الأسد وريثُ السراج في تعذيب وتصفية معتقلي الرأي

عمار حسين الحاج17 يونيو 2018آخر تحديث :
عمار حسين الحاج

منهج السجون في دين الطغاة

” من أدبيات السجون “

(5)

تتخذ الأجهزة الأمنية سلطتها المطلقة في التعامل مع عامة الشعب، من دستور السلطة الحاكمة فهي أداتها الرئيسية في تطبيق طقوس وشعائر دين الطغاة. بحسب التراتبية المبني على أساسها هيكلية هرم الدكتاتورية المُطلقة أو الجزئية، بدون محاسبة لأي تجاوز أو حجز حرية بدون أمر قضائي أو فِعل تغييبي ولو كان هذا التجاوز قد قضى على حياة أحد الأفراد.

وفي قراءةٍ تحليليةٍ للسجون السرية والأفرع الأمنية ولشخصية المحققين والجلَّادين الذين يديرون هذه الأجهزة، عبر سرد تفاصيل اعتقال بعض الناجين من الجحيم السوري، في محاولةٍ لفهم عقلية السُلطة الحاكمة التي تدير البلاد منذ خمسة عقودٍ حتى اللحظة.

قد درجَ ذِكرُ التعذيب في السجون السورية في العصر الحديث بالشكل المُباشر مع لمعان اسم عبد الحميد السراج، أو “السلطان الأحمر” كما يسميه الصحفي غسان زكريا، والذي أصبح مدير إدارة المخابرات العامة في سوريا، تولى التحقيق في قضية اغتيال العقيد عدنان المالكي عام 1955، وسعى ليشمل دور المخابرات كل مفاصل الحياة في سوريا وخصوصاً السياسة والاقتصاد، وضرب بيدٍ من حديد كل صوت يُخالف أو يرتفع أمام الاستراتيجية الأمنية القمعية الجديدة، لتمتلئ السجون بالمعتقلين، وتظهر للعلن الكثير من القصص المرعبة عن التعذيب والموت تحت التعذيب، والذي – أي السراج – غير مسار سوريا الصحيح، وله الأسبقية والدور المباشر في تدمير تجربتها الديمقراطية والتأسيس للدولة الأمنية العميقة.

كما وقد ذكر “غسان زكريا “: أن السراج أصدر تعليماتٍ بعدم السماح لأي مواطنٍ بمغادرة الاراضي السورية الا بعد الحصول على “تأشيرة خروج” او اذن سفر فحوّل البلاد إلى سجنٍ كبير، وفي 22 نيسان/فبراير 1958، حينما أعلنت الجمهورية العربية المتحدة برئاسة الزعيم جمال عبد الناصر قد عيَّن السراج وزيراً للداخلية، من ثم نائباً له في سوريا، وفي هذه المرحلة وصل السراج لذروة قوته، فقد مهر وأبدع في صناعة الخوف، وتَضلَّعَ في القتل والإجرام بدون رقيب أو حسيب، وبدأت معالم الدولة المدنيّة بالاضمحلال شيئا فشيئا، ولعلّ أفظع جريمة قتلٍ تحت التعذيب ذاع سيطها في كل الأوساط في ذلك الوقت، وبَشَّرَت بعهدٍ أمنيٍّ جديد هي جريمة اعتقال وتصفية نائب الأمين العام للحزب الشيوعي فرج الله الحلو تحت التعذيب بعد اعتقاله لست ساعات، وبعد دفنه بفترة ولتغطية الجريمة من قبل السراج تم نبش قبره وتذويب جثته بـ”الأسيد”.

وعن تجربته في سجون السراج يقول الأديب الراحل “محمد الماغوط”: “في السجن انهارت كل الأشياء الجميلة أمامي، ولم يَبق أمامي سوى الرعب والفزع، وبدلاً من أن أرى السماء، رأيت الحذاء! حذاء عبد الحميد السراج، وهذا ما أثّر علي بقيّة حياتي”.

توفي السراج في القاهرة عام 2013، في يومٍ كان السوريون يخوضون ثورتهم العظيمة ضد “عائلة الأسد” التي اغتصبت السلطة في سوريا وورثت وأخذت من السراج خصاله وأكملت بناء دولته الأمنية، وأضافت إلى مشرحة المزة مشرحة سجن تدمر ومسلخ ومحرقة صيدنايا البشري، وطوّرت من أساليب القمع والتعذيب حتى وصلت إلى مرحلة التفنن والإبداع، وما فعلهُ الأسد بشعبهِ الثائر لم يأتي من فراغٍ وإنما فعلُ استمرارٍ لنهج الاستبداد، وبأقنعةٍ وطنية ومقاوماتية، تعكس عُمقَ فهم الايديولوجية المتبناة منه في حُكمِ سوريا، وليس محض صدفة، أو ردة فعلٍ غير محسوبة على نهضة الشعب السوري باتجاه تحقيقهم الحلم القديم بالحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية .

ومنذ انطلاقة ثورتنا العظيمة جعل الأسد في كل قطعةٍ عسكريةٍ معتقلاً سريَّاً، وهو جزء من إقحام الجيش في القضاء على الثورة الشعبية، وأيضاً لضمان سريَّة الاعتقال ونتائجه.

سأفرد الجزئين القادمين لشرحٍ أوسع عن أحد هذه المعتقلات السريَّة وهو “مطار حماة العسكري” السيء السمعة في كل المنطقة الوسطى من سوريا الحبيبة، من ما رأيت ومن شهادات معتقلين صادفتهم أثناء تواجدي في المطار، أو الذين رافقوني في اعتقالي في سجن حماة المركزي.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل