ربى حمود – حرية برس:
تطالعنا مواقع التواصل الإجتماعي منذ بداية الثورة السورية والتهجير الممنهج للشعب السوري عن نسب متفاوتة لطلاق السوريين في دول اللجوء، يحدث معظمها في ألمانيا والسويد بسبب التواجد الكبير للسوريين هناك.
بعض المقالات تتكلم عن ابتعاد السوريين عن العادات والتقاليد التي تلزم المرأة بقبول قدرها وتقديس الحياة الزوجية وأمثلة عن الصبر والطاعة وأن لا تؤثر طبائع الغرب على حياتنا كمسلمين؛ لكن قلما يتم التطرق إلى أسباب وصول الطرفين إلى الطلاق.
لماذا الآن؟ مالسبب الذي استجد وخاصة أن الطلاق يكون غالباً برغبة نابعة من الزوجة وليس الزوج بالرغم من وجود أطفال؟
(هدى) سيدة سورية تقوم بتسوية أوراق طلاقها بعد زواج دام خمسة عشر عاماً، تقول: تقول تزوجنا في سوريا برغبة متوافقة من الأهل، ولم أصل بتعليمي إلا إلى الصف التاسع ولم أحصل على الشهادة، أنجبت أربعة أولاد وكان زوجي يعمل ضمن ورشات للبناء.
وتضيف: الفقر كان يلازمنا وغضب زوجي الدائم كان ينصب عليّ حين أطلب أي شيء لي وللأولاد، وقد يتطور غضبه إلى الضرب والسباب، كنت أمقت الحياة معه بسبب سوء طباعه، إلى حين بدأت الثورة واضطررت للانتقال بعدها إلى تركيا بعد خسارتنا لمنزلنا وتهجيرنا قسرياً مع أقاربي ولحقني زوجي بعد ذلك ومن ثم انتقلنا إلى فرنسا.
“كان الحياة في البلد الجديد مريحة إلى حد كبير، الماء والكهرباء والتدفئة متوفران”.
تقول هدى: اهتمت مسؤولتنا الإجتماعية بإلحاق الاولاد بالمدرسة وبمتابعتنا طبياً، وقدمت لنا الدولة الفرنسية كل الرعاية الممكنة لنبدأ من جديد حياة كريمة ونظيفة، مع محاولاتهم لإيجاد عمل لي ولزوجي، طبعاً، لم يتغير في طبعه أي شيء، بل ازداد عصبية وسباباً وشتماً ووصل به المطاف حد منعي الخروج وحدي أو التعرف أو التقرب إلى أي عائلة أو صديقة جديدة.
تتنهد هدى وتتابع: بين ضربه وسكوتي والدروس التي كنت أتلقاها من مدرسة للغة وبين الاحترام الذي تلقيته من الجميع حيث كانوا يعاملوني كإنسانة لها حضور وكيان وبين زوجي الذي كان يذكرني بكل فرصة بفقر عائلتي وأنه انتشلني من فقرهم، وجدت نفسي ودون أن أدري ما طلبت، أخبر مسؤولتي الإجتماعية عن رغبتي بالطلاق مع خوفي الكبير من زوجي في حال علم برغبتي وخوفي الاكبر بألا أفقد أطفالي.
لم تتدخل مسؤولتي الإجتماعية بأموري الخاصة أو تسألني عن سبب الخلافات الذي جعلني اتخذ القرار بخصوص زواجي، لكنها احترمت رغبتي وساعدتني في ترتيب أوراقي وتم تأمين سكن منفصل لي ولأطفالي مع إبداء رغبتي بأن يبقى الأطفال معي كونهم تحت سن البلوغ، كذلك في المحكمة، حيث أوضحت لي القاضية أن الطلاق حق مشروع للطرفين ولست مضطرة لإبداء أسباب الخلاف.
“لم ينفع كل غضب زوجي وتهديده بأمر الطلاق، فقد كنت محمية منه ومن ضربه”.
فالمرأة بحسب القوانين في أوروبا تحصل على الطلاق ليس من باب التحيز للمرأة وإنما من باب المساواة بين الزوجين فحق الطلاق ممنوح لكليهما معاً؛ حضانة الأطفال تبقى للمرأة ولا تحرم منها بتاتاً إلا في حال ثبوت تعاطيها للمخدرات أو إصابتها بمرض معدٍ، ويبقى للطفل إلى حين بلوغه سن 18 الحرية في البقاء أو الإنتقال لمسكن يخصه أو البقاء مع والده، كما يلزم الزوج بأن يساهم في مصروف أولاده حتى لو كانوا ضمن حضانة الأم.
هذه ليست قوانين نموذجية لكنها فقط قوانين عادلة ومحقة وتراعي العائلة ككل وتلزم كل فرد في العائلة أن يكون مسؤولاً عن خياراته.
بمقارنة اجتماعية وقانونية لو أن هذا الطلاق جرى في سوريا في حال استطاعت ذات المرأة البسيطة المهمشة اجتماعياً طلب الطلاق ستفاجأ بالكثير من المعوقات.
سيكون الرفض هو الكلمة الوحيدة التي ستطرق مسامع الزوجة وليس فقط من الأب أو الاخ أو الزوج، بل حتى من والدتها وإخوتها لأن الجميع سيحملها مسؤولية الإساءة لسمعة إخوتها الغير متزوجات وحتى المتزوجات منهن.
وفي حال تم الطلاق؛ تستطيع الحصول على الحضانة بالنسبة لأطفالها حتى سن معينة (13) للصبي و (15) للفتاة مالم تتزوج وتسقط حضانتها، كما أن هذه الحضانة لم يهيئ لها القانون السوري مكاناً. فالزوج بعد الطلاق غير ملزم بتأمين مسكن لأطفاله للحضانة وحتى مقدار المال المحدد للنفقة هزيل لدرجة مخزية (3000) ليرة سورية للولد الواحد، وأهل الزوجة غير ملزمين بأولاد الزوج، ولا هم ملزمون قانونياً إلا بموجب الالتزام الاجتماعي والأخلاقي بأن تعود ابنتهم إلى منزل ذويها.
كما أن المرأة في حال تقدمت بطلب الطلاق عليها أن تمر بنفق جلسات المحكمين الذين سيقتحمون خصوصيتها بطريقة مزعجة حيث يسألون عن أدق التفاصيل للخلافات بين الزوجين، مع العلم أن وظيفتهم فعلياً تخفيض مؤخر صداق مهر المرأة حال الطلاق وليس أي شيء آخر.
وفي حال طلقها الزوج لن يكون أمامها سوى الخروج من منزل الزوجية خالية الوفاض، عدا لو كانت ملكية المنزل لها وهذا نادر في مجتمعنا. علاوة على نظرة المجتمع لها كامرأة (مطلقة) والتي تندرج تحتها كل الأقاويل.
لا زال الطلاق في سوريا حسب قانون الأحوال الشخصية ينتج بإرادة منفردة تابعة للزوج، سواء بمعرفة الزوجة بأن يطلقها لفظياً، ومن ثم يتابع إجراءات الطلاق إدارياً أو حتى بدون علمها (الطلاق التعسفي) حيث يطلقها غيابياً.
وبالرغم من وجود خطوات حديثة للقوانين العربية كما في مصر وتونس -على الأقل من حيث المسكن ونفقة الأطفال- لكن النظام السوري لا يزال يصر على الاحتفاظ بقوانين باتت بالية وقاصرة على المجتمع، وليس ذلك عن عبث.
قوانين العائلة السورية تتبع حالياً لقانون الأحوال الشخصية وهو القانون الذي تم وضعه حيز التنفيذ في الستينات وهي ذات الفترة التي بدأ فيها المجتمع السوري بأيدٍ خفية ينغلق تدريجياً.
فحين تكبل المرأة السورية بجوانب حياتها الإجتماعية والإقتصادية يصبح المجتمع تحت السيطرة بشكل جزئي من قبل الرجل الذي يجد في فرض سيطرته ملاذاً لحريته المنقوصة في المجتمع، فيفرض سيطرته على مملكته الصغيرة ويتدخل بكل صغيرة وكبيرة ليفرغ تلك الطاقة السلبية في دائرته الصغيرة باعتباره غير قادر على التفكير ولو مجرد فكرة بالتعبير عن رأيه أو الإفصاح عنه ضمن دائرة أكبر؛ ليكون المجتمع مجرد حلقة مفرغة بفرض دكتاتوريات عائلية صغيرة بعيداً عن التفكير بأبعد من الدوائر العائلية ويأتي الدين في اندماج مع القوانين لإلهاء المجتمع اجتماعياً ودينياً مع صيغ الحلال والحرام لأدق تفاصيل الحياة اليومية.
لذلك نجد المرأة أو الرجل الذي يستطيع رغم كل الضغوط تجاوز الدائرة الصغيرة والتفكير بما هو أكبر وأشمل يتعرض للتهميش والإزعاج ومن ثم الإعتقال لأنه تجرأ وتخطى منظومة المجتمع المغلقة بخروجه عن أبعد ما هو مرسوم له.
ولو استطاع الرجل والمرأة على حد سواء معرفة حقوقهما ونيلها بطريقة عادلة دون أن توزع عليهما أدوار الضحية والجلاد مسبقاً لما استطاع نظام مجرم القدرة على الصمود حتى هذه اللحظة.
Sorry Comments are closed