حنين السيد – حرية برس:
“أنا أكره بشار الأسد وأكره أبي كثيراً يا أمي.” هذا ما قاله علي ذو الثمانية أعوام بينما كان يحدق في عيني أمه اللتين امتلأتا قهراً، ظناً منه أن ذلك سيخفف الألم الذي رسمته الحرب على ملامحها. لم يكن يدرك أن كلماته كانت كفيلة بأن تفجر داخل أمه بركاناً من الدموع، وتحتضنه في حضنها الدافئ رغم كل البرد، الحضن الذي لم يبق له ولأخوته غيره في هذه الحياة.
نزحت أم علي مع عائلتها من قريتهم “جبين” في ريف حماة الشمالي، إلى ريف إدلب الجنوبي، منذ عام 2014، بعد حملات نظام الأسد الشرسة على البلدة, التي أجبرتهم على الرحيل حاملين قليلاً من الأشياء وكثيراً من القفر، ليواجهوا الحياة بحالهم البائس. لم تعلم أم علي أن رحلة بحثها عن الطعام ستكلفها كثيراً في ذلك الصباح التشريني من عام 2014، حين قامت طائرات الأسد المروحية بإلقاء 4 براميل متفجرة على المخيم الذي تبيت فيه أم علي ريثما تعود إلى عائلتها بالقليل من الخبز والطعام الذي يوزع هناك، إلا أنها لم تعد على قدميها، بل فقدت أحد أطرافها كما فقد آخرون عادوا بدون أرواح.
لم يكن العالم وحده من خذل أم علي حين صمت عن تلك المجزرة، بل زوجها الذي تخلى عنها ورحل بعيداً مع زوجة أخرى تاركاً وراءه أطفاله التسعة يتجرعون الجوع ساعة والقهر دهراً. ولتكتمل لوحة الدم التي رسمها نظام الأسد لهذه المرأة الصامدة، سلب منها إخوتها السبعة وأباها، الذين سقطوا فداء للوطن، لتبقى أم علي وحيدة في مواجهة الحياة من دون أي سند.
ولأن النهايات المزيفة كلها سعيدة، تحولت أم علي لمتسولة على أبواب المساجد في كل يوم جمعة. هي لم ترغب في ذلك، لكن حبها لأطفالها المغيبين عن أعين العالم أجمع كان بوصلتها.
Sorry Comments are closed