اليسار والثورة السورية

زكي الدروبي16 يونيو 2018آخر تحديث :
اليسار والثورة السورية

تحدثت في مقالة سابقة في “حرية برس” بعنوان (البرجوازية والثورة السورية)، أن البرجوازية السورية عملت ككمبرادور للاقتصاد الغربي، فسوقت لمنتجات الغرب وضربت المنتج الوطني وسرقت شعوبها وضخت الأموال لبنوك الغرب، فكان الاقتصاد السوري اقتصادا طفيليا اعتمد المرء فيه على قربه من السلطة، وأن أغنياء الشعب السوري في الخليج بنوا ثرواتهم نتيجة تقاطع المصالح بين تياراتهم السياسية وبين أمراء ومشايخ الخليج، وأن أغنياء سوريا في الغرب هم نتاج حركة وآلية اقتصاد الغرب، وليسوا أبناء الاقتصاد السوري.

أوضح هذا كي لا نحلم منتظرين الرأسمال السوري ليدعم الجيش الحر، أو يدعم أهداف الثورة السورية في الانتقال لدولة ديمقراطية مدنية تعددية، دولة القانون التي يتساوى فيها جميع المواطنين بغض النظر عن انتماءهم العرقي أو الديني أو المذهبي، لأن هذا يتعارض مع مصالحهم ومع الطريقة التي بنوا فيها ثرواتهم. وكي نعلم أن الحكومات الغربية التي دعمت الاستبداد والتطرف في بلادنا، لا يمكن أن تسمح بانتقال ديمقراطي حقيقي، فاقتصادها بني على سرقتنا، سواء من خلال شراء المواد الأولية ومنع تصنيعها في بلادنا وتسويق منتجاتهم المصنعة من موادنا الأولية في بلادنا عبر الكمبرادورية السورية أو عبر ضخ الأموال التي تراكمت لدى هذه البرجوازية الطفيلية إلى بنوكها واقتصادها.

في ضوء كل ما سبق وإن كانت الحكومات ليست ذات مصلحة في انتقال ديمقراطي حقيقي فأين اليسار الدولي الذي من المفترض أن يدعم حركة الشعوب ضد الرأسمالية؟ أين منظمات حقوق الإنسان؟ أين النقابات والجمعيات التي كانت تشعل أوروبا من أقصاها لأقصاها معارضة لسياسات أنظمتها حين تدخلت في العراق تحت حجج وذرائع واهية؟ وأين اليسار السوري؟

لقد تخاذلت تلك القوى عن نصرة الشعب السوري لعدة أسباب، من بينها علاقتها بالأحزاب الشيوعية السورية التقليدية التي تدعي أن نظام الأسد يقاتل الإمبريالية الأمريكية، لكن أليست روسيا دولة إمبريالية حالياً؟ ألم يتابعوا تصريحات المسؤولين في نظام بوتين عن مليارات الدولارات التي حققوها من تجارة الأسلحة التي جربوها على الشعب السوري؟ ألم يتابعوا التنافس الروسي الإيراني على مليارات الدولارات التي ستتحقق من إعادة إعمار ما هدموه بقصفهم للبنى التحتية في الدولة السورية بذرائع مختلفة؟ أليست الحقيقة واضحة جلية، وهي الرغبة بالتدمير من أجل تحقيق أرباح طائلة من إعادة الإعمار؟ هل يمكن أن نكيل بمكيالين ونرى الإمبريالية الأمريكية سيئة، والإمبريالية الروسية جيدة؟ هل يمكن مناهضة الإمبريالية الأمريكية بالتعاون مع نظام حكم ثيوقراطي في ايران يعتمد على مليشيات وأحزاب طائفية ؟!.

لقد انتشر الفكر الماركسي في سوريا نتيجة التعاطف مع الاتحاد السوفييتي الذي دعم الشعب السوري وزود جيشه بالسلاح والمصانع حين كان المعسكر الغربي يمنع عنه التسلح والتطور الصناعي، لهذا كان هناك قبول شعبي به، وفي فترة توهجه كان هناك الكثير الكثير من المتسلقين الذين يريدون الاستفادة من الحزب، سواء عبر الدراسة الجامعية في الاتحاد السوفييتي أو للوظائف العامة أو غيرها من المنافع لقربه من السلطة، والآن وبعد أن انتفت تلك المصالح أين هم هؤلاء؟! لم يبقى سوى المؤمنين فعلاً بالعدالة الاجتماعية، وضرورة إعادة توزيع الدخل والثروة الوطنية، وقد شاركوا في الثورة السورية وكانوا من قيادات التنسيقيات الأولى، وسعى نظام الأسد إلى تصفيتهم أو اعتقالهم أو تهجيرهم، كي يبعد الوجه الديمقراطي عن الثورة السورية، وكي يبرز الوجه الإسلامي المتطرف لتكون ذريعة له كي يبطش بالشعب الرافض له ويعيده إلى بيت الطاعة، وساهمت الفضائيات التي تبنت الثورة وادعت أنها تناصرها في هذا الأمر.

ها هي الإمبريالية الأمريكية موجودة في عقر دارهم، في الجزيرة السورية، فماذا فعلت هذه القوى المتحالفة مع النظام؟ وهل أطلقت حرب تحرير شعبية لمقاومتها منها؟ علماً أن معظم أعضاء الحزب الشيوعي المتحالف مع النظام هم من أبناء مناطق الجزيرة السورية، ومن أبناء الأقليات المذهبية والقومية في سوريا، وقد أظهر معظمهم فكره الحقيقي الانتهازي حين تحالف مع النظام، ووضع نفسه أداة قتل أو تبرير قتل في يد المافيا الأسدية، إذن يمكن القول إن هناك حركة انتهازية كانت موجودة، وقد كشفت الثورة السورية هذه الناس على حقيقتهم، وعرّت كل الكذب والادعاء والزيف والشعارات الفارغة التي كانوا يروجونها.

نحن اليساريون المؤمنون بالعدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق الإنسان أمام أزمة حقيقية، وهي أزمة فكر بالأساس، فكر يقيس الأمور بمكيالين، فهو يرى في الدولة الثيوقراطية الإيرانية ذات الأطماع التوسعية دولة حليفة وداعمة لتوجهاته، ويرى في نظام بوتين المستبد القاتل، الضابط السابق بالمخابرات الروسية، خليفة للاتحاد السوفيتي، نظاماً مناهضاً للإمبريالية، وهي أزمة تنظيمات ارتهنت للأنظمة المستبدة القاتلة لشعوبها، ويجب أن نفعل طاقاتنا ونزيد التعاون بيننا من أجل مواجهة هذه الاستحقاقات المهمة التي تواجهنا حالياً.
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل