الثورة السورية.. ثمان سنين في سطور

بسام الرحال30 نوفمبر 2018آخر تحديث :
بسام الرحال

لم تكن تلك المشاهد المنقولة عبر أثير الفضاء مألوفة من قبل تماماً، كما لم تكن مقبولة من الأسياد والعساكر والحواشي ومرتزقتهم من أولي المنافع والهبات والسماسرة ومن في حكم كل هؤلاء.

كان حينها الفضاء رحباً وواسعاً بما يكفي لنرى صورة مكتملة وبدقة عالية، سواء كان النقل منظماً ومرتباً أو مجرد سرد صوتي ومرئي لحدث يجري في أماكن كانت تبدو محصنة وعصية على اختراق العدسات والقنوات ومنابر الخطباء وتهافت العامة والنخب المقصاة عن التأثير والتأثر.

ومع أنه قيل لنا أننا وطن كبير وواحد، إلا أننا لم نكن نعرف الكثير عن أمصار الوطن الكثيرة والهزيلة وهواجس أهلها ومدى التلاحم والتناغم بين الرعاة والرعية، فاكتشفنا أن ما يوحدنا حقيقة وبعيداً عن الفلسفات والخزعبلات هو وحدتين متعارضتين، فالطغاة موحدون والقطيع موحد، تحكمهم معادلة من الدرجة الأولى بمعلوم واحد ومجهول واحد، فالمعلوم هو الظلم والمجهول هو الكرامة.

سررنا بتقدمهم والاطاحة بأصنامهم، فقد جاء الحق وزهق الباطل وكسرت في وحدة الطغاة بعض الحلقات، ولم يكن هذا منظماً ولم تكن للجموع راية ولا برامج ولا قادة، وهذا ربما سر من أسرار تقدمها في البداية دون تعثر أو تقهقر، فالناس تسير في مواكب فطرية بمجاميع وفيرة وغفيرة نحو هدف لا يعلمونه ولا يعرفون له حداً أو نهاية، فلم يكن التفكير في الخطوة التالية التي لا بد آتية مهماً وضرورياً أمام هدف عام فرضه قهر وألم قديم، فالغرض إثبات ذات واسترداد كرامة واستعادة شجاعة ومبادرة، فحين تسير الجماهير موحدة وتنشد موحدة وتجابه موحدة، يصبح البرنامج تفصيلاً سيأتي حين تنهي الحشود مرحلة التمرد والتوحد والتعبير الصاخب.

سارت الحشود ولملمت أفكارها، وتنمر الطغاة وأراقوا دمائها في محاولة بائسة ويائسة لإعادة الذي هو كائن إلى الذي كان بدون قدرة أو ميزة سماوية، فالطغاة إن قالوا للشيء الذي كان في غفلتهم وصحوة رعيتهم كن فلن يكون، لأن السلطة كما الحياة إن ذهبت فلن تعود فلا بقاء لظالم وإن طال الزمن.

ولكن، حدث أن امتطى صهوات الكرامة والظهور الأصيلة جوقات من أصحاب الخطابات والبرامج والمناهج، فاختلفوا وتصارخوا وتعاركوا وانقسموا وتنابزوا بالألقاب والمزايا والرؤى بين علماني وباغي وما بينهما من تكتلات وأقلام وسيوف وخناجر، فضاعوا وضيعوا وتاهت الجموع بين هذا وذاك، وتداخلت الأفكار وأقيمت المناظرات وتنافست الأدلجات، فلا هذا أقنع ولا ذاك أفلح، والكل عدو الكل، وللكل أصيل غائب وراء الحدود وإن حلف برأس حبابته بالوفاء والصلاح.

فعلمَ الذي أدرك أن التغيرات الأفقية لن تجدي والمناهج المتصارعة لن تأتي بأفضل مما كان، والتغيير والفلاح يأتي من رحم الألم، وبما أن الشرخ عامودي فينبغي للتغيير أن يكون كذلك من الأساس إلى الهرم حجراً حجراً وقطعة قطعة، فلوحة الفسيفساء لن تكتمل قبل الجهد وجمع المكونات وترتيب القطع واحدة فأخرى.

لا الصراخ يجدي، ولا الأهازيج ولا الدبكات ولا الخطب قعوداً أو وقوفاً، ولا سد الشوارع بالتراب، ولا إراقة الزيت على عسس السلطة، ولا حتى رميهم أو جلدهم بأغصان الزيتون، فالظالم ماكر وفي الاستجابة ماهر، وله حلفاء ومريدون ومنتفعون ولديه لكل معضلة خطة، وفي كل شباط قطة.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل