِبل غيرها، وعرضت استعراضاً للقوة لدعم تلك التهديدات.
وبعيداً عن جعل الحرب أكثر احتمالاً، فإنّ هذا النوع من الوضوح يجعلها أقل احتمالاً أن يخطئ القادة الإيرانيون في التقدير، لأنهم يعرفون العواقب.
ومن وجهة نظر “ثيسون” أنّ العقوبات تسببت بألم كبير لإيران، ولكن إا كان الهدف من هذه العقوبات هو احتواء التوسع الإيراني فحسب، فإنها غير كافية لتنفيذ هذا الهدف، حيث يجب على الولايات المتحدة أيضاً أن تواجه إيران بقوة في جميع أنحاء المنطقة، وأن تبني حلفائها وتُلحق الاذى بالإيرانيين متى استطاعت، كإلحاق الهزائم بهم في المسارح الحرجة مثل سوريا والعراق، كما فعل الرئيس “رونالد ريجان” للسوفييت أثناء الحرب الباردة. كما إنّ انسحاباً كبيراً للقوات الأمريكية في سوريا لا يتوافق مع نهج “الحد الأقصى للضغط”.
ويتساءل “ثيسون” هل سيأتي القادة الإيرانيون إلى طاولة المفاوضات؟ العقوبات الأقل قسوة جلبت إيران إلى طاولة المفاوضات في عهد “أوباما”. لكن “ترامب” قد فرض بحق عقوبات أكثر صرامة مع مطالب أكثر صرامة. حيث وضع بومبيو 12 شرطاً للتوصل إلى اتفاق مع إيران، بما في ذلك وضع حد لدعم الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، والانسحاب الكامل من سوريا التي من غير المرجح أن تفي بها إيران.
وإذا لم تأت إيران إلى الطاولة، فماذا ستكون الاستراتيجية الامريكية؟ هل يريد ترامب حقاً إحداث انهيار في النظام الإيراني؟ إن ذلك ليس واضحاً. وإذا فعل ذلك، فكما يشير الزميل في معهد “أمريكان إنتربرايز” “فريدريك دبليو كاغان” فإنّ هذه المهمة قد تكون أصعب مما كانت عليه في الاتحاد السوفيتي. وبالتأكيد سيكون العالم أفضل إذا ركزت إيران على البقاء بدلاً من التوسع والإرهاب. لكن الأمر سيستغرق أكثر من العقوبات لترك النظام الإيراني على هامش التاريخ، وهذا يتطلب استراتيجية.
عذراً التعليقات مغلقة