هل يغدو “قانون سيزر” الشعرة التي ستقصم ظهر “الأسد”؟

فريق التحرير10 فبراير 2019آخر تحديث :
معرض لصور قيصر التي كشفت مقتل عشرات الآلاف من المعتقلين السوريين تحت التعذيب في سجون نظام الأسد – أرشيف

أحمد زكريا – حرية برس

يطفو على سطح ملف القضية السورية “قانون سيزر” أو ما يعرف بقانون “قيصر”، الذي يقع ضمن مشروع قانون تعزيز “أمن أميركا في الشرق الأوسط”، والذي صوت لصالحه 77 عضواً من مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع.

‏مشروع القانون الذي صوت لصالحه مجلس الشيوخ والذي ينتظر أن يوقع عليه الرئيس الأمريكي “ترامب” ليصبح ساري المفعول، يتضمن في بعض فقراته ‏فرض عقوبات على كل من يتعامل اقتصاديا مع نظام الأسد أو يموله أو يوفر طائرات للخطوط الجوية السورية أو قطع غيار، أو يلعب دوراً في مشاريع الإعمار التي يديرها النظام أو يوفر الدعم لقطاع الطاقة.

‏كما يفرض مشروع القانون عقوبات على الأجانب العاملين كمتعاقدين عسكريين أو في ميليشيات تقاتل لصالح أو نيابة عن النظام السوري وروسيا وإيران على الأرض في سورية.

‏ويسمح التشريع للرئيس الأميركي تعليق العقوبات في حال دخول الأطراف في مفاوضات سياسية جادة، وتوقف العنف ضد المدنيين.

وأطلق على قانون “سيزر” هذا الاسم نسبة إلى مصور عسكري سوري انشق عن نظام الأسد في العام 2014، وسرّب 55 ألف صورة لسجناء قتلوا تحت التعذيب، وقد استخدم اسم “سيزر” لإخفاء هويته الحقيقية، وعُرضت تلك الصور في مجلس الشيوخ الأمريكي وأثارت ردود فعل دولية غاضبة.

 مفتاح سحري لفرض الحل السياسي في سوريا

ويرى مراقبون أن هذا القانون سيكون له تداعيات كبيرة على نظام الأسد وسيفرض حصاراً اقتصادياً في حال أصبح نافذاً، وسيتم توكيل وزارة الخزانة الأمريكي لتقديم تقرير عن البنك المركزي السوري وكشف عمليات غسيل الأموال، وسيتم متابعة كل الأشخاص والميليشيات الإيرانية وبعض الشخصيات الروسية التي تتعال مع نظام الأسد.

“أسامة آغي” الباحث في مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا، ذكر أن هذا القانون هو “المفتاح السحري” لفرض الحل السياسي في سوريا وتجريد كل الأطراف المنخرطة بالصراع لمصلحة نظام الأسد من أوراق قوتها ولعبها، مبينًا أن هذا القانون سيحتاج لتوقيع “ترامب” ثم يصبح نافذا.

وأضاف في حديثه لحرية برس، أنه وفي تلك الحالة ستتضاعف مشاكل الأسد الداخلية وتحديداً في الجانب المعاشي والجانب الاقتصادي، وسيضطر ومعه الروس إلى تقديم تنازلات جوهرية بشأن العملية السياسية وتحديداً تنفيذ القرار الدولي 2254 الذي يفتح الباب على تغيير البنية السياسية الحاكمة في البلاد.

احتواء تمويل إيران للإرهاب

واعتبر مراقبون أن الإجماع في مجلس النواب الأمريكي على قانون “سيزر” هو مكسب سياسي بحد ذاته، كون الأغلبية الساحقة باتت تعرف أن الأسد مجرم ويجب محاسبته هو وداعميه.

الصحفي السوري “زياد الريس” يرى أن هذا القانون يهدف بشكل اساسي لاحتواء تمويل الإرهاب الذي تعتمده إيران في المنطقة، من خلال استغلال مشاريع تنموية لتمويل ميليشياتها وحلفائها في المنطقة.

وتابع بالقول لحرية برس: إن هذا القانون يأتي ليكون أشبه بفرز على أرض الواقع لتحديد الجهات التي تعمل على غسيل الأموال وتمويل العمليات الإرهابية، خاصة أن النظام ومن خلفه حلفائه باتوا يروجون لإعادة اعمار سوريا على أنها شبه منح اقتصادية لمن يقبل التماشي مع مسارهم الإرهابي بدل أن يناشدوا العالم لإعادة اعمار سوريا لإنقاذ المواطن السوري، وهذا دليل أن الدمار الذي حصل بفعل طائرات روسيا والأسد وإيران كان مخطط له أن يصل بالدولة الى ما وصلت اليه، ليصار بعدها الى استغلال عمليات إعادة الاعمار والحصول على كتلة مالية نظيفة تم غسيلها من خلال هذا الاعمار.

 

وأضاف، أن قانون “سيزر” له أثر كبير على الاقتصاد التابع لمحور إيران في المنطقة وبعض الشركات العالمية، التي كانت تهرول باتجاه روسيا وإيران ونظام الأسد، طمعا بالحصول على بعض فتات الاعمار حتى ولو كان مغمس بدماء السوريين.

وتابع، لكنها الأن ستهرول بالاتجاه المعاكس وهو ما يزيد من أزمات محور إيران اقتصاديا ولن يتحمل هذا المحور مزيدا من الضغوط، وخلال الأعوام الخمس القادمة سنشهد انهيار كبير لبعض دول هذا المحور وتفكك داخلي وتشرذم.

نقطة تحول هامة في تعاطي أمريكا مع الملف السوري

ومن وجهة نظر محللين سياسيين، فإن هذا القانون يوجه رسالة قوية وخصوصاً الى الدول التي تريد إعادة تعويم نظام الأسد، عبر فتح سفارات أو اعادة تمثيل دبلوماسي أو إقامة مشاريع استثمارية في سورية، مفادها أن العقوبات ستكون في المرصاد لكل من سيتجاوز الخطوط الحمراء.

“معن طلاع” الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أوضح لحرية برس أن قانون “سيزر”، يُعد نقطة تحول “قانونية” مهمة في تعاطي الولايات المتحدة الأمريكية في الملف السوري؛ والتي تعاطت معه وفق مبدأ “الإدارة من الخلف” وتحقيق مصالحها الأمنية والاستراتيجية بتكلفة لا تزيد “تورطهم في الجغرافيا” وتخفف من أعباء التدخل دون الولوج بثنائيات “الصراع المحلي” وإن طوعته في بعض الأحيان لصالح أجندتها التي اتسمت بالتبدل واللاستقرار.

وأضاف، أن هذا القانون يؤسس من جهة أولى إلى لبنة رئيسية من محددات السياسة الأمريكية وستبقى “نظرياً” تفرض نفسها على دوائر صنع القرار أيّاً كان شكل الحكم القائم؛ بمعنى أن التعاطي مع استحقاقات سورية السياسية أضحى مشروطاً بمحددات تمنع وتعاقب أي جهة تتعاطى مع النظام، وبذلك تعزيز شروط واشنطن في قضية عدم منح الشرعية لهذا النظام الذي ظنّ أن الانتصار العسكري قد يهيئ الأجواء السياسية لبدء مرحلة التطبيع معه من بوابة الواقعية في العلاقات الدولية ومستغلاً دفع حلفائه في هذا الاتجاه لا سيما الروس وبعض الانظمة العربية التي عملت خلال الأشهر الماضية على ضمان عودته للجامعة العربية.

وأشار من جهة ثانية، إلى أن  هذا القانون يعزز آليات العطالة وعدم القدرة في أي سياسة نهوض محتملة للنظام لا سيما في مجال إعادة الهيكلة والبناء في قطاعي الدفاع والأمن، وبالتالي افقاده لأهم عنصر قوة محتمل يدفعه لتعزيز حكمه؛ كما أن وبذات السياق يعمل على محاصرة أي فاعلية إيرانية ترتجى في هذين القطاعين والذي عملت طهران خلال سني الصراع على تحقيق استراتيجية الاستحواذ النوعي والأفقي عليهما، لدرجة أضحت جزء مهماً من القيادة وتمتلك قوة عسكرية تابعة لها أضحت “رسمية” بعد اتفاق نيسان 2017 الذي أمن لوحدات الدفاع المحلي (التابع لطهران) دخولاً رسمياً إلى الجيش ناهيك عن امتلاكها العديد من مراكز القوة في الوحدات العسكرية النوعية كالفرقة الرابعة والحرس الجمهوري.

ومن جهة أخرى، يرى “طلاع”، أن وضع شروط خاصة بقضية إعادة الإعمار تجعل “المستثمرين عسكرياً مع هذا النظام” أمام عقبة العملية السياسية التي لطالما عُمل على تعزيز عوامل الاستعصاء والسيولة؛ فإعادة الإعمار على المستوى الوطني تتطلب تظافراً محلياً ودولياً لإنجازها وتتطلب دفوعات مالية واستراتيجيات دعم اقتصادية طويلة المدى، وهذا ما لن يتوفر وفق لهذا القانون إلا بعد إتمام العملية السياسية وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة والتي تدفع باتجاه انتقال سياسي يراعي شروط المحاسبة والعدالة، وبالتالي سيكون انهاكاً متزايد لحلفاء النظام الذين لن يستطيعوا وفق ملاءتهم الاقتصادية الراهنة التعاطي مع هذا الملف الاستراتيجي وهو ما يرشح بأسوأ السيناريوهات تفاقم وتراكم أزمات النهوض لدى النظام وديمومة فشل حكومته وتفشي الانتكاسات وبالتالي تزمين “تورط الحلفاء”.

ماذا بعد إقرار القانون؟

وعن السيناريوهات المتوقعة عقب قانون “سيزر” أوضح الباحث “طلاع” أن كل الآثار المتوقعة جراء هذا القانون لاتزال أسيرة “النظري والتطبيق”، إلا أن حالة الاجماع المقبولة حول هذا القانون تفضي لمعطى واضح ألا وهو صعوبة إعادة تأهيل النظام، وهذا المعطى سيجد طريقه في مكان ما في سياسات الدول التي تحاول التعاطي مع الملف السوري وفق نتائجه وتجهد باتجاهات تطبيع العلاقات تمهيداً لعودتها كما كانت وتوجيه ضربة بالغة الأثر لقوى الثورة الربيع العربي وتدعيماً مباشراً لموجات الثورة المضادة.

ولفت في سياق حديثه، إلى أن هذا القانون إن لم يكن دافعاً باتجاه بلورة استراتيجية أمريكية متكاملة وواضحة الأبعاد؛ سيكون ذو أثر وحيد الاتجاه يمكن الالتفاف عليه تحت “منطق المرونة والتجاهل حيال الدول المارقة”؛ لذا فإن انجاز واشنطن لتعريف تنفيذي واضح للانسحاب العسكري وهل سيوسع ليكون سياسياً واقتصادياً سيكون له الأثر الأوضح في الملف السوري، فعلى الرغم من قوة هذا القانون وأهميته إلا أنه إن لم يتكامل مع أدوات وسياسات سياسية وأمنية بذات القوة والوضوح سيكون قابلاً للتدويل والالتفاف.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل