لجنة لادستورية لتعويم النظام

عماد غليون12 فبراير 2019آخر تحديث :
لجنة لادستورية لتعويم النظام

ينبغي على قوى المعارضة والثورة تجاوز الرفض الشكلي والمماحكات السياسية في رفض تشكيل اللجنة الدستورية العتيدة المنبثقة عن مسار أستانا الثلاثي، الروسي- التركي- الإيراني، وإطلاق حملات فاعلة لإيقافها  والتصدي للنتائج التي ستصدر عنها ؛ حيث لا تمتلك اللجنة المذكورة أي صفة دستورية أو قانونية، ولا تحظى باعتراف الشعب السوري بها أو تفويضه لها في  كتابة الدستور السوري.

يفترض أن تناط مهمة كتابة الدستور في حالات الانتقال السياسي بجمعية تأسيسية منتخبة، أو على الأقل تحظى بصفة تمثيلية مناسبة؛ تجعلها تحظى بقبول واعتراف شعبي واسع بها وبما يصدر عنها، وهو ما لا تتمتع به لجنة أستانا الدستورية؛ ولا يمكن شرعنة عمل تلك اللجنة بحجة الظروف القاهرة وعدم إمكان انتخاب أو تشكيل مجلس تأسيسي وطني.

يشكل اعتماد إعلان دستوري ودستور مؤقت حلاً مناسباً مقبولاً يجري العمل به حتى تأمين ظروف مناسبة لعودة الحياة الطبيعية، حيث اقترح ناشطون في حملات متعددة اعتماد دستور 1950 الراقي دستوراً مؤقتاً للبلاد؛ ويقع الترويج الدولي لأولوية إعداد دستور سوري دائم في تناقض واضح ومريب من حيث السعي إلى إقرار بنية دستورية ثابتة مع الاعتراف بحالة من الاستقرار السياسي الهش تبقى معرضة للانهيار المفاجئ، واستمرار حالة التوتر بين المكونات المجتمعية كون الدستور لم يصدر عنها ولا يمثلها.

مرت الثورة السورية على مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية ضمن مسار طويل من التحولات والتراجعات الموضوعية؛ معظمها قسرية خارجية فُرضت بشكل ممنهج، وانتهى بها المطاف بعد توقف مسار جنيف إلى خيار أخير يبدو وحيداً، ويتمثل في اختصار العملية السياسية بأكملها في تشكيل لجنة دستورية تمثل دول مسار أستانا ومصالحها قبل السوريين.

لم يعد هناك قوى وهيئات ثورية سياسية أو عسكرية معارضة قادرة على رفض لجنة أستانا الدستورية أو ما يصدر عنها؛ كما أنها لا تمتلك أي خيارات أو بدائل أخرى تقدمها.

من الواضح أن رفض لجنة أستانا والتصدي لها سيحدث من خلال أشخاص ومجموعات سياسية وثورية محدودة، عبر حملات غير فاعلة أو مؤثرة في شبكات التواصل الاجتماعي، وسينتهي ذلك بسرعة فور انطلاق عمل اللجنة ليتحول النقاش نحو عمل اللجنة وما تقرره من مواد دستورية كالعلمانية والفيدرالية، وقد تثير حالات إعجاب وقبول وتحول لدى البعض؛ وكذلك نصوص الحقوق والحريات المنصوص عليها في معظم دساتير العالم، من دون الحديث أو التفكير بكيفية وإمكان تطبيقها، وعند هذا الحد تكون اللجنة قد حققت هدفها الأساسي بصرف نظر السوريين عن مصير الطاغية الأسد وزبانيته، والحيلولة دون تطبيق العدالة الانتقالية حداً أدنى لبدء الانتقال السياسي الفعلي.

جرى تشكيل اللجنة الدستورية بعيداً عن تدخل المعارضة والنظام وقوى الثورة، وذلك بالتوافق بين رغبات ومصالح دول أستانا، ومباركة أممية ضمن حصص متساوية للمعارضة والنظام وهيئات المجتمع المدني؛ لكن اللجنة لا تضم في صفوفها، حسب القوائم المتوقعة والمسربة، خبراء محنكين في القانون والسياسة والإدارة، وهو ما يدل على أن عملها سيكون شكلياً لا أكثر، ضمن مسودات تقدم إليها للنقاش والإقرار، وفي طليعتها مشروع الدستور الروسي الذي تسلمت المعارضة والنظام نسخاً منه، الذي سيكون على الأرجح دستور سوريا القادم وصلب عمل لجنة أستانا.

لم تتضح بعد ألية عمل اللجنة الدستورية ولا نظامها الداخلي أو طريقة اتخاذ القرارات فيها؛ ويبدو أنها ستعمل ضمن نظام الثلث المعطل كما اتضح في مفاوضات طويلة وشاقة لاختيار أعضائها تلبية لرغبات دولية وإقليمية.

ويبقى الأهم في معمعة لجنة أستانا اللادستورية نقاش قيمة وقوة الدستور الذي سيصدر عنها؛ وهل سيُقر ويُفرض على السوريين بالقوة، بموجب قرار دولي ضمن الفصل السابع، والأخطر مدى تأثيره في تكوين عملية انتقال سياسي فعلي وابتعاده عن تجميل وجه نظام الأسد أو محاولات تطبيعه.

لم يتحقق الاستقرار السياسي في الدول التي فُرضت دساتيرها من قوى خارجية، وبقيت تعاني من حالات مستمرة من التوتر والنزاعات، رغم مضي سنوات طويلة، ويبدو ذلك جلياً في لبنان وأفغانستان والعراق؛ ولا مناص للشعوب من أن تكتب هي بنفسها العقد الاجتماعي الذي يمثلها ويعبر عن مصالحها أولا”.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل