أحمد زكريا- حرية برس:
كشفت مصادر من مخيم “اليرموك” جنوبي دمشق، لحرية برس، عن وجود عدد من الجثث تحت الأنقاض، ومنع قوات النظام وميليشياته كوادر الهلال الأحمر الفلسطيني من الدخول وسحب الجثث وانتشالها من تحت الأنقاض.
وأثار هذا الأمر حالة من الغضب والقلق في صفوف الأهالي الذين نزحوا أو هجروا قسرياً من المخيم، إلى الأحياء المجاورة أو الشمال السوري، لافتين في الوقت ذاته إلى غياب أي دور للمنظمات الدولية تجاه هذا الأمر، من خلال الضغط من أجل الدخول وانتشال الجثث.
وكانت قوات النظام، مدعومة بغطاء جوي روسي، قد سيطرت على مخيم اليرموك الذي يشكل اللاجئون الفلسطينيون غالبية سكانه، في 19 نيسان 2018، بعد عملية عسكرية استمرت أكثر من 30 يوماً، سقط خلالها قتلى وجرحى.
وقد أطلق ناشطون ومنظمات حقوقية للمجتمع الدولي والأمم المتحدة، من أجل الضغط على النظام وإخراج جثث العائلات الفلسطينية التي ما زالت تحت الأنقاض، لافتين في الوقت ذاته إلى أن روائح الجثث بدأت تنتشر في المخيم بشكل قوي وخاصة في الأحياء المدمرة، مطالبين بضرورة الضغط لانتشال الجثث ودفنها.
جثث لمدنيين وأخرى لداعش تحت الأنقاض
وأكدت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، وهي منظمة حقوقية توثق الانتهاكات المرتكبة بحق اللاجئين الفلسطينيين السوريين ومقرها لندن، وجود عدد من الجثث لاتزال تحت أنقاض وركام المنازل المدمرة في مخيم اليرموك.
وقالت المجموعة في تصريح خاص لحرية برس: “حسب المعلومات المتوفرة لدينا، هناك جثث لعدد من أهالي مخيم اليرموك ما زالت تحت أنقاض وركام المنازل المدمرة، كما نقلت لنا بعض المصادر مشاهداتها للجثث في عدة مناطق في مخيم اليرموك، وتركزت في منطقة “العروبة” جنوب المخيم، ومنطقة غرب شارع اليرموك.
وأضافت أن الجثث تعود إلى مدنيين ومقاتلين من تنظيم “داعش”، من دون تحديد عددها، مشيرةً إلى أنه وفي وقت سابق عند إعادة سيطرة نظام الأسد على مخيم اليرموك، حاولت كوادر الهلال الأحمر الفلسطيني سحب الجثث وانتشالها، لكن قوات أمن النظام رفضت ذلك بحجة عدم وجود ذوي أصحاب الجثث، والجهل بهويات الضحايا.
وجددت مجموعة العمل مطالبتها بالسماح للطواقم الطبية والدفاع المدني بالعمل في مخيم اليرموك، وانتشال الجثث من تحت الانقاض والركام، كما أدانت المجموعة منع نظام الأسد أهالي مخيم اليرموك من انتشال جثث ضحاياهم العالقة تحت ركام الأنقاض، نتيجة القصف العنيف الذي تعرض له المخيم من قبل الطيران الحربي، خلال عمليته العسكرية التي شنها على جنوب دمشق، داعيةً المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان إلى التدخل وممارسة الضغط على نظام الأسد، لإخراج جثث العائلات الفلسطينية التي لاتزال تحت ركام منازلها في مخيم اليرموك.
أكثر من 5 أشهر والجثث في الشوارع
وكانت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، “أونروا”، قالت على لسان الناطق الرسمي باسمها، ” كريس جانيس”، في منتصف العام الماضي، “إن مخيم اليرموك غارق في الدمار، ويكاد لم يسلم أي منزل منه، وإن منظومة الصحة العامة كالمياه والكهرباء والخدمات الأساسية كلها قد تضررت بشكل كبير، ومن الصعب تخيل كيف يمكن للناس العودة”، بحسب وكالة فرانس برس.
وفي السياق ذاته، قال المسؤول الإعلامي في مركز المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، “علاء البرغوثي”: “إنّ المعطيات الميدانية تشير إلى أنّ نحو 80% من منازل ومنشآت مخيم اليرموك للاجئين جنوب دمشق، تم تدميرها بشكل كامل أو جزئي”.
وأوضح البرغوثي لصحيفة “فلسطين”، أن تناوب مسؤولين سوريين وفلسطينيين مؤخراً، على إطلاق تصريحات عن قرب عودة أهالي “اليرموك” المهجرين والنازحين إلى منازلهم تكذبها الوقائع، في حين أن المخيم غير صالح للسكن حالياً، ويحتاج إلى إعادة تأهيل للبنى التحتية، ولم نشهد أي فعل لإعادة إعماره كي يعود السكان إليه”.
ونقل الناشط السياسي “عمر القيصر” عن مصادر خاصة به، وجود عدد من الجثث ما زالت تحت الأنقاض، وهي 5 جثث تعود إلى مدنيين، ونحو 70 جثة تعود إلى عناصر تابعة لتنظيم “داعش”، متوزعة في شوارع رئيسة في مخيم اليرموك.
وأضاف “القيصر” في حديثه لحرية برس، أن قوات النظام منعت من البداية رفع الأنقاض وسحب الجثث، لافتاً إلى أن الأمر قد يكون رسالة للأهالي من أجل عدم العودة، في تناقض بارز مع قرارات إعادة الأهالي إلى المخيم.
وعن سبب غياب أي دور للمنظمات الدولية فيما يتعلق بانتشار الجثث وغياب الضغط من أجل الدخول لانتشالها أو دفنها، قال “القيصر”: إن “المنظمات الدولية والأونروا تعمل وفقاً لأوامر النظام السوري، وتمتثل له منذ بداية الثورة، ولا تحرك ساكناً بخصوص الجثث الموجودة منذ شهر آب/ أغسطس الماضي، ولا تقدم أي معونات أو خدمات لمهجري مخيم اليرموك في الشمال السوري، والقاطنين في مخيم “دير بلوط”.
أمّا الناشط الإغاثي “محمد الفلسطيني”، فقد قال لحرية برس: “لا يوجد إحصائية لأعداد الضحايا الذين ما يزالون تحت الأنقاض، بسبب شدة القصف على مخيم اليرموك في وقت سابق من العام الماضي على يد قوات النظام وروسيا، مضيفًا أن المنظمات غائبة بشكل واضح بشأن ما يجري في المخيم، وقد أدت شدة القصف إلى نزوح الأهالي، حيث ما من معلومات بخصوص القتلى ومن بقيت جثثهم تحت الأنقاض”.
نظام الأسد يراوغ ويماطل في مسألة انتشال الجثث
وفي تعليق منه على موضوع انتشار الجثث تحت الأنقاض في مخيم “اليرموك”، وعدم سماح قوات النظام بدخول أي فرق إغاثية أو طبية أممية لانتشالها ودفنها أو تسليمها لذويها، قال الكاتب “غازي دحمان”: إن المصادر الفلسطينية رجحت أن السبب وراء رفض النظام انتشال الجثث من تحت الأنقاض، هو عدم رغبته في إثارة الفلسطينيين ضده في سوريا ودول الجوار، فلطالما حاول نظام الأسد الادعاء أن حربه على السوريين والفلسطينيين في سوريا هي نوع من مقاومة المشروع الصهيوني، ومرحلة من مراحل تحرير فلسطين، وللأسف أيدته بعض النخب اليسارية الفلسطينية، وبالتالي فإن انتشال جثث الفلسطينيين من المخيم من شأنه أن يجرح روايته في الدفاع عن القضية، كما أنه سيربك مؤيديه الفلسطينيين”.
وتابع القول: “كذلك يعرف نظام الأسد أن الفلسطينيين في سوريا لهم وضع قانوني مختلف عن السوريين، وذلك بحكم وجود منظمات دولية على علاقة بهم، مثل الأونروا، وبالتالي لا يحبذ النظام تدخل منظمات الأمم المتحدة في هذا الملف، ويرغب في التسويف والمماطلة حتى يجد مخرجاً للأمر”.
وأضاف أن ثمة دافع لنظام الأسد وراء منع انتشال الجثث، فهو لا يرغب في فتح ملف اليرموك، وخاصة من حيث معرفة أعداد القتلى والمختفين قسرياً، وهناك من يؤكد أن النظام والفصائل الفلسطينية الموالية له قتلوا أعداداً كبيرة في أثناء دخولهم إلى المخيم، في إعدامات ميدانية جماعية.
غير أن الغاية الأهم للنظام، بحسب “دحمان”، تتمثل في عدم عودة الفلسطينيين إلى المخيم، بذريعة البحث عن قتلاهم، وقد برزت مؤشرات عديدة على وجود نية للنظام بمصادرة اليرموك وإعادة تنظيمه ومنع عودة سكانه، نظراً إلى قربه من مركز العاصمة، واتصاله بمنطقة جنوب دمشق التي تشهد حركة بيع واسعة لشخصيات شيعية من سوريا ولبنان بتمويل إيراني، بهدف بناء فنادق واستراحات للحجاج الشيعة في حي “السيدة زينب”.
وبحسب ” الأونروا”، فإن مخيم “اليرموك” الذي تأسس في عام 1957، يعد مسكناً لأكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سوريا، ويقع في داخل حدود مدينة دمشق، ويبعد 8 كيلومترات عن وسط العاصمة السورية.
عذراً التعليقات مغلقة