“تحرير الشام” تسعى لخلط الأوراق في الشمال.. والمستفيد: النظام وإيران

فريق التحرير5 يناير 2019آخر تحديث :
“أبو محمد الجولاني” زعيم هيئة تحرير الشام في آخر ظهور له بريف اللاذقية في 22 أغسطس 2018

أحمد زكريا – حرية برس

تتصدر التطورات الجارية في الشمال السوري والتي عنوانها الأبرز المعارك الدائرة ما بين “الجبهة الوطنية للتحرير” التابعة للجيش السوري الحر وبين “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، تتصدر واجهة الأحداث الميدانية والتي طغت بدورها على باقي الأحداث الأخرى في المنطقة.

وبدأت “هيئة تحرير الشام”، الثلاثاء الماضي، هجوماً مباغتاً على مواقع “الجبهة الوطنية للتحرير” من ثلاثة محاور” خان العسل، وبلدة تقاد، وبلدة دارة عزة” غربي حلب، قبل أن تمتد الاشتباكات بين الطرفين إلى محافظة إدلب وقرى غربي حماة.

وتأتي هذه الاشتباكات على خلفية مقتل خمسة عناصر من “تحرير الشام” في قرية “تلعادة” شمالي إدلب، الجمعة الماضي، في حين اتهمت “الهيئة” حركة نور الدين الزنكي التابعة للجبهة الوطنية للتحرير، إلا أن حركة الزنكي نفت صلتها بالموضوع، بحسب مصادر مطلعة.

وعلى الرغم من محاولات بعض الأطراف التدخل ومنع أي تطورات من شأنها أن تضر بالثورة والثوار والمدنيين القاطنين في الشمال السوري، إلا أن “هيئة تحرير الشام” تجاوزت كل الاتفاقات والمواثيق وبدأت هجوماً واسعاً على مواقع فصائل الجبهة الوطنية للتحرير، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول السبب الذي يقف وراء هجوم الهيئة والأهداف التي تسعى إليها ولصالح من؟

وفي السياق ذاته، أثرت تلك المعارك منذ اندلاعها، قبل عدة أيام، في حياة المدنيين المعيشية بعد أن تم قطع كافة الطرق الواصلة بين المدن والبلدات إضافة لأزمة حادة في مادة الخبز في بعض المناطق بسبب توقف الأفران عن العمل، يضاف إلى ذلك تعطل المشافي والنقاط الطبية، وفق ما تحدثت مصادر محلية.

تحركات “تحرير الشام” والسيناريوهات المتوقعة

ويرى مراقبون، أن ما تقوم به “هيئة تحرير الشام” في الشمال السوري من معارك لا يخدم إلا النظام وداعميه روسيا وإيران، ما يعطيهم الذريعة لاستهداف المنطقة التي تؤوي مئات الآلاف من المدنيين النازحين والمهجرين وقاطني المخيمات، بحجة مكافحة الإرهاب.

وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي “سعد وفائي” لحرية برس: لا أستطيع الفصل بين ما يجري من تجاذبات سياسية حول الدخول التركي إلى شرق الفرات وبين ما يجري في ريفي حلب وادلب ، وبالتالي لا يمكن لنا قراءة تحركات الهيئة بعيداً عن الحالة الدولية وهنا نحن أمام سيناريوهين اثنين: الأول جعل المنطقة كلها تحت سيطرة جبهة النصرة وإعطاء المسوغ الدولي لتحرك الروس لضرب المنطقة (إدلب وريفها وريف حلب الغربي)، وتهيئة المنطقة لدخول قوات النظام، ولهذا السيناريو دلائل على الأرض منها قصف الطيران الروسي للمنطقة التي توقف بها القصف لأكثر من عام، ولإصرار النظام والروس على أن وضع إدلب ليس نهائياً ولا بد من حلّ له يكون النظام أساسا فيه.

وأضاف، أن الشواهد السابقة غالباً ما تدل على أنه كلما تحركت جبهة النصرة ضد الثوار في منطقة ما آلت تلك المنطقة إلى النظام السوري.

وتابع بالقول: ما يزيد من احتماليات هذا السيناريو هو محاولات عربية لإعادة تأهيل النظام وفتح السفارات العربية في دمشق، ولن تؤدي اعادة تأهيل النظام هدفها الرئيسي في تحجيم الطموحات التركية ما لم تعد كافة الجغرافية السورية إلى سيطرة النظام، علما أن الطموحات التركية لها ما يبررها على مستوى الأمن القومي التركي وعلى المستوى السياسي، ومبررة على الناحية الشعبية فالشعوب العربية ترى تركيا الداعم الوحيد لطموحاتها الديموقراطية وتجد في تركيا نموذجاً تطمح إليه.

ورأى “وفائي” أن ما يضعف هذا السيناريو هو إصرار الأتراك، والمبررات التي سردتها سابقا هي مسوغات دولية تسمح للأتراك بهامش تحرك أكبر وتجعلها قوية في مواجهة سيناريو إعادة تأهيل النظام المدعوم روسياً”.

وفيما يخص السيناريو الآخر، قال وفائي “إنه لا يمكننا التكهن به قبل أن نرى وجهة جبهة تحرير الشام اللاحقة، فإذا كانت تحركاتها إلى تخوم حلب المدينة وفتح جبهات مع النظام فهذا يعني أن التحركات ضد الزنكي الذي لم يفتح جبهة مع النظام لأعوام مضت، وهي رد على ما يحصل من إصرار لإعادة تأهيل النظام والمرفوض من قبل بعض الجهات الدولية منها أعضاء في حلف الناتو، اذ قد تعطي إعادة تأهيل النظام قوة لروسيا لا ترغب بها هذه الجهات الدولية، ولكن ما يضعف هذا السيناريو هو تذبذب السياسة الأمريكية في الملف السوري وهي العضو الأبرز والأكبر لحلف الناتو، وما يجري من اضطراب في السياسات الداخلية لحلف الناتو أصلاً”.

ولفت “وفائي” إلى أن تحركات جبهة تحرير الشام يشوبها الغموض والتعقيد إلى درجة كبيرة، وبشكل لا يتعارض مع سياق هذه التحركات فإن المدنيين هم في ذيل اهتمامات المتحركين وهم الضحية الأولى لمثل هذه التحركات ومن ثم الذريعة الأكبر لتغيير وجهات أي تحرك.

وفي ردّ منه على سؤال حول إن كان هناك أي علاقة بين ما يجري من تطورات بين اتفاق سوتشي الأخير بين روسيا وتركيا بخصوص منطقة إدلب وتطهيرها من هيئة تحرير الشام قال “وفائي”: بكل الأحوال ما يشاع من أن هذه التحركات هي من ضمن اتفاق سوتشي هي مجرد تحليلات لم تصل إلى درجة التسريبات، فاتفاق سوتشي الحقيقي هو بين دول ثلاث “تركيا روسيا إيران”، ولا يعلم بتفاصيله بعد الله إلا هذه الدول الثلاث، وقد يكون هناك نوع من التوافقات الثنائية التي تخفى حتى على الطرف الثالث.

فتح جبهات بهدف خلط الأوراق

وبات من الواضح، بحسب مراقبين، أن “هيئة تحرير الشام” تريد خلط الأوراق في الشمال السوري، خاصة في ظل التجهيزات من قبل فصائل الجيش الوطني التابع للجيش الحر بمساندة تركية، لعمل عسكري مرتقب ضد الوحدات الكردية المتواجدة في مدينة منبج شرقي حلب.

وأعرب المحلل السياسي “محمود عثمان” عن اعتقاده، بأن تنظيم القاعدة له أجندته الخاصة كما هو معلوم ويتحرك من خلال الأجندة الخاصة به سواء من خلال تحريك الجبهات أو الاشتباك مع الثوار في أوقات حرجة عصيبة، واختيار التوقيت دائماً يوقظ شبهة لدى السوريين عموماً ولدى الثوار وقادة الثورة السورية ومتابعيها ومحبيها أيضاً.

وأضاف في حديثه لحرية برس، أنه يلاحظ دائماً أنه كلما كان هناك استحقاق سياسي أو عسكري يخص الثورة السورية، سرعان ما يتحرك تنظيم جبهة النصرة ويقوم بتحركات وتحرشات وفتح جبهات مع الثوار هنا وهناك، بحيث إما أنه يخفف الضغط على الخصم أو يفتح مجال للاختراق ولتدخل القوى ولخلق الأوراق أيضاً.

وتابع بالقول: “أعتقد أنه عقب التصريح الأمريكي بالانسحاب من سوريا، كان هناك بالفعل عملية ربما خلط للأوراق مما أتاح بالأحرى المجال لتحرك الجيش السوري الحر بما يحقق مكاسب للثورة السورية من خلال إخراج التنظيمات الانفصالية الكردية من منبج وشرق الفرات، وفي هذا الوقت تحديدا وبينما كانت كتائب وفصائل الجيش الحر تتجهز وتعلن النفير وتتمركز وتتخندق حول مدينة منبج تحديدا، وإذ بجبهة النصرة تتحرك كما عهدناها في الأوقات الحرجة الصعبة وتفتح معركة مع الجبهة الوطنية للتحرير التابعة للجيش الحر، دون مبررات ودون سابق انذار، اللهم إلا أنه لحرف كتائب الجيش الحر أو إشغال الرأي العام بمواضيع أخرى والحيلولة دون استنفار جميع القوى باتجاه منبج تحديداً”.

ولفت الانتباه، إلى أن تنظيم القاعدة تنظيم مخترق وهذا محل يقين لدى جميع السوريين من خلال سنوات التعامل، وليس خافياً على أحد أن إيران هي أفضل من يستخدم هذا التنظيم وتدفعه هنا وهناك سواء في العراق أو سوريا لتحقيق مآربها لرفع الوتيرة في منطقة أو خفضها في منطقة أخرى، وهذه الحقيقة لم تعد غائبة على أحد، وعندما ننظر إلى الوراء نجد أن أكبر المستفيدين من هذا التنظيم الإجرامي الإرهابي هي إيران وليس غيرها.

ومما لا شك فيه، بحسب “عثمان”،  أن السوريين نظروا دائماً إلى وجود مثل هذا التنظيم وغيره على أنه قوة إضافية ربما تتصدى للنظام أو غير النظام وهذا أمر يجري وهو أمر واقع لا يمكن انكاره، أنهم يخوضون معارك ضد نظام الأسد وضد الميليشيات الإيرانية أحياناً ويقومون بعمليات بطولية وهذا لا ينكره أحد، ولكن في المحصلة هذه التحركات المريبة والمشبوهة دائماً ما خدمت الطرف الآخر، بمعنى أنه في  ظاهر الأمر تجده معك وضد النظام ومع الثورة ولكن في الأوقات الحرجة يتسببون بمشاكل حقيقية ويعطون ذرائع كبيرة للخصم تتسبب في خسائر استراتيجية كبيرة.

وأضاف، “هؤلاء المجرمين كانوا السبب في تدمير مدينة حلب، حيث كان بإمكانهم أن ينسحبوا من حلب وكان عددهم وقتها لا يتجاوز 700 مقاتل تقريبا، وأن يسحبوا الذريعة من الروس كي لا يدمروا حلب، وكذلك في الغوطة ظلوا حتى آخر لحظة، وهم الآن موجودون في إدلب وبنفس الطريقة يعطون الذريعة للطرف الآخر لكي ينقض على الثورة وأن يصيب الثورة في مقتل”.

وفيما يخص موقف الجانب التركي من تلك الأحداث الجارية في الشمال وتحركات هيئة تحرير الشام رأى “عثمان” أن تركيا تنظر إلى جبهة النصرة على أنها فصيل موجود ويقاتل بشكل أو بآخر، وقد تعهدت أمام الروس وأمام المجتمع الدولي بأن تفكك هذه الجبهة، وأن تعيد المقاتلين الأجانب من حيث أتوا أو تقوم بتسفيرهم لدول أخرى، على أن يلتحق السوريون المنضوين ضمن هذه الجبهة بصفوف الجيش الحر،  ولكن هذا الأمر لا يمكن أن تقوم به تركيا لوحدها وعلى بقية الدول التعاون مع تركيا في قضية المقاتلين الأجانب تحديدا، وبالتالي تركيا يصعب عليها أن تفي بوعودها بنسبة 100% إذا لم يتعاون معها الآخرون بخصوص المقاتلين الأجانب.

وشددّ “عثمان” في حديثه على ضرورة اجتثاث هذا التنظيم وقال: لا بد من اجتثاث هذا التنظيم، والمعركة معه قادمة عاجلاً أم آجلاً لأنه جسم غريب على السوريين ومتطفل ويحمل أجندة لا علاقة للسوريين بها، وبالتالي سوف يتم تصفية هذا التنظيم والتصدي له عاجلاً أم آجلاً.

النصرة وداعش صناعة مخابراتية إيرانية

وفي تعليق منه على تلك التطورات، لفت العقيد الركن “مصطفى الفرحات” لحرية برس إلى إن هيئة تحرير الشام ومن خلال ارتباطها الخارجي أقصت العديد من فصائل الجيش الحر، بدءاً من جبهة ثوار سوريا وهي الفصيل الأول الذي تشكل من الشباب السوريين فقط والذين حملوا السلاح للدفاع عن مناطقهم.

في حين، أن المعركة الثانية للهيئة كانت حراسة مناطق سيطرة النظام في الساحل السوري، وهذه الجبهة التي لو فتحت لكانت ستوجع النظام أكثر من أي جبهة أخرى، بينما المعركة الثالثة كانت تأمين الحراسة الأمنية لمقاتلي “كفريا والفوعة” الذين يقاتل معهم العديد من عناصر ميليشيا حزب الله وتم حماية هؤلاء إلى حين نقلهم بأمان لمناطق سيطرة النظام.

وتابع “الفرحات” بالقول: اليوم معركتهم مع الجيش الحر والقوى المعتدلة، وذلك ليتسنى للنظام دخول ما تبقى من مناطق محررة، كما تفعل داعش اليوم شرق الفرات والتي أعطت المسوغ والمبرر لتحالف كل القوى الكبرى التي بالأصل هي متناثرة حتى يتم تدمير المنطقة ومن ثم ليصار لتسليمها للنظام وحلفائه، بعد أن كانت الكثير من هذه المناطق تحت سيطرة الجيش الحر إن كان في الرقة أو دير الزور أو غيرها.

وأضاف، أنه مما سبق نقول إن نسق القيادة في جبهة النصرة وداعش، هي صناعة مخابراتية جُلها للنظام وإيران، وكل ما قاموا به يخدم النظام وأعوانه، فهي تسعى لتنفيذ أجندات خارجية تخدم مشغليها من النظام وجهات أخرى، فهم يقومون بدور وظيفي خدمة لمشغليهم في الخارج.

ويرى “الفرحات” أن أيديولوجية هيئة تحرير الشام منذ البداية تصطدم بالجيش الحر ولا تنسجم معه، فالجيش الحر مشروعه وطني يهدف لنيل الحرية وإنهاء حقبة الاستبداد، أما الهيئة فمشروعها فوق وطني وعابر للحدود وتخدم أجندات مخابراتية إقليمية ودولية.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل