حرية برس- ترجمة: زينة الحمصي
استهلّ المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأامريكية “آرون ديفيد ميللر”، مقاله في الموقع الإلكتروني للراديو الوطني العام “NPR”، بالحديث عن القرار الوحيد الذي اتخذته “ترامب” فيما يخص السياسة الخارجية الأمريكية، المتمثل في إعلان سيادة “إسرائيل” على “الجولان”.
وأشار إلى أن هذا القرار يصب في مصلحة “ترامب” ورئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامن نتنياهو”، حيث يتماشى القرار تماماً مع سياسة الحرب لدى ترامب، وتعزيز الأنا لديه، باعتباره يحقق حدثاً للمرة الأولى على غرار افتتاح سفارة أمريكية في “القدس”، ويتبوّأ مكانة في كتب التاريخ سواء أكانت محقة أو باطلة، على اعتبار أن الدول معظمها مازالت تعتبر “الجولان” أرضاً محتلة منذ استيلاء إسرائيل على هذه الأراضي في عام 1967.
ومن وجهة نظر “ميللر”، نائب رئيس مركز “وودرويلسون الدولي” للأبحاث، فإن اعتراف ترامب بسيادة “إسرائيل” على “الجولان”، قد خلق مشكلة جديدة لم تواجهها الولايات المتحدة من قبل، من شأنها تقويض المصالح الوطنية للولايات المتحدة والأجندة الخارجية لترامب، بما في ذلك خطته المعلنة للتوصل إلى اتفاق سلام في المنطقة.
ويعرض “ميللر” الحجج التي تدعم قوله على الشكل التالي:
أولاً: إن إعادة انتخاب “نتنياهو” ليست مصلحة وطنية للولايات المتحدة.
سعت الإدارة الأمريكية إلى ربط الاعتراف بسيادة “إسرائيل” على “الجولان” مع ضرب محاولات “إيران” مهاجمة “إسرائيل” من مرتفعات “الجولان”، لكنها فكرة هشة لا تضيف شيئاً في الواقع، ومن المؤكد أن هذه الفكرة من المزايا الدعائية لكل من “إيران” و”حزب الله” و”سوريا”، وقد تحفّزهم لمضاعفة التركيز على الجولان، ومن جهة أخرى، يحرص “ترامب” على منح “نتنياهو “حصة في السباق قبيل الانتخابات.
ويرى “ميللر” أن هذه الخطوة تعد سياسة عظيمة للرئيس الأميركي الذي يسعى إلى إعادة انتخابه في الدورة المقبلة عام 2020، حيث أن الدعم القوي لـ”إسرائيل” يعجب ملايين المسيحيين الإنجيليين، والجمهوريين المحافظين، بالإضافة إلى عدد كبير من مجموعات أخرى، هذا وقد كثّف “ترامب” جهوده مؤخراً لتأسيس الحزب الجمهوري بشكل سريع في “إسرائيل”، حتى أنه وصف الديمقراطيين بأنهم معادون لـ”إسرائيل” ولليهود.
ويشير “ميللر” إلى أن قرار “ترامب” ليس له علاقة بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة، بل بسياسته المرتبطة بالأنا.
ثانياً: لم يكن هنالك أي تبرير لاتخاذ قرار “الجولان”
يستطرد “ميللر” في شرح الحجج التي تدعم نظريته، مشيراً إلى فكرة أن قرار “الجولان” مرتبطة بشكل وثيق بالحسابات السياسية لـ”ترامب” و”نتنياهو”، ففي الواقع، وبعيداً عن أي طموح لتأكيد سيادة “إسرائيل” على “الجولان”، كانت معظم الإدارات الحديثة تدرس احتمالية وصول “إسرائيل” و”سوريا” إلى اتفاق حول “الجولان”.
وقد تحرك “ترامب” في وقت لم يكن هناك أي ضغوط (خارجية أو داخلية) تُمارس على “إسرائيل” أو “نتنياهو” لتغيير وضع المنطقة، ففي الواقع كان يُعتقد على نطاق واسع أن أي مفاوضات أو تغيير لوضع “الجولان” كان شيئاً بعيد المنال بسبب الفوضى الناجمة عن الحرب الأهلية في “سوريا”، ونبذ الرئيس السوري، على عكس الاعتراف بـ”إسرائيل” أو فتح سفارة أمريكية هناك، حيث لم تكن هناك ضغوط طويلة للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على “الجولان”.
ثالثاً: تشجيع الأحادية
ربما لم تفكر الإدارة الأمريكية بتداعيات الاعتراف بسيادة “إسرائيل” على “الجولان”، أو لم تأبه بذلك، إلا أن هذا القرار يعد سابقة مدمرة في الشرق الأوسط وعلى النطاق العالمي، لا يهم إذا اعتقدت الإدارة أنها ببساطة تدرك الواقع وأنه لا توجد احتمالات للتفاوض بشأن “الجولان” أو معاهدة السلام مع “سوريا”، فقد خلقت الإدارة واقعاً جديداً.
حيث لم تقوّض قرارات الأمم المتحدة الحاسمة للنزاع العربي الإسرائيلي فحسب، وإنما أيضاً ميثاق الأمم المتحدة نفسه، بما في ذلك مبادئ الحل السلمي للنزاعات وعدم مقبولية الاستيلاء على الأراضي بالقوة. كما بعثت شرعنة السيادة الإسرائيلية على الجولان إشارة قوية إلى القادة الاستبداديين في كل مكان؛ بأن ما فعلوه أو ما قد يفعلونه في المستقبل سيكون مقبولاً إلى حد ما ولن يواجه أي تحدٍ.
في الحقيقة كانت “إسرائيل” على استعداد للانسحاب الكامل من هضبة “الجولان” حتى بعد ضمها إلى المنطقة في عام 1981، ومن المشكوك في أمره أن تكون “إسرائيل” على استعداد لفعل ذلك مجدداً بعد الحرب الأهلية السورية، والتهديد الإيراني، والدعم الجمهوري المتزايد لشرعنة “ترامب” للسيادة الإسرائيلية على المنطقة.
رابعاً: تقويض الأجندة الخاصة بـ”ترامب”:
يعتقد “ميللر” أن خطوة الجولان سوف تقوض بشكل مباشر التزام الرئيس بالوساطة في ما يسمى بالصفقة النهائية بين إسرائيل والفلسطينيين وقد أصبح الأمر أصعب من ذي قبل في حال ظل “ترامب” يتوقع تعاون العرب (الذين رفضوا هذا القرار علناً، بما فيهم السعوديون)، في الوصول إلى “إسرائيل” أو الضغط على الفلطسينيين.
وبعد إعلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، وقطع المساعدات الأمريكية عن الفلسطينيين، يكون “ترامب” قد فتح بذلك الباب أمام الجهود الإسرائيلية لضم الضفة الغربية. في الواقع، أكد رئيس الوزراء على أن قرار “ترامب” أثبت أنه يمكنك الاحتفاظ بالأراضي المحتلة، طالما أنك حصلت عليها في حرب دفاعية، كما أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة هارتس أن 42٪ من الإسرائيليين، يفضلون شكلاً ما من أشكال ضم الضفة الغربية، فإذا فاز نتنياهو في الانتخابات المقبلة وكان خياره حكومة يمينية، فقد تزداد حدة خطوط الاتجاه المؤيدة لضم جزء من الضفة الغربية.
في الواقع، قيل إن مبادرة الصفقة النهائية التي أعلن عنها “ترامب” بعد انتخابات التاسع من أبريل/نيسان في “إسرائيل” كان أمامها بالفعل احتمالات كبيرة من النجاح، وقد يضمن قرار الرئيس الأمريكي بشأن “الجولان” أن يظل باب خطة السلام الإسرائيلية الفلسطينية مغلقاً لهذا الموسم.
Sorry Comments are closed