طـعـمُ اللّيل .. شعر: عبد القادر الحصني

فريق التحرير9 فبراير 2019آخر تحديث :

طعم الليل* – قصيدة للشاعر السوري عبد القادر الحصني

يلهو بغرّتها النسيمُ
ويرفُّ تحت قميصها
فسماؤها الأولى طيوفٌ
من ثُمالات النجومِ
وأنتَ شيطانٌ رجيمُ.

فاصبر على نَعَسِ القباب الحالماتِ
وشمَّ طعمَ الليلِ
حتى تنحني الأقواسُ أكثرَ
أو ترى صمغاً
تشقَّقَ عن حليبٍ
من قيامته يقومُ

سيكونُ نَوْءٌ، ثم تنتبه الكواكبُ
فانتبذْ ركناً قصّياً في المجرَّةِ
وانتبذْ خمراً
تقطِّرها الكرومُ

واشهدْ ولاداتٍ من الأشكالِ
خلِّقْ وردةً حمراءَ
معدنها الجحيمُ

إن الجديد هو (التوابعُ والزوابعُ)
والهوى معنى قديمُ

هي ذي مصابيح البيوت إلى انطفاءٍ
والنوافذُ : كلُّ نافذةٍ إلى شأنٍ
فشأنُكَ من غراب الليلِ
وانسُلْ ريشةً
لتبلَّها بدم البنفسجِ
ثم تكتبَ
إن قلباً للقصيدة لن يدقَّ
إذا تلبَّسكَ الوجومُ
وتركتها يلهو بغرَّتها النسيمُ

***
لابأس. أنتم تائقون إلى فمٍ يحكي
وإنّي ببغاءُ.

من طبع هذا الدّلو ماءُ

وإذا أُتيح له لسانٌ، ثم عُلِّقَ
صار ناقوساً يرنُّ
إذا يؤرجحهُ الهواءُ
فعلامَ أنتم ترسلون إذاً بواردكمْ
ليدليَ دلوه في البئرِ،
لولا أنّكم قومٌ ظِماءُ.

للقصة الأولى..
ليوسف إذ يطلُّ بوجههِ
فيقُصُّ عن أفعال إخوتهِ
وعن تأويلِ أحلام الملوكِ
وعن شميم قميصهِ
لو قلتُ: يوسفُ لم يكن في البئرِ، ملقّى
قل: علامَ تقطِّع الأيدي النساءُ؟

لولا الهبوط إلى تفاصيل الحكايةِ
لم نقطِّفْ من ثمار الليل فاكهةً
ولم نلج الستورَ
على الخدورِ
وإلى لذائذ، خُبِّئتْ
تحت الشعورِ
ماسال ماءٌ غامضٌ تحت الجواري
والجسورِ

لولا الهبوط إلى تفاصيل الحكايةِ
مَنْ يحلُّ اللغزَ؟
من يستنطقُ الطلَّسمَ؟
من يفتضُّ أختامَ القواريرِ الجميلةِ؟!
كيف تدلق مابداخلها الجرارُ؟

هي لمسةُ المصباحِ والرَّصدُ المقيمُ على الكنوزِ
القهرمانةُ * بيضة الرّخّ* ابنة السلطانِ* زاجلة الحمامِ* القمقمُ* العفريتُ* خلخال الوصيفةِ* تِكَّةُ السروالِ* كفُّ العينِ* منديلُ العروسِ* الخرزةُ الزرقاءُ* جُبُّ السِّرِّ*
والسُّور المهتّكُ * والسِّوارُ
وهي التبسُّطُ
والتوسُّطُ
والحوارُ
وهي الخلاصُ
إذا تمرَّسَ بالقراءةِ والكتابةِ (شهريارُ)
***

لولا تفاصيل الحكايةِ
سربلَ الأشياءَ
في إبّانها
صمتٌ عقيمُ
ومضى الهواءُ إلى شؤون غير غرفتها
وخلاّها بلا عسلٍ
ولا ماءٍ،
يبلُّ ثيابها الأولى
ولا يلهو بغرَّتها النسيمُ

نحن ابتكرنا شرفةَ للبيتِ..
زهراً للأصيصِ
وسيداتٍ، كي يكونَ لزهرنا معنى
وكي نتبادل القبلاتِ والأطفالَ
والأدواحَ
من روض الأحاديثِ الجميلةِ
والسكوتا
نحن احتملنا أن نعيش وأن نموتا
ثم ابتكرنا بين هذين النقيضين التسالي
فدعوا من التشويق والتعليلِ
بين المدلجين مسافةً
بين الإجابةِ والسؤالِ
الوقتُ أوسع من فراغٍ
شدَّ مُكْحُلَةً لمرودها
وأن تأتوا بأربعة الشهودِ من المطالِ

القلبُ قُلَّبٌ
امزجوا بالماء خمرتَهُ
ليسمَو في صواعده الحبابُ
“سمَّو حالٍ فوق حالِ”..
كي لا يجفَّ، فإنّه إنْ جفَّ
صار إلى اليبابِ
وصار كالحشف البوالي
ودعوا مجازاً للحقيقةِ
كي تطلَّ على الخيالِ
دلّوا الحبالَ من الأعالي
فهي السَّلالم بين (أسباب النزولِ)
وبين (تأويلِ المقالِ)
وخذوا الغموضَ إلى الوضوحِ
ولو بدائرة احتمالِ
***
– إنّا أخذنا ما استطعنا من سبيلٍ نحو غاياتٍ ، تلاشتْ. ثم أدركنا العياءُ
في الأمر متَّسعٌ،
ولكن في اتِّساع الأمر مُنْقَطَعٌ كبيرٌ
لا يفسره الرحيلُ
ولا البقاءُ

بان الخليطُ، فهذه الصفحاتُ
أشبه ماتكون بأطلسٍ للغيمِ
قل: أين السماءُ؟

هذي اختلاجاتُ الستائرِ
اضطرابُ المزهريةِ
انتهاضُ الثوبِ عن ساقِ الصبيّةِ
انتثارُ الشعرِ
خفقُ الشَّال في (البوردا)
وشيء كالحفيفِ على الغصونِ
وكالصفيرِ على نهاياتِ الثقوبِ
فقل لنا: أين الهواءُ ؟

للسَّردِ مأزقه،
فعفريتُ الحكايةِ نام، حتى ماتَ
وامرأة الخواتم أفلتت
من قمقم الجنِّيِّ
وهي الآن تبحث بين أكوامِ الخواتمِ
عن أصابعها
وعن حلمٍ تكسَّرَ
من يعيدُ إلى العروسِ البكرِ أولَ خاتمٍ؟
ويعيدُ جدلَ ضفيرتيها؟

من سوف يعقد ليلةَ الحنّاء جفنيها على قمرٍ،
ينام براحتيها؟

ستذوب من خجلٍ،
وينشف ريقها خوفاً
وتهرب من عيون الماشطاتِ
إلى المرايا
وتدوس حافيةً على أجزاء صورتها
وقد صارت شظايا
في الوهلةِ الأولى
سيبدو الدمعُ ممزوجاً ببسمتها
مراعاةً لطقسِ الاحتفالِ
وريثما يبني خرائبه بعينيها البكاءُ
انظر مآل السَّردِ:
فهي استنفدت فرص البغاءِ
ولم يجئ بعدُ النقاءُ

إقر السلام على التفاصيل
التي ضحكت لها أشداقُنا
واقر السلام على التفاصيل
التي تركت على الأحداقِ دمعاً
لا يريمُ
إنّا نريدُ من الحكايةِ روحها ،
ونريدُ من صوتِ المغنّي
أن يقول لنا تفاصيلَ الحكايةِ
رعشُهُ العذبُ الحميمُ

خُذْ ريشةً بيضاءَ من جنح البراقِ
واكتب من الكلم البواقي
السَّردُ ينسي بعضُهُ بعضاً
ونحن متيّمون بما يدومُ

هلا تعيدُ على مسامعنا الحكايةَ
مرّةً أخرى
وتذكر أنّ أوّلها التماعٌ
بثّهُ مَلَكٌ كريمُ
فأضاءَ وجه صبيّةٍ،
يلهو بغرّتها النسيمُ.

*   *  *

  • طعم الليل – قصيدة للشاعر السوري عبد القادر الحصني – مجموعة “ينام في الأيقونة” – إصدارات دار الرائي للدراسات والترجمة والنشر  – 2000م.

 

الشاعر عبد القادر الحصني في سطور

  • أحد أبرز الشعراء السوريين والعرب المعاصرين.
  • من مواليد مدينة حمص في العام 1953.
  • عمل سكرتير تحرير لمجلة الثقافة السورية وأمين سر لجمعية الشعر باتحاد الكتاب العرب بدمشق ورئيس تحرير لدوريات الاتحاد.
  • صدر له العديد من المجموعات الشعرية، أبرزها: بالنار على جسد غيمة  في العام 1976، الشجرة وعشق آخر، العام 1980، ماء الياقوت، في العام 1998، ينام في الأيقونة، العام 2000، سارقو النار، العام 2014.
  • صدر له مجموعة قصص للأطفال بعنوان: علاء الدين وسر المدينة النائمة في العام 1985.
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل