حطابو الأمل

محمود السرساوي20 ديسمبر 2018آخر تحديث :

حطابو الأمل

محمود السرساوي

الظلامي والعقول الزاحفة

يتغذى الظلامي على فقر البشر ويأسهم وبطش الأنظمة بهم، وبحثهم الدائم عن عدالة ما في السماء في ظل غيابها عن الأرض، ويقتات من ذاكرة ماضٍ نخره السوس ولاكه أهل النقل في تأويل النصوص بما يتفق مع أهواء الأمير وتصورات خلافته المدعاة.

فقد تم إفراغ العقل الجمعي تحت طاحونة الاستهلاك وعصا الأمن الغليظة وأثقلت الأدمغة بكم هائل من التحديدات المسبقة والمواعظ والأدعية والبدع وروجت الأنظمة بكل الوسائل المتاحة لجاهزيتة وانغلاقه وترويضه حتى غدا عقلا زاحفا على بلاط العيش المهدور، لا يقيم ولا يقوم إلا ما يسد احتياجاته الأساسية، يلهث في أزقة العيش البائس ويطحن على عتباته، بينما يتولى الإعلام لعبة اختصار الوطن وقضاياه وخلاصه في صورة الزعيم وشخصه
والبقاء لايتم إلا معه وبه ، فهو الوطن وسقف الوطن وأرض الوطن ومالك الوطن، لذلك هو أو لا أحد..

وعليه بنت الأنظمة العربية استراتيجيتها في مواجهة معارضتها -إن وجدت- بالمزيد من لغة الدم وحصد الرؤوس التي أينعت وحان قطافها مستعيدة دلالة الحجاج وبطشه لترسيخ الخوف وتحويل الأحلام إلى كوابيس مخرجة من جعبتها بعبع الظلامي ليكون شماعتها في ارتكاب المذابح والمجازر وتأمين إعادة تلميع صورتها في مرآة العالم الخارجي. للقول هانحن وهاهم.

فالظلامي الموفور في قبضتها ينتظر الخروج من مصباح سجونها وعتمة منفرداتها ليؤكد جدارته بإقصاء الآخرين وإلغاء هوياتهم وطمس معالم المدنية والحضارة باسم ما يصادره من خلافة الله في الأرض بالمربع الذي اختارته أجهزتها وحضرت مسرحه على أكمل وجه وبإتقان شديد.

وغابت القوى المفترضة أن تتصدر حراك المظلومين ، وتدافع عن جدارتهم بالحياة، ونأت الشخصيات المؤثرة عن المشهد وتكورت في الصفوف الخلفية بانتظار ما تؤول إليه المواجهة معللة ضعفها بالقمع الذي لم تتغير يوما ماكينة استخدامه، حيث يمد الحيوان الأمني خيط الحياة لنظيره الظلامي ويتحدان على لوك الإنسان المقهور وتدمير إمكانية حصوله على تصور أفضل للحياة وإدارة البلاد. محنة اتفق فيها حطابو الأمل وجزارو الشعوب.

-2-

لم يعد بالإمكان إقناع أبناء المخيمات بذات الطريقة والسلوكيات والشعارات
السابقة لتغريبتهم الجديدة، كأن يخطب القائد الهمام في صفوفهم محاولاً إقناعهم بعدالة قضيتهم، القضية التي شربوا عدالتها مع حليب الأمهات وقدموا لأجلها الغالي والنفيس، وربما يعتقد القائد الفذ بأن نارية لغته وعلو نبرة مفرداتها وصخبها هو من يحضهم على التضحية ناسيا أو متناسيا أن هؤلاء هم من يقرر، وهم من يقول، وليس هو، وزمان فكرة الحشد التي ترى الجماهير ككتلة صماء قد ولت، وأن اطمئنانه عن استقالة عقولهم هو اطمئنان مزيف وأن صبرهم مرده التمسك بشوكة الأمل قبل وردته، وليس نتيجة عبقريته وفرادتها، بعدما رأت الجماهير بأم عينها قدراته التي تختصر دوما الفصيل كما تختصر الشعب وقضيته مجرد كرة صوت لا أكثر.

فقد خرج الفلسطيني عن السيطرة عندما غدا وجوده انتماء لا تقوله بطاقته الشخصية إنما مخيلة نضالية طويلة لا يمكن طحنها وهزيمتها كفكرة ورمزية، ومن هنا يمكن أن تجد عربيا فيه من فلسطين أكثر من حامل البطاقة الفلسطينية، وقد تلازم هذا المعنى لدى الشباب الفلسطيني في المخيمات مع ما حدث ويحدث في سوريا فاعتبر الأمر يخصه ويصب في شؤونه رغم اختلاف الشعارات والاستهداف بينه وبين الآخرين.

لكن المفارقة تكمن بأن القوى الفلسطينية باختلاف أطيافها بعد كل حدث جلل يا صديقي تردد سيمفونية ” المراجعة النقدية الشاملة” و”الحقيقة كاملة” طبعا هذه المراجعة لا تتم وإن تمت، فللبحث عن شماعات خارجية لتحميلها مسؤولية الهزيمة، أو النكبة أو الخيبة التي حدثت، والحقيقة الكاملة هي اللاحقيقة، ويمكن الالتفات قليلا إلى الخلف لنرى كيف تمت المراجعات النقدية وما هي الحقيقة الكاملة التي قيلت، لنعترف بعمق أزمتنا البنيوية أولا، وبحاجتنا الماسة لإعادة صياغة مشروعنا الوطني الديمقراطي الجامع والموحد بمعايير تحترم تصفيق العقول أكثر من الأكف، وآخرا وليس أخيرا نصادق ونصدق على ما قاله كاتبنا الشهيد غسان كنفاني يوما “إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية فالأحرى بنا أن نغير المدافعين لا أن نغير القضية”.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل