يبدو أن روسيا تتوّج تقدّم مصالحها في الملف السّوري باستثمار كامل لميناء طرطوس السّوري، لنحو نصف قرن مقبل، ناهيك أنّ تحوّل أخبار الصراع مع “إسرائيل” إلى ضربة محرجة لموالاة النظام السّوري الّذين حيّرهم كيف أن رفات الجندي الإسرائيلي المدفون في مخيم اليرموك بأيادي فلسطينيّة، كانت قد وصلت إلى مراسم التأبين في الأراضي الفلسطينية المحتلة بحضور ممثل الدفاع الروسي إلى جانب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو؟ وكان ذلك بتأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الّذي وصف ما قامت به القوات الخاصة الروسيّة في سورية “بالعملية النوعية لإيجاد رفات الجندي ووفق التقليد العسكريّ أرسلت هذه الرفات إلى إسرائيل”! حسب قوله.
ولا زالت روسيا تراهن على مقدرتها في حلّ وتسطيح أغلب القضايا الّتي تهم الشّعب السّوري في الداخل والخارج، وتضع الأوراق الّتي تريدها أمام صناديق المُساومات الدوليّة دون اكتراثٍ لمصير المدنيين أو العسكريين من أبناء البلد!
مثلاً، روسيا منذ أيام أكّدت عبر أحد المسؤولين الرّوس أن نظام الأسد سوف يقوم بإصدار وثائق تأجيل من الخدمة الإجبارية لكل اللاجئين العائدين إلى “حضن الوطن” ذلك في سياق الدّعاية الإعلاميّة لتفكيك المخيمات المحيطة بسورية ودفع اللاجئين السوريين في لبنان وتركيا والأردن للعودة. إلاّ أن الثقة الشعبيّة بذلك الكلام لا تعني شيئاً لمئات آلاف اللاجئين السّوريين حول العالم ممن استقروا في بلدان اللجوء، وقد تغيّرت حياتهم من جذورها وأصيب معظمهم بمشاكل اجتماعيّة ونفسيّة وصحيّة. فكيف يثقون بالنظام الّذي كان سبباً في دمار بلادهم ومسح تاريخهم في المنطقة، ثم تأتي روسيا “لتطمئن” أن الأسد سوف يمهلهم وقتاً ليكونوا جنوداً في محرقته!
ولا توفر روسيا فرصة من أجل تحقير النظام السّوري والسخرية من تصرفاته، كما في أزمة المحروقات الحالية الّتي تعاني منها مناطق سيطرة النظام، حيث وجّهت قاعدة حميميم العسكريّة الروسيّة نصيحة لحكومة الأسد من أجل ضرورة استخدام البغال والأحصنة كوسائل نقل، لتجاوز أزمة المحروقات، معتقدةً أنّ ذلك هو الحلّ الوحيد في الوقت الراهن للخروج من هذه الأزمة (…)!
إنّ الوجود الروسيّ في سورية قد يتناسب مع طموحات أوروبا أولاً ثم توجهات الولايات المتحدة، ذلك أنّ أحد التقارير أشار إلى أهميّة خطوط أنابيب النفط واستكشاف الحقول النفطيّة الّتي تعمل عليهم روسيا في تركيا والعراق ولبنان وسورية، إذ سوف تهدف إلى إنشاء جسر بري إلى أوروبا عبر الشرق الأوسط، بحسب ما أوردته مجلة “فورن بولسي” الأمريكية. ومن جهة أخرى فإن علاقة روسيا مع “إسرائيل” تزداد متانةً مع تقدّيم خدمات الاستخبارات المشتركة، كإعادة رفات الجندي الإسرائيلي وقبلها ربّما، إعادة ساعة “إيلي كوهين” الجاسوس الإسرائيلي في سورية، إلى جانب عشرات الخطوات لإبعاد إيران عن الجنوب السوري والسّعي لتقليص دورها كما شهدنا في الفترة الماضية حتى الآن.
يمكن أن نستخلص مما سبق أن “الإمارة الروسيّة” في شقها السّياسي والعسكريّ والتجاريّ، لن تنظر كثيراً إلى مسألة الحلّ السّياسي المنتظر فيما بقي من سورية سوى على قياسها. وسوف تغامر بكلّ من يقف ضدّ مصالحها واستقرار وجودها هناك، حتّى لو كانت إيران والأسد ربّما! ويمكن ملاحظة ذلك بداية من تقدّم العلاقات الروسيّة-الإسرائيليّة ونتائجها الحالية على الأرض، مروراً بالتأثير على أوروبا بورقة اللاجئين واستثمارات النفط والغاز، وصولاً إلى العلاقات الروسيّة-التركيّة الّتي أثمرت مؤخراً صفقات روسيّة عسكريّة مع تركيا بعد توتر علاقات هذه الأخيرة مع الولايات المتحدة، ومن جهة أخرى لإكمال التفاهمات في الشمال السوري من ضمنها مواقع المعارضة المسلحة ومواقع “قسد” إبان وضوح نيّة واشنطن تخفيف وجودها العسكريّ والسياسيّ في سورية، وكلّ ما سبق يؤكد على أنّ المعارضة السورية بأجسامها السياسية “المُشتّتة” أيضاً هي رهن إشارة موسكو على أي حال، فلماذا يستغرب البعض من وجود قياداتها البارزة في الرياض وموسكو وأنقرة بآن واحد!!
عذراً التعليقات مغلقة