هل انتهت الحرب في سوريا؟

هدى أبو نبوت2 أبريل 2019Last Update :
هدى أبو نبوت

سوريا إلى أين؟ سوريا التي تعيش منذ العام 2011 مرحلة تاريخية تطمح إلى الانعتاق السياسي والاجتماعي، متأثرة بحلم الربيع العربي الكبير، أصابت شعبها عدوى الحرية والكرامة التي حرمت منها أجيال عديدة منذ استلام حافظ الأسد للسلطة، لم يكن تغيير نظام الحكم ما يسيطر على ذهن السوريين في ذلك الوقت بل كل ما أرادوه هو أن يرفعوا أصواتهم، يسبوا ويلعنوا ويقولوا لا حتى لو كان اعتراضاً على ارتفاع ثمن جرزة البقدونس، لا أحد يعلم كيف كنا نعيش، لا أحد يتوقع حجم الذل المتواري بسبب الخوف، من كان يستطيع المرور بأحد الساحات والوقوف دقيقة واحدة متأملاً أحد تماثيل حافظ الأسد؟

الثورة بحد ذاتها كانت معجزة حقيقية، ولكن لم تكن الهدف بل كانت وسيلة لنا كسوريين لنعرف أن هناك عوالم أخرى يمكن أن نجرب العيش فيها بدون حافظ وبشار الأسد، كل ما أردناه هو حق التجربة ولم نكن حالمين لدرجة أننا كنا متأكدين من النجاح بل كنا نعلم علم اليقين ماذا يمكن أن تفعل هذه العائلة التي اختصرت سوريا بـ(سوريا الأسد)، وتحول اليقين إلى واقع ولكن حتى نكون منصفين لم نتوقع أن يكون الواقع بهذا السوء ودفع هذه الفاتورة الخيالية، دون أن ننجح في تغيير شيء واحد في سوريا وليس النظام السياسي فقط، فها هو النظام يعلن النصر وكثير من دول العالم تحاول أن تجد طريقة لإعادة تأهيله من جديد، ولكن هل انتهت الحرب في سوريا بالفعل؟

في “سوريا الأسد”، أعلن النظام أن المؤامرة الكونية ضده انتهت وأنه أحبط كل المحاولات التي تهدف إلى تقسيم سوريا وأنه خاض الحرب ضد كل دول العالم … وأنه انتصر. بعد خلو البلاد من نصف سكانها، بين الداخل الغير خاضع لسيطرة النظام حتى الآن، محافظة إدلب وريف حلب، والرقة وديرالزور، وهي تشكل مايقارب ثلث سوريا، ويسكنها أكثر من 6 ملايين مواطن، وأكثر منهم خارج سوريا في المخيمات أو دول اللجوء.

رغم ذلك هو انتصر؛ لأنه ما زال يملك السلطة في سوريا ووهب من يعيش فيها صفة الاصطفاء حيث أعطاهم شرف الانتماء والوطنية ووصم الملايين المتبقين بالخونة والإرهابيين والمرتزقة، فمن سيهتم بمصير إرهابيين؟ ومن تابع ردة فعل السوريين على نتائج المعركة التي خاضها التحالف مع قسد لإنهاء داعش، لاحظ بكل دقة كيف استطاع النظام وصم مناطق بعينها بالإرهاب، فقط لأنها خضعت تحت سلطة فصيل أو تنظيم ما، دون التمييز بحق المدنيين والنساء والأطفال الذين ذاقوا الويلات من قصف النظام سابقا وجحيم التحالف لاحقاً.

هو أعلن نهاية الحرب، فقد تخلص من خلال التسويات من سلاح الفصائل وهجر كل من يرفض العودة إلى حضن الوطن إلى خارج اسوار سوريا الأسد، واحتفظ بحق الرد بما يخص سوريا الخاصة به.

ولكن تلك التي تخلى عنها حافظ الأسد (الجولان) لا يعرف عنها شيئاً ولا تعنيه، صورة المنسف من تراب الجولان يجتمع عليه محافظ ونائب محافظ وبعض أعضاء حزب البعث يصفقون ويرفعون صوتهم بعبارات التصدي والصمود تحت قيادة السيادة الحكيمة كافية لمحو توقيع ترامب بضم الجولان إلى الأرضي الإسرائيلية وإعادة الوضع كما كان في السابق، حتى يبقى هناك حجة للتشبيح اللفظي كما فعل علي الديك في البرنامج الذي بثته mtv، ويهدي دريد لحام ولاية كاليفورنيا الامريكية إلى المكسيك في سكيتش ساخر يختصر انفصال النظام ومؤيديه عن الواقع، ويثبت للسوريين جميعا مرة أخرى أن بقاء هذا النظام يوازي فناء سوريا، فكيف سيكون حاضراً في قضية الجولان المعلقة من عشرات السنين دون أن يحرك ساكنا، وهو لم يتحرك في معارك الشمال الشرقي الآنية للقضاء على فلول التنظيم الذي تغنى سنوات طويلة بمحاربته، مستغلا فظائع داعش بحق السوريين ليمارس بحق كل معارضيه ماهو أبشع وأفظع، ورغم أن رحى حرب أخرى كانت تدور بين قوات التحالف وقسد من جهة وبقايا (داعش) من جهة أخرى، وامتلاء المخيمات بآلاف المدنيين المشردين من نتائج هذه الحرب في مخيمات تفتقر لأبسط مقومات الحياة تحت سلطة قسد، وأخبار الباغوز التي ملأت الشاشات والانتصار الساحق الماحق الذي أعلنته قوات قسد بنهاية الحقبة السوداء التي لوثت تراب سوريا، ولكنه بكل صفاقة كان غائباً تماماً عن هذه الأحداث في نهايتها، فهذه الأرض برأيه لم تعد تنتمي لسوريا، وهو من بداية الثورة استغنى عنها لصالح داعش وقرر شطبها من سوريا الأسد.

وفي سوريا الأسد، انتقل النظام بسرعة البرق من مرحلة الانتصار إلى مرحلة الإعمار، وكان في أحلى حلة تماماً كما هو متوقع منه، فالتفت للاهتمام بالمواطنين السوريين الذين اصطفاهم لينعموا بانتمائهم إليه، طوابير من الناس تصطف لتحصل على الغاز والمازوت لم تشهدها سوريا حتى في أحلك ظروف الحرب قسوة، انقطاعات جديدة وطويلة لشبكة الكهرباء والماء غير مبررة وغير مفهومة، لم يعد في جعبة النظام من حجج يلصقها بالمعارضة عن مسؤوليتهم الكاملة في قطع الكهرباء والماء عن المواطنين، فأصبح يتحدث وزير الكهرباء بكل عنجهية عن خطته لمواجهة مشاكل انقطاع الكهرباء بتلقي مساعدات من المستخدمين السوريين بتقنين استخدام الكهرباء والاعتماد على البدائل (الليدات) كحل عملي لمواجهة الأزمة، وأصبح كل إعلامي موالٍ يفكر بانتقاد الفساد وتغاضي الحكومات عن مشاكل الشعب وتركهم يغرقون في الفقر والجهل يتوارى في السجون دون تهم تماماً كما تعامل مع المعارضين سابقاً، متجاهلا كل سنوات التشبيح الإعلامي الذي قدموه هؤلاء الاعلاميين لتلميع صورة النظام في عيون مواليه.

ولم يكتف النظام بإعلان النصر، بل أعلن عودة الأمن والأمان إلى ربوع سوريا الأسد، وأظهر جموع السوريين يهرعون إلى الساحات للاحتفال بإعادة تنصيب تماثيل حافظ الأسد من جديد في الساحات، وسط حفلات دبكة ورقص وغناء احتفالاً بهذه الإنجازات، لا يهم إن كانت الليرة السورية في الحضيض، والأسعار تحلق في السماء، والشعب يرزح تحت خط الفقر، ويعاني كل يوم لتأمين الطعام لمن تبقى من عائلته، لا يهم إن تحول أطفال دمشق إلى مشردين، تغزو فيديوهات إدمانهم على مادة الشعلة منصات التواصل الاجتماعي، لأنهم ليسوا من سوريا الأسد فهم على لسان وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ظاهرة جديدة غزت دمشق الياسمين من الريف، ويستحقون ما يحدث لهم كما صرح مجلس الشعب فهم أولاد مسلحين حتى لو كانوا موتى ويرقدون تحت التراب، وأما أخبار الانتحارات بالجملة المتنقلة من طرطوس إلى اللاذقية وحمص ودمشق بطرق مختلفة ولأسباب متشابهة تختزل بالفقر وضيق الحال، فهذه الحوادث لا ترقى لإصدار بيان بحقها لأنها مجرد تصرفات فردية لأشخاص يعانون من أمراض نفسية لا يجوز تلطيخ صورة سوريا الأسد بها وتداول أخبارها.

هناك واقع مزرٍ بل مخيف وأكثر من مرعب يحاول النظام وكل داعميه ويشترك معهم المجتمع الدولي في الترويج له في المرحلة الراهنة، أن المشكلة الأهم تم حلها وهي إنهاء الحرب، لا توجد طائرات تحوم ولا قنابل ومعارك جانبية لقد انتهت الحرب، فيجب الانتقال إلى مراحل أخرى لحل الصراع، ولكن الجميع يعلمون تماماً أن الرماد الذي لا يخمد هو بمثابة حرب جديدة، غير متوقعة وغير محمودة العواقب، كنا نظن أن ما عشناه خلال الحرب هو الجحيم ولكن حتى الجحيم له درجات وكل الخوف ألا يكون العالم قد فهم حتى الآن أن القضية السورية لم تنته بنهاية الحرب وأن أبواباً جديدة للجحيم قد تفتح عاجلاً أم آجلاً، إذا لم يلتفت المجتمع الدولي إلى الكوارث الحقيقية التي خلفها هذا الصراع، وأن الحل مستحيل ببقاء الحال على ما هو عليه وبقاء النظام بالصورة ذاتها وكأن تاريخ آذار 2011 لم يكن، فعليهم أن يستعدوا للأسوء الذي لا نستطيع نحن السوريين توقع ماهيته.

Comments

Sorry Comments are closed

    عاجل