جهاد الحداد إسماعيل-القاهرة-حرية برس:
تنتشر ظاهرة التسول في “مصر” بشكل كبير، وتزداد معها الأساليب والحيل المستخدمة في ذلك، حتى بات البعض يحترفها مهنة، ويحقق منها مكاسب كبيرة، خاصة في المدن وعواصم المحافظات، سواء في وسائل المواصلات أو الشوارع والأسواق.
وقد تطورت أساليب وآليات العاملين فيها، ففي الأحياء الراقية مثلاً ينتشر شبان وفتيات بملابس أنيقة باهظة الثمن، ويستوقفون المارة بأسلوب مهذب، ليطلبوا منهم أموالاً من أجل العودة إلى منازلهم، ويدَّعون أنهم فقدوا كل ما معهم أو نسوا محفظة النقود.
يمارس المتسولون مهنتهم لجلب الرزق، ما يكسبهم تعاطف النّاس فيمحونهم المال، الأمر الذي يرفع نسبة دخلهم، ويجعلهم يقبلون على التسوّل بشكلٍ أكبر.
وللتسول كثير من الآثار السلبية على الفرد والمجتمع، فعدا عن أنها ظاهرة غير حضارية، فهي تعد أيضاً امتهاناً لكرامة السائل.
ولا تقتصر هذه الظاهرة على المدن الكبرى فحسب، بل تمتد إلى القرى والنجوع، ويعمل فيها أشخاص من سكان بعض المناطق إضافة إلى بعض الوافدين من المدن، حيث يجلسون أمام المساجد أو يطرقون أبواب المنازل، حاملين أوراقاً وصوراً شعاعية تثبت حاجتهم أو حاجة أحد من ذويهم إلى تدخل طبي، ومنهم من يسأل المال من أجل تجهيز ابنته للزواج، وبالتالي يبرر حاجتهم للسؤال ويحفز الناس على التعاطف معهم ومنحهم المال.
تقول السيدة “عفاف أحمد صابر”، البالغة من العمر 54 عاماً، إحدى السيدات اللاتي تعملن في هذه المهنة لـ”حرية برس”: “نتسول من أجل تأمين لقمة العيش، لقد أصبحت الظروف صعبة للغاية، لدي أولاد يدرسون في الجامعة والمدارس، من أين سآتي بالمالي الذي أنفقه من أجلهم؟”
وأضافت: “توفي والدهم الذي كان يعمل من أجل العائلة ومن أجل تأمين نفقات الدراسة، ولا نتقاضى معاشاً أو راتباً من الدولة، ولا حتى بحدود الحد الأدنى للمعيشة، ناهيك عن أن أسعار السلع الاستهلاكية مرتفعة للغاية، ولا نملك أي مصدر للدخل، إنه ليس بالأمر السهل أن نذل أنفسنا ونطلب منحنا المال”.
وفي تصريح خاص أدلى به الكاتب الصحفي “عماد أبو زيد” لـ”حرية برس”، قال إن “الحملات التي تقوم بها أجهزة الدولة المصرية فى مكافحة ظاهرة التسول لن تأتي بأي نتائج إيجابية، موضحاً أن الفقراء الحقيقيين يتعففون عن التسول، ويبحثون عن فرص عمل ومصادر رزق بشكل يحفظ كرامتهم، وهذه مسؤولية الدولة”.
ونوّه إلى أن من يمتهنون هذا العمل ليسوا فقراء على الأغلب، بل هم شريحة من الشعب اتخذت من التسول حرفة ومهنة ليس فيها مشقة ولا تعب، وهذا النوع من الناس لن يرضى بأي عمل بأجر ضئيل، لأنه تعود على جمع المال بسهولة ويسر”.
وأضاف أنه “لا بد أن يكون للدولة موقف حازم للقضاء على هذه الظاهرة، مثل توعية المواطنين بشكل خاص في القرى والأرياف، لعدم الانصياع إلى استغلال المحتالين”، على حد تعبيره.
وأكمل “أبو زيد”: “هذا على مستوى الأفراد أما على مستوى الدولة، فالكارثة تكمن في أن يعتاش مواطنو دولة في حجم مصر على التسول”.
وألمح في معرض حديثه إلى المنح والقروض التي تقترضها مصر من دول الخارج، أو ما أسماه الأتاوات التي تفرضها على الباعة وأصحاب المحلات في الداخل، في ظل انخفاض نسبة استثمارات الزراعة والصناعة والتصدير إلى أقل مستوياتها.
وأنهى حديثه بقوله: “في متابعة لمشروع الموازنة الأخير في 2019، التى أقرها مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، نلاحظ أن مصادر الناتج المحلي في الدولة التي يعيش فيها قرابة 100 مليون نسمة تتلخص في 75% من الضرائب (أتاوات)، و25% مما أطلق عليه (رسوم وبلطجة على أصحاب المحلات والبائعين الجائلين ورسوم طرق وبوابات وغير ذلك)، وهذا يعد أخطر أنواع التسول، وعلى الرغم من ذلك يُعد هذا إنجازاً اقتصادياً تحتفل به وسائل الإعلام المحلية المقروءة والمسموعة والمكتوبة”.
في نهاية الأمر لابد أن ننوه إلى أن ظاهرة التسول فى مصر لن تُحل إلا بالقضاء على الفقر الذى تجاوزت نسبته وفق التقارير الرسمية 58% في عام 2018.
عذراً التعليقات مغلقة