بسام الرحال – حمص – حرية برس:
أزمة أخرى تزداد حدتها على سكان ريف حمص لشمالي يوما بعد آخر، لكنها هذه المرة أكبر من طاقة التحمل التي أبداها السكان في مواجه الأزمات التي تضربهم منذ أربع سنوات كونها تتعلق بالأدوية والمستلزمات الطبية.
فمع استمرار المعارك على جبهات متعددة في الريف الحمصي، وانقطاع طرق الإمداد أخذت كميات الدواء بالنفاذ شيئا فشيئا، وارتفعت أسعار الأدوية محلية الصنع بنسب تجاوزت الضعف، بينما ارتفعت أسعار الأدوية المستوردة بما يتماشى مع انهيار العملة المحلية (الليرة)، ولم يقتصر الأمر على نفاذ كميات الأدوية فحسب، بل طالت الأزمة حليب الأطفال، ليكون ريف حمص الشمالي أمام تهديد حقيقي لحياة أكثر من (25000 طفلاً) بحاجة ماسة لهذا النوع من الحليب، ويضع المنطقة أمام كارثة على وشك أن تقع.
ارتبطت أسعار المواد بكافة أنواعها الغذائية والالكترونية والمحروقات في ريف حمص الشمالي بسعر الدولار صعوداً، وليس هبوطاً، وبات سعر الدولار متحكما في طريقة حياة المواطن بشكل أساسي، ولكن ماذا لو كانت هذه المادة التي يبحث عنها المستهلك هي الدواء الذي تقف عليه حياته وتعلن وفاته إن فقدت أو انقطع أثرها في رفوف الصيدليات التي قل عددها وأغلق معظمها بسبب شح البضاعة وصعوبة تأمين كميات إضافية بسبب سياسة الحصار الخانق التي فرضته قوات النظام على المدينة؟
صيدلية “رابطة مغتربي تلذهب” هي إحدى الصيدليات الصامدة في مدينة الحولة، الدكتور “بكر القاسم” المسؤول عن الصيدلية تحدث قائلا: “نعاني نحن الصيادلة من نقص شديد وحاد في الأدوية، بل هناك أدوية مقطوعة منذ أكثر من شهر ونصف حتى الآن، يأتي المريض إلينا ويحمل وصفة طبية فيها أربع أصناف من الأدوية، يجد عندنا صنف أو صنفين ولكن باقي الأصناف يجب عليه أن يبحث في الصيدليات الأخرى حتى يستطيع إكمال الوصفة، وهناك بعض الأدوية مثل أدوية الضغط والسكر يحتاج المريض للبحث كثيرا بين الصيدليات ليجد الدواء بعينه الذي يستخدمه، أما الأدوية الهرمونية فإنها معدومة تماما فيضطر المريض لطلب الأدوية من مناطق سيطرة النظام عن طريق توصية أحد القادمين مقابل مبالغ مالية كبيرة”.
ويجيب الدكتور”بكر” عند سؤالنا له عن الصعوبات الحالية التي تواجه عمل الصيادلة في ظل الحصار الراهن قائلاً: “إن انقطاع الطريق وتوقف معظم معامل الأدوية في سوريا عن العمل أدى على وجود أدوية قليلة جدا في السوق، مما يجبرنا على استبدال الدواء بنوع آخر، واستبدال الدواء يشكل صعوبة كبيرة لدى المريض لأنه لن يقتنع بالدواء البديل من شركة أخرى، خاصة بعد توقف شركات عن العمل منذ أكثر من سنتين وانقطاع هذه النوعية من الدواء بشكل كامل، فنضطر إلى استخدام الدواء الشعبي (الأعشاب) مثل حالات الرشح والكريب، فننصح المريض بتناولها، كالزهورات والبابونج والنعناع، لاسيما أن هذا الأمر أصبح متعارفاً عليه بشكل كبيرة في الحولة”.
وتأتي مشكلة أخرى لتزيد الأوضاع تعقيداً، فضيق ذات اليد لمعظم الأسر وعدم قدرتها على تأمين تغذية متكاملة للأمهات الحوامل منذ بداية الحمل وطيلة فترة الإرضاع واقتصار هذه الأسر على المواد الأساسية، قد يؤدي في أحيان كثيرة إلى إصابة الأمهات بسوء التغذية حيث يؤثر سلبا على إفراز الحليب لدى الأم المرضع، ما يلزم الاستعانة بحليب الأطفال كبديل أو كمساعدة مع حليب الأم وذلك وفق عدة معايير كطول الطفل و وزنه، وفي ظل فقدان مادة حليب الأطفال يصبح الأمر شديد التعقيد.
يقول الدكتور” محمد الخالد” أحد الأطباء الميدانيين في مدينة تلبيسة: “إن حالة الحرب الذي تعيشها البلاد والقصف المتكرر واليومي الذي تشهده مدينة تلبيسة بالمدفعية الثقيلة والهاون ومختلف الأسلحة انتهاء بغارات الطيران الروسي، يشكل حالة من الرعب لدى الجميع وخاصة النساء وهذا يؤثر على الأم المرضع حيث إن الخوف الشديد و التوتر يؤدي الى نقص إفراز الحليب لدى المرضع وفي بعض الأحيان الى توقف إفرازه بشكل دائم”.
ويضف موضحاٌ :” إن أكثر من 80% من أطفال مدينة تلبيسة يعتمدون على حليب الأطفال إما بشكل كلي أو جزئي ولدينا في مدينة تلبيسة (5000 طفل) دون سن العام الواحد، 60% منهم دون الستة أشهر، وهؤلاء الأطفال لا يمكن أن يستغنوا عن حليب الأطفال وإن غياب هذا المادة و إرتفاع سعرها الذي يصل إلى (2500 ل.س) للعلبة الواحدة ذات الـ (400 غرام)، حيث أن معظم سكان مدينة تلبيسة غير قادرين على شرائه، دفع الأهالي الى استخدام حليب الأبقار والأغنام كبديل، ما سبب في معظم الحالات أمراض معوية وإسهالات وصل بعضها للجفاف، وعليه فإن انقطاع حليب الأطفال وارتفاع سعره، قد يصبح سبباً في كارثة إنسانية تهدد حياة هؤلاء الأطفال، ولذلك فعلى منظمات المجتمع الدولي والهيئات الإنسانية أن يتحركوا بالسرعة القصوى وإلا فإننا سنكون أمام كارثة لا تحمد عقابها”.
“لدينا مراجعات يومية طلبا لحليب الأطفال” تقول “مها أيوب” مديرة مركز رعاية الطفولة والأمومة” العاملة في مدينة الرستن وتضيف قائلة: “للأسف إن إمكانياتنا المتواضعة واستهلاكنا لمدخراتنا أثناء استقبال النازحين القادمين من ريف حماه الجنوبي والقرى التي شهدت عمليات عسكرية مؤخرا، جعلتنا عاجزين عن تقديم المساعدة لمثل هذه الحالات، علما أن العمل في تقديم حليب الأطفال لا يقل أهمية عن العمل في مجال تقديم المواد الغذائية وفي بعض الأحيان يكون أهم، فالشخص الكبير قد يجد من يساعده أو قد يجد البديل حتى لو اضطر لأكل الأعشاب وأوراق الشجر، لكن الصغير لا يمكن أن يستغني عن حليب الأطفال الذي لا بد منه وليس له بديل”.
وترى المربية “مها أيوب”: “إننا أمام كارثة وشيكة تصيب أطفال ريف حمص الشمالي ككل، ويتحمل المجتمع الدولي والهيئات الدولية مسؤولية ذلك بالشراكة مع المنظمات الإنسانية التي تعمل في الشأن السوري والغائبة بشكل تام عن الريف الحمصي رغم استمرار الأزمة وتجاهل جميع نداءات الاستغاثة والتي يتم توجيهها يومياً”.
عذراً التعليقات مغلقة