أطل يوسف حسين، المعروف بـ”جو”، مقدم برنامج “جو شو” الذي يُبث كل خميسٍ على منصة التلفزيون العربي وتلفزيون سوريا، في حلقة جديدة، أعتقد برأيي الشخصي أنها كانت أقوى حلقة له خلال الموسم، أو إن صحّ التعبير، منذ بداية مشواره.
بدأت الحلقة وانتصفت كما اعتدنا.. بالتعليق على بعض زلّات الإعلام المصري الملقّن، ومواجهة “الإعلامي” نشأت الديهي، بماضيه الأسود.. رداً على تعديه على الدكتور عصام حجي الذي كان ضيف البرنامج قبل ثلاثة أسابيع.
اعتمدت الحلقة نظام المقارنة، أو ما راج مؤخراً على وسائل التواصل الاجتماعي باسم “تحدي السنوات العشر” الذي تفاعل معه المغردون والفيسبوكيون باستعراض ما اختلف لديهم من أحوال خلال السنوات العشر الأخيرة، من شكل، ودراسة، وارتباط وغيرها، لكن كانت لـ”جو” نظرة أخرى تماما، إذ عرض لنا جليا اختلاف ولاء عدد من الشخصيات المصرية التي كانت … ثم صارت… .
كان “جو” ذكياً، إذ هيّأ المشاهد العربي للأعظم، فترك الثلث الأخير من حلقته للصدمة الأكبر، ليعرض لنا نشرة أخبار ضمت أهم الأحداث التي حصلت بين عامي 2009 و2019، مختصرا الوجع كله بأقل من عشر دقائق.
لا أنكر أنه نشرته هذه كانت قاسية بعض الشيء، فتكثيف الألم، بنغمة صوت ينبغي لها أن تكون مضحكة، لم يكن مضحكاً على الإطلاق، فمع كل حدث تم ذكره، استعدت ذكرى.. والذكريات المرتبة في أعمق رف من الخزانة، ذلك الذي يعلوه رف آخر من الغبار، لا ينبغي لها أن تنبش في دقائق عشر.. يا يوسف.
لطالما كنت من متابعي هذا البرنامج بالتحديد، خاصة عند مروري بفترتات كنت أعاني خلالها من اكتئاب سياسي أفقدني القدرة على مشاهدة نشرات الأخبار الرسمية، فكنت ألجأ إلى “جو شو” لأخذ المختصر المفيد حول ما جرى خلال الأسبوع من أحداث في الوطن العربي، أضحك قليلا ثم أبتلع ريقي وأبكي.. هذا روتين كل حلقة، حتى بات أهلي يكرهون جلوسي معهم خلال متابعتهم الحلقة.. فمن المفترض، بالنسبة لهم، أن أضحك، لكن كل ما أستطيع الإحساس به هو أن نكات “جو” تجلدني.. واحدة تلو الأخرى.
بعيدا عن المشاعر المتأججة، كيف بالإمكان تحليل طبيعة برنامج كهذا؟ وهل أنا الوحيدة التي تشعر بتلك الأشياء خلال متابعتها مثل هذه النوعية من البرامج؟ بالطبع لا، ففي العام 2017، قامت جامعة أوهايو بنشر دراسة حول برامج الأخبار الساخرة، التي غالبا ما تصنف كبرامج تعنى بتسلية المشاهد.
كشفت الدراسة أن لمثل هذه البرامج أثر سياسي حقيقي على متابعيها، فالمتابع يقوم باختيار برنامجه السياسي الساخر اعتمادا على وجهات نظره وتوجهاته السياسية، سواء كانت محافظة أم ليبرالية، ما يعمل على تحفيز وجهات النظر تلك بمجرد متابعة برنامج ساخر يتبناها ويحولها إلى كوميديا سوداء.
تذكرون حين ذكرت أني لجأت لبرنامج “جو شو” عند مروري بمرحلة لم أستطع خلالها مشاهدة نشرات الأخبار؟ تثبت الدراسة أن كثيرين ممن لا اهتمام سياسي لديهم، يلجأون إلى اختيار برنامج يعرض الأخبار لهم بشكل كوميدي عوضا عن تلك التي تعرضها بشكل جدي وجامد، إذاً فأنا لست وحدي!
بحسب الدراسة، للبرامج السياسية الساخرة فضل كبير على الشعوب، فهي تقوم بشكل غير مباشر بإدماج غير المهتمين سياسيا في الحقل السياسي، مكونة بذلك وعيا سياسيا لديهم يتمخض عند التصويت أو الدخول في أحاديث سياسية مع الآخرين.
إذاً، فالبرامج السياسية الساخرة تتساوى في الأثر مع ما يقابلها من برامج جدية، إلا أن الدراسة أخذت منحىً آخر، ألا وهو تأثير البرامج الساخرة على اعتقاد المشاهد بقدرته على التغيير في الواقع السياسي لبلاده، أو بمعنىً آخر، ذكرت الدراسة أن تلك البرامج تزيد من وعي المشاهد حول دوره في التغيير، إن أراد ذلك، لذا تحظى البرامج الساخرة باهتمام كبير لدى الغرب لما لها من أثر هام على الوعي السياسي المتناقل.
ننتقل إلى الصين الشعبية، التي نشرت فيها دراسة في العام 2016، تفيد بأن مشاهدة المحتوى السياسي الساخر الذي يتوافق مع رؤى المشاهد السياسية المدفونة في أعماق عقله، تحفز المشاعر السلبية لديه، وبالتالي تزيد من رغبته في المشاركة السياسية، خاصة إن أثارت تلك البرامج نقاشا ساخرا حول قضايا تمس المشاهد شخصيا وتنال من حريته أو حقوقه.
إن قراءتي لتلك الدراسات أنستني لوهلة أنني أسكن في الوطن العربي، لكن لا داعي للقلق، فتلك قضية لا تنسى بسهولة، ومن السهل جدا تذكرها، بمثل سرعان قراءة خبر عن السلطة الفلسطينية، أو نظام الأسد، أو ذكرى 25 يناير، أو ضحايا اليمن، أو حصار قطر، أو غيرها من الأخبار “الرائعة”.
وبالعودة إلى الوطن العربي، وبالتحديد لبداية نقاشنا هنا، برنامج جو شو، ما الأثر الذي ينبغي له أن يتركه، وكيف تنطبق الدراسات المذكورة عليه، هل من الممكن حقا أن يكون لبرنامج كـ “جو شو” دور في دفع الشعوب للمطالبة بحقها في التغيير؟
اعتمادا على الدراسات السابقة، ورغم أني لم أجر دراسة على أبناء الوطن العربي، إلا أن تحليلي هو التالي: يزيد البرنامج من الوعي السياسي؟ نعم، يشكل البرنامج بديلا عن نشرات الأخبار الجدية” نعم جداً، يثير البرنامج الغضب لدى كل معارضي الطغاة العرب؟ نعم جدا جدا، يؤدي البرنامج إلى التغيير؟ لا..، فالبرنامج يثير الغضب فينا، نعجنه بقليل من الدمع، ثم نطفئ المدفأة ونذهب إلى النوم، ليردد الجمهور بنفس الوتيرة “رفقا بنا”.
عذراً التعليقات مغلقة