كان القدماء يحكون لنا أن الضبع عندما يستفرد بالإنسان يدور حوله ثم يبول عليه فيصبح الشخص مخدَّراً ويتبع الضبع إلى المكان الذي يريده كي يفترسه هناك، وكانوا يروون لنا قصة شخص وقعت له هذه الحالة فتبع الضبع حتى مغره وعند باب المغر اصطدم رأسه بأعلى المدخل فخرج الدم منه فصحي وانتبه إلى ماهو فيه فهرب من الضبع.
ومن هنا يستخدمون فعل ضَبَعَ وانْضَبَعَ وهذا مَضْبُوع.
لا أعرف بدقة درجة علمية هذا الظاهرة ولا دقتها اللغوية الفصحى، لكننا سمعنا كثيراً عن قصص وشهدنا قصصاً من الضبع والانضباع. قرأنا في التاريخ أن المغولي أثناء غزو العراق كان يطلب من البغدادي أن ينتظره ورأسه على الصخرة حتى يحضر الأول حجرة يكسر رأسه بها.
لن أتكلم عن حالة الشعوب العربية ولا عن الحكام العرب وكيف أنه هناك حملة سائدة ورائجة لإقناعهم أن أمريكا وإسرائيل هم نوع من أنواع الآلهة التي تتحكم بالكون وأنه يجب الخضوع لهاتين القوتين طواعية من الذات وبالإشارة من أجل البقاء، لكنني سأتطرق للحالة السورية.
في سوريا كانت الثورة بمثابة ضربة على رأس السوريين لتنبههم أن حافظ الأسد مات وأكله الدود وأن بشار الوريث هو شخص تافه غبي وأن أزلامهم الذين يحاولون إخافة السوريين بتضخيم حرف القاف هم شخصيات كرتونية هربت في ساحات القتال والتجأت إلى أدنى مستويات التخويف مثل التعذيب والإغتصاب وقتل الأطفال وقصف المدنيين والمشافي.
ضبع حافظ الأسد الشعب السوري عن طريق الإرهاب والتعذيب والإنتقام من أهل المعارضين، لكن هذا انتهى وسقطت أصنام حافظ وبشار في كل المدن والقرى السورية.
داعش والقاعدة أيضاً استطاعت في فترة ما إرهاب الثوار السوريين الذين حرروا أجزاء كبيرة من المناطق السورية وجعلتهم يستسلمون بطريقة عجيبة بدون مقاومة وبدون قتال. كان نوعاً من أنواع الضبع الذي استغل العواطف الدينية وإستخدم دعاية متطورة جدا وفعالة لإيهام الناس أن مقاتلي داعش والقاعدة هو شرسون انغماسيون وأقوياء. تبين فيما بعد أن قسماً هاماً من الدواعش ليس سوى من الهواة الذين لايعرفون الحرب والقتال وأن تشددهم كان بالاستقواء على المدنيين. وكان سقوط داعش وانحلالها في كل الأماكن دليلاً على أنها كانت فارغة كالطبل المدوي.
السوريون المتواجدون في مناطق النظام اليوم لا يعون جيداً أنه في حالة عودة قوة نظام الأسد وسيطرته فإن هذا يعني عهد عبودية جديد ولعقود طويلة وأن أبناءهم سيكونون أداة وحطب هذه العبودية خاصة في إطار الخدمة العسكرية. حالة الأمن التي يعيشها النظام في مناطق سيطرته تدل على نوع من الإنضباع في نفوس المواطنين.
تبعية المعارضة للقوى الخارجية والدول وكأن هذا شيء حتمي جعلها تنفذ أوامر هؤلاء بدون مناقشة ولا اعتراض مما جعل وجودها يشبه عدمه. تبعية عمياء وانقياد تلقائي أي نوع من أنواع الإنضباع.
أنتظر من الشعب السوري الذي أثبت في مجالات كثيرة أنه مبدع وناجح أن يخترع أدوات لمعالجة الإنضباع. أدوات إحتياطية إستباقية أساسها الوعي والمعرفة والإخلاص والتضامن، وأدوات علاجية شجاعة، سياسية وفكرية ونفسية.
عذراً التعليقات مغلقة