تم اعتبار بعض المبادئ الفيزيائية غير قابلة للتغيير منذ أيام إسحاق نيوتن كالمبدأ التالي: يتحرك الضوء دوماً في خطوط مستقيمة، أو لا يُمكن لجسم فيزيائي أن يغير سرعته ما لم يتعرض لتأثير قوة خارجية.
يقول جيل جديد من الفيزيائيين أن الأمور لا تحصل بهذه السرعة، ففي الوقت الذي لم تتغير فيه القوانين الفيزيائية الحاكمة، تقوم طرق جديدة بخداع تلك القوانين وتسمح للأفعال المستحيلة أن تبدأ بالحصول. على سبيل المثال، أثبت عمل بدأ في العام 2007 أنه وبوجود شروط معينة، يستطيع الضوء التحرك على طول مسار منحني وهو اكتشاف بدأ في الواقع بإيجاد بعض التطبيقات العملية.
الآن وبوجود تغيير جديد في الطرق المستخدمة لحني الضوء، اكتشف باحثون من معهد ماساشوستس ومعهد إسرائيل (فلسطين المحتلة) للتكنولوجيا أنه بإمكان جسيمات دون ذرية أن تقوم بتسريع نفسها بنفسها، وقد تصل السرعة إلى قيمة سرعة الضوء تقريباً دون تطبيق أي قوى خارجية.
يُمكن استخدام نفس المبدأ من أجل تمديد حياة بعض النظائر غير المستقرة، ما قد يفتح الباب أمام مجالات بحث جديدة في فيزياء الجسيمات.
نُشرت النتائج المبنية على التحليل النظري، في مجلة Nature Physics من قبل طالب دراسات ما بعد الدكتوراه إيدو كامينر (Ido Kaminer)، وأربعة زملاء له من المعهد الإسرائيلي للتكنولوجيا.
تعتمد الاكتشافات الجديدة على مجموعة حلول جديدة لمفاهيم الفيزياء الكمومية المعروفة بمعادلات ديراك؛ إذ تصف هذه المعادلات السلوك النسبوي للجسيمات الأساسية (مثل الإلكترونات) بدلالة البنية الموجية (في ميكانيك الكم، تُعتبر الأمواج والجسيمات شكلين مختلفين للظاهرة الفيزيائية نفسها).
وجد الفريق من خلال التلاعب بالبنية الموجية أنه من الممكن التسبب في دفع الإلكترونات للتصرف بطرق غير اعتيادية ومنافية للمُسلّم به.
سلوك غير متوقع:
يُمكن إنجاز هذا التلاعب بالأمواج باستخدام أقنعة طَوْر مهندسة بشكلٍ خاص، مشابهة لتلك المستخدمة في صناعة الهولوغرامات لكنها أصغر بكثير. ووفقاً للباحثين، فإنه حالما يتم صنعها، تتسارع الجسيمات بطريقة ذاتية وبشكل يجعلها غير متمايزة عن الأسلوب الذي ستتصرف وفقاً له فيما لو تم دفعها باستخدام حقل كهرومغناطيسي.
يقول كامينر: “يربح الإلكترون سرعة، ويُصبح أسرع وأسرع. يبدو الأمر مستحيلاً؛ وأنت لن تتوقع وجود فيزياء تسمح بحصول هذا”.
تَبين أن هذا التسارع الذاتي لا ينتهك في الواقع أي من قوانين الفيزياء –مثل قانون انحفاظ كمية الحركة– لأنه في نفس الوقت الذي يتسارع فيه الجسيم، يقوم بالانتشار مكانياً في الاتجاه المعاكس.
يقول كامينر: “الجيب الموجي للإلكترون لا يتسارع فقط، فهو يتوسع أيضاً. لذلك هناك جزء منه يقوم بالتعويض. ويُشار إليه بذيل الجيب الموجي، وسيتجه إلى الخلف بحيث تكون كمية الحركة الكلية محفوظة”.
ووفقاً لعمليات التحليل المعمقة، تبين أيضاً أن هذا التسارع الذاتي يقوم بإنتاج تأثيرات مترافقة مع النظرية النسبية – إنه تغير في تمدد الزمن وتقلص المكان – وهي التنبؤات القادمة من نظرية ألبرت اينشتاين، وتحصل عندما تتحرك الأجسام بسرعة قريبة من سرعة الضوء؛ ونجد كمثال على ذلك مفارقة التوأم لأينشتاين، وفيها يشيخ أحد التوأمين، وهو المتحرك على متن صاروخ سريع، بشكلٍ أبطء من أخيه الموجود على الأرض.
تمديد الأعمار:
في هذه الحالة، يُمكن أن يُطبق تمديد الزمن على الجسيمات دون الذرية، التي تتفكك بشكلٍ طبيعي وتمتلك أعمار قصيرة جداً، مما قد يتسبب في استمرار هذه الجسيمات لفترات أطول مما هو متوقع في العادة.
قد يجعل هذا الأمر من الأسهل علينا دراسة مثل هذه الجسيمات عبر التسبب في بقائها لفترة أطول وفقاً لكامينر، إذ يقول: “ربما باستطاعتك قياس تأثيرات في فيزياء الجسيمات، لم يكن من الممكن إجراؤها بأي طرق أخرى”.
بالإضافة إلى أنه قد يحفز ذلك وجود فرق في سلوك تلك الجسيمات، التي قد تكشف عن جوانب جديدة وغير متوقعة في الفيزياء، ويقول كامينر: “ربما تحصل على خواص مختلفة ليس بالنسبة إلى الإلكترونات، وإنما للجسيمات الأخرى أيضاً”.
تم التنبؤ بتلك التأثيرات بالاعتماد على الحسابات النظرية، ووفقاً لكامينر فمن الممكن إثبات الظاهرة في التجارب المخبرية، وقد بدأ في الواقع بالعمل مع البروفسور مارتن سولجاسك (Marin Soljačić)، من MIT، على تصميم مثل هذه التجارب.
ستستفيد التجارب من مجهر إلكتروني، مزود بشكلٍ خاص بقناع طَور سيُنتج دقة أقوى بـ 1000 مرة من تلك المستخدمة في الهولوغرافيا (holography). ويقول كامينر: “إنها الطريقة الأدق التي نعرفها حتى اليوم عندما يتعلق الأمر بالتأثير على حقل الإلكترون”.
في الوقت الذي لا تزال فيه هذه الخطوة مرحلة مبكرة من العمل، فإنه من الصعب جداً التنبؤ بماهية التطبيقات العملية التي قد تظهر في النهاية، ويقول كامينر بأن هذه الطريقة الاستثنائية لتسريع الإلكترونات قد تثبت إمكانية تطبيقها عملياً في تطبيقات مثل التصوير الطبي.
يقول إيدي أري (Ady Arie)، بروفسور فيزياء من قسم الهندسة الإلكترونية في جامعة تل أبيب: “أصبح البحث في مجال التسارع الذاتي والأشعة المحافظة على الشكل حقلاً نشطاً في السنوات الأخيرة جراء إثبات صحة أنواع مختلفة من الأشعة الإلكترونية والبلازمونية والبصرية، ودراسة انتشارها في الأوساط المختلفة. اشتق المؤلفون الحلول المحافظة على الشكل من أجل معادلات ديراك، التي تصف انتشار الموجة الخاصة بالجسيمات النسبية، التي لم يتم أخذها بعين الاعتبار أبداً في الأعمال السابقة”.
ويضيف أري: “قد تكون النتيجة الأكثر أهمية هي استخدام هذه الجسيمات من أجل إثبات التشابه مع مفارقة التوأم الشهيرة في النسبية الخاصة: يُبين المؤلفون أن تمدد الزمن يحصل بين الجسم المتسارع ذاتياً، الذي ينتشر على طول مسار منحني، وبين توأمه، الذي بقي في المبدأ”.
* نقلاً عن: “ناسا بالعربي”
Sorry Comments are closed