الليرة تتهاوى أمام الدولار.. والنظام يواجه استحقاقاته بالأكاذيب

كيف أثرت "المصالحات" وإعادة فتح معبر نصيب بشكل سلبي على قيمة الليرة السورية؟

فريق التحرير24 نوفمبر 2018آخر تحديث :
أحد الأسواق الشعبية في دمشق – الجزيرة نت

أحمد زكريا – حرية برس

تواصل حكومة رأس النظام بشار الأسد ادعاءاتها بأن الاقتصاد السوري على طريق التعافي، إلا أن الواقع يشي بعكس ذلك، حيث تواصل الليرة السورية انخفاضها أمام الدولار، لتسجل سعراً يصل إلى 500 ليرة مقابل دولار واحد.

وعلى الرغم من إعادة فتح معبر نصيب، والمصالحات والتسويات التي أبرمها نظام الأسد بدعم روسي في مناطق درعا والقنيطرة والغوطة الشرقية وجنوب دمشق وريف حمص الشمالي، إلا أن ذلك لم يكن له أي انعكاس.

بل على العكس من ذلك، لفت ناشطون إلى أن المناطق التي كانت تشهد حصاراً من قبل النظام وميليشياته كانت السبب في نشاط سوق النظام الاقتصادية بشكل غير مباشر.

وكان نائب المدير التنفيذي لسوق دمشق للأوراق المالية” كنان ياغي” صرّح لـصحيفة “الوطن” الموالية للنظام: إن التوقعات كانت بأن ينعكس فتح “معبر نصيب” إيجاباً على سعر الصرف، ولكن الواقع أن عوامل الاقتصاد كثيرة، فإن وجد عامل واحد إيجابي فسنجد عدة عوامل أخرى أثرها سلبي، ما يتسبب بتراجع سعر الصرف”.

بدوره، زعمَ رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية “عابد فضلية”، بحسب المصدر ذاته: “إن من أن أهم أسباب ارتفاع سعر الدولار هو التهريب المتفاقم خلال فترة الأزمة وما زال، مشيراً إلى أن أثر التهريب النقدي يشبه استيراد السلع الكمالية، فالتهريب هو أحد الأسباب الرئيسة لزيادة الطلب على الدولار”.

معبر نصيب وآثاره السلبية على الليرة السورية

ويرى الصحفي السوري “سمير السعدي” أن افتتاح معبر “نصيب” انعكس بشكل سلبي على سعر الصرف، خاصة وأن الطلب ازداد على القطع الأجنبي لا سيما أنه هناك كثير من المواد يحتاجها السوق وخاصة المستوردات سواء قطع غيار سيارات أو غيرها، فهذا الأمر أدى لتسارع انهيار الليرة.

ومن الأسباب الأخرى لانهيار الليرة السورية أمام الدولار، بحسب “السعدي”، هو توقف الدعم الذي كان موجود سابقاً سواء كان دعماً عسكرياً أو مدنياً وكله كان بالقطع الأجنبي بالدولار تحديداً، وهذه الأموال كانت تضخ بطريقة مباشرة بأسواق النظام ليتم تبديلها بالعملة المحلية والتي هي الليرة، الأمر الذي كان يحافظ نوعا ما على استقرار سعر الصرف.

ورجح “السعدي” في حديثه لحرية برس: أن يحافظ الدولار على سعره أمام الليرة السورية أي 500 ليرة مقابل دولار واحد، طالما أن المعبر يعمل وطالما أن هناك حركة تجارية من وإلى سوريا، وسيبقى محافظاً على سعره حتى مطلع العام القادم، وفق تقديراته.

المصالحات هدفها سياسي وليس اقتصادي

وقلل “السعدي” من أن يكون هناك أي انعكاس للمصالحات والتسويات التي تمت لصالح النظام على الاقتصاد السوري وقال: إنه بالنسبة للمصالحات، فالموقف سياسي وليس له أي أثر اقتصادي، وحالياً لا يوجد موسم زراعي أو صادرات من الممكن أن يستفيد منها النظام في تلك المناطق وأن يعمل على تبديلها بقطع أجنبي،  وما جرى من مصالحات حاول النظام أن يستغلها أمام حاضنته الشعبية لبيعهم الأوهام بأنها نصر سياسي وأن النظام الاقتصادي بدأ بالاستقرار والتعافي ، إلا أنه وفي حقيقة الأمر لا يمكن التعويل على تلك المصالحات والتسويات.

وعن دور إيران وروسيا في التدخل لدعم اقتصاد الأسد، أوضح “السعدي” أن إيران تعاني اليوم من عقوبات اقتصادية أمريكية عليها، كما أن روسيا ليست بحال أفضل من إيران، مستبعداً أن تقوم روسيا وإيران بضخ أموال وقطع أجنبي في المصرف السوري المركزي من أجل أن تعود الليرة لحدود 400 أو ما دون ذلك.

ولفت “السعدي” إلى انعكاس انهيار الليرة على المواطن السوري وقال: الانعكاسات على المواطن واضحة وجلية، وهي ارتفاع بنسبة 30% لبعض السلع الأساسية مثل الزيت والسمن والسكر والأرز، وبالتالي فتح المعبر أثر بشكل سلبي على الأسعار كون المواد بدأت تصدر لخارج الحدود ما انعكس على المواطن بشكل سلبي.

مسؤولو النظام والاضرار بالاقتصاد السوري

وكان رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية “عابد فضلية”، بحسب صحيفة “الوطن” التابعة للنظام، أكد أن سعر الصرف في سورية غير مرتبط بسعر الدولار عالمياً، مشدداً على أن الاقتصاد السوري يشهد تحسناً ما سيؤدي إلى قوة الليرة السورية، لأن قوة الليرة من قوة الاقتصاد، زاعماً أن لدى المصرف المركزي رؤى وإجراءات وقرارات، وخلال فترة قريبة جداً سيتخذ المركزي إجراءات لها صلة مباشرة بموضوع الطلب على الدولار وسعر الصرف.

وعن رأيه في انهيار الليرة السورية أمام الدولار، قال الباحث الاقتصادي الدكتور “محمد حاج بكري” لحرية برس: إن المسؤولين لدى النظام يتبارون في استعراض أضرار الاقتصاد السوري، وفي كيل الشتائم، وتحميل العقوبات الاقتصادية، وعمليات التخريب التي تطال الاقتصاد السوري مسؤولية وصول الاقتصاد إلى حافة الانهيار وحدها، وهم بذلك يلعنون الظلام ودون أن يتذكروا أن الحلول التي يقولون بها قد خلقت أزمات بالجملة، وقد أضرت بالاقتصاد السوري، وبالمواطن أيضاً، والذي هو منطلق وغاية كل السياسات الاقتصادية، وبما يوازي الضرر الذي أحدثته العقوبات الاقتصادية وعمليات التخريب التي طالت القطاعات الاقتصادية كافة.

وأضاف “حاج بكري” في حديثه لحرية برس: هرّب مئات “رجال الأعمال” أموالهم إلى بنوك وأسواق دول العالم كافة، وأحد الاحصاءات يقول إن نحو 14 مليار دولار قد جرى تهريبها إلى البنوك اللبنانية لوحدها، وهم من “أكلوا البيضة والتقشيرة” في أيام الاستقرار.

نفاد الاحتياطي من القطع الأجنبي

وأشار “حاج بكري”، إلى أن الركود الاقتصادي وصل إلى الذروة، وهذا لم يأتِ من فراغ، بل إن عشرات القرارات الاقتصادية التي طالت رفع أسعار جميع المواد الاساسية والرئيسية، بدءاً من المشتقات النفطية بكل موادها وصولاً إلى المواد التموينية وتعرفة الكهرباء والماء والاتصالات، هي من أوصلت الاقتصاد الوطني إلى هاوية الركود الاقتصادي، والمواطن إلى حافة الفقر المدقع.

ولفت، إلى أن الليرة السورية انهيارها مع عجز المصرف المركزي التابع للنظام عن إيقاف هذا النزيف الحاد نتيجة نفاذ الاحتياطي من العملات الأجنبية، موضحًا في الوقت ذاته، أن ان تهاوي سعر الليرة السورية بسبب نفاد احتياطي سورية من النقد الأجنبي، حيث لم يسلم المصرف المركزي السوري أي دولارات لشركات الصرافة رغم وعوده بمواصلة التدخل في السوق.

وتابع قائلاً: إن ارتفاع سعر الصرف حالياً في السوق الموازي مقارنة مع سعر المصرف المركزي بفارق كبير ليس بسبب إعادة فتح معبر نصيب، فالمعبر لم يكمل الشهر على افتتاحه، وهذه الفترة غير كافية لتحدد تأثيره على سعر الصرف أو على السوق بشكل عام.

دعم روسي وإيراني أم استنزاف للاقتصاد السوري

واعتبر “حاج بكري” أن لإيران دور في التأثير على الاقتصاد السوري وقال: طوال السنوات الماضية، كانت إيران ترفد المصرف المركزي السوري بالعملات الصعبة، وهو ما بدا أنه تراجع أو توقف، فإيران بدا أنها أوقفت مساعداتها المجانية، وباتت تطالب بالثمن المقابل الذي يكون عبر فتح باب التملك في سوريا بالإضافة الى وضعها الاقتصادي المتردي واضطراباتها الداخلية.

بالمقابل، رأى الباحث الاقتصادي أن التدخل الروسي “كان صنع مظلة أمان نفسي بالنسبة للسكان في الداخل، لكن عوامل عدم الثقة أفقد الناس الشعور بعامل الاستقرار الذي أوحى به التدخل الروسي، فتزايد الطلب على العملة الصعبة في الداخل، وهو سبب من الأسباب أدى إلى انخفاض قيمة العملة السورية.

وذكر “حاج بكري” في سياق حديثه، امتداد سنوات الحرب والاستنزاف الذي أصاب اقتصاد الأسد، وهروب رؤوس أموال ضخمة من البلاد والانقطاع الكامل في باب الاستثمار وعائدات السياحة، وتوقف عجلة الإنتاج والبترول وعجز الميزانية وفقدان الاحتياطي النقدي، وتدني مستوى دخل الفرد وارتفاع تكاليف الإنتاج بمعنى ما تبقى من انتاج  والبطالة وعسكرة المجتمع وغيره الكثير.

وأضاف: أن كل ذلك ساهم في هبوط قيمة الليرة السورية إلى أكثر من عشرة أضعاف خلال أكثر من ستة أعوام، وأصبحت الهوة كبيرة جداً بين غلاء الأسعار ومتوسّط دخل الفرد. وما طرحُ فئات نقدية كبيرة مثل فئة “2000” إلا إقرار بمزيد من التضخّم الذي ينعكس بدوره على المواطنين، إذ ارتفعت نسبة الفقر إلى نحو 80% من سكان سوريا، وأصبح أكثر من 90% منهم يعيشون على التحويلات المالية الخارجية ومهما فتح من معابر لكن يكون تأثيرها الا طفيفا قياسا لحجم الخسائر في سورية.

ويرى “حاج بكري” أنه رغم الدعم الذي تلقّاه نظام الأسد، إلا أنه دعم ساعده على عدم السقوط اقتصادياً؛ وليس من النوع الذي يمكن أن يجعل النظام يقف على قدميه، والدليل على ذلك أنه تجاهل طلبات برفع الرواتب والأجور لسدِّ الفرق الهائل بين الدخل والإنفاق، وأشار إلى أن نظام الأسد وضع عينه على أموال ما يسمى “إعادة الإعمار” لعله يستفيد منها في تحسن الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد؛ إلا أن الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة يرفضان حتى هذا الوقت التعاون معه في هذا الملف، ما يُفقده باباً كان يمكن أن يُسند عجزه المتواصل.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل