*بسام الرحال
“أقلع حربي من مطار الشعيرات إلى منطقة العمل.. الكل ينتبه”، “المروحي دخل الأجواء.. مدنيين اخلي الشوارع والتجمعات”، “دفاع مدني توجه نحو التنفيذ”، “المروحي انتهى وباتجاه العودة”.
هذه العبارات وغيرها الكثير من العبارات التحذيرية باتت مألوفة لدى أهالي المناطق المحررة من نظام الأسد، حيث تصدر هذه العبارات من المراصد العاملة في المناطق المحررة عن طريق القبضات اللاسلكية التي أصبح يستخدمها 90% من الناس هناك، والتي انتشرت بشكل كبير بعد انقطاع شبه تام لوسائل الاتصال في أغلب مدن وبلدات المناطق المحررة منذ سنوات، فكل منطقة تخرج عن سيطرة قوات الأسد يعمد الأخير كعقاب جماعي للسكان إلى قطع وسائل الاتصال السلكي واللاسلكي عنها.
في ريف حمص الشمالي، الذي عاش ثورته وحريته مبكراً يستخدم أغلب السكان فيه القبضات اللاسلكية كواحدة من أهم وسائل الاتصال المتاحة، حتى أن القبضة أصبحت جزءاً أساسياً في حياة الناس، ومن الأمور التي لايمكن الاستغناء عنها لما تلبيه من خدمات قد تصل إلى إنقاذ حياة الكثيرين من الموت.
القبضة اللاسلكية في كل بيت:
يقول “خالد إسماعيل” الذي يعمل بنقل البضائع من المناطق الشرقية في الريف الحمصي إلى مدينة الحولة: “جميع الصفقات التجارية والتواصل مع الزبائن وبيع البضاعة وشرائها يتم عن طريق القبضة، فأنا عندما أريد أن أتواصل مع التجار لتصريف البضائع التي أقوم بإحضارها من المناطق الشرقية أناديه على القبضة ونتفق على مكان التسليم والسعر وعلى كل شيء”.
ويشرح لنا “خالد” قائلاً: “إذا أردت أن تتواصل مع شخص عن طريق اتصال عبر شبكات الهاتف النقالة فسينتهي رصيدك ولن تعلم ماذا يقول، ذلك بسبب قطع محطات البث في المنطقة والاقتصار على بعض الشبكات الضعيفة التي تصل لنا من مناطق قريبة، فالقبضة اللاسلكية هي الحل الأمثل للتواصل وأصبحت ركناً أساسياً في العمل وفي كل بيت، وحلت محل جميع وسائل الاتصال التي عرفناها سابقا، بالإضافة إلى أنها ليست مكلفة ماليا والتواصل عليها مجاني”.
مراصد لتنبيه المدنيين تفتقر لأدوات متطورة:
دفعت عمليات القصف التي يقوم بها طيران الأسد ضد المناطق الخارجة عن سيطرته، الأهالي إلى إنشاء مراصد لمراقبة حركة الطيران وتنبيه السكان عند اقتراب الطائرة من المنطقة وتحذير المدنيين عن طريق القبضات اللاسلكية.
يقول “عامر” مدير المرصد 44 في الحولة: “في البداية كان عملنا يقتصر على تحذير الناس من القصف المدفعي أو من الدبابات التي تنتشر على الحواجز المحيطة بالمنطقة عبر القبضة اللاسلكية، ولكن بعد دخول الطيران إلى معادلة قوات الأسد وكعامل أساسي في جميع المجازر التي حصلت بالمدينة، كان لابد لنا من العمل على تنبيه الناس فور اقتراب الطيران من المنطقة، ونطلب منهم النزول إلى الملاجئ وأخذ الاحتياطات اللازمة، ونقوم بتوجيه فرق الدفاع المدني للمناطق التي تتعرض للقصف لإخلاء الجرحى، إضافة إلى مراقبة واختراق المكالمات التي تحدث بين الطيار وبرج المراقبة لتفادي الأهداف التي ينوي الطيار قصفها وتنبيه المدنيين منها، وذلك عن طريق معدات ومحطات قمنا بشرائها وتوليفها بشكل نستطيع التجسس على المعلومات المتبادلة بين الطيار والمطار”.
ويضيف “عامر”: “على الرغم من عمل المرصد بكل طاقته لحماية وتنبيه المدنيين، إلا أننا نواجه عدة صعوبات تتمثل بعدم تمكننا من الحصول على أجهزة متطورة، ما يسهل التشويش علينا من قبل قوات النظام، والانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي في ظل ارتفاع ثمن تجهيزات توليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى أن هذه المراصد تعتبر من أهم أهداف طيران النظام التي تعمل على قصفها وإخراجها عن العمل”.
شبكة ربط لغرفة العمليات في المعارك:
يقول “سليم العقربي” الذي يعمل كراصد ميداني متنقل في ريف حمص الشمالي: “خلال الحملة العسكرية على بلدة (حربنفسه) بريف حماه الجنوبي القريبة على مدينة الحولة، كنت من خلال القبضة اللاسلكية صلة الوصل بين المراصد في الحولة وغرفة العمليات التي تدير المعركة على الأرض، فعندما أسمع تعميم المرصد 44 في الحولة عن إقلاع الطيران من مطار حماة العسكري بإتجاه المنطقة أقوم بنقل التعميم فوراً للمقاتلين على الجبهة وأحذرهم بأن يتحصنوا ريثما يغادر الطيران، بالإضافة إلى تواصلي مع المقاتلين في أرض المعركة، والاستفسار منهم عما ينقصهم من ذخيرة وعتاد وطعام وغيرها من الأمور اللوجستية، والتي بدوري أنقلها للمرصد الرئيسي التي يدير شبكة التواصل للمعركة، حيث يقوم بإيصال هذه المعلومات للمختصين في هذا الأمر لتدراك الأمر، وكل ذلك يحدث عن طريق القبضات اللاسلكية”.
ويشير “سليم” قائلاً: “إن هذه الوسيلة هي الوحيدة المتوفرة في ظل انقطاع خدمات الاتصالات وهي حاجة لا بد منها في إدارة المعارك وجبهات القتال، حيث يتم من خلالها طلب الإسعاف لنقل المصابين في المعارك وإسعافهم الى المشافي الميدانية، وكذلك تبلغ عن طريق القبضة في حال ما تم تحرير إحدى المناطق أو تدمير دبابة على إحدى الجبهات من خلال تعميم، والذي دائما ما يقال بصوت مرتفع مبتدءا بالتكبير وذلك لرفع معنويات المقاتلين، ودب الخوف في قلوب قوات النظام التي غالبا ما تكون تستمع لترددنا عبر اختراقه والتجسس عليه من خلال الأجهزة المتطورة التي يمتلكونها”.
محلات للبيع والصيانة:
يقول “سليمان اليوسف” وهو يعمل بصيانة وتصليح القبضات اللاسلكية: “أصبحت القبضة اللاسلكية حاجة ماسة مع انقطاع جميع وسائل الاتصال وانتشرت بين جميع السكان، فافتتحت في أغلب قرى وبلدات ريف حمص الشمالي محال لبيع وصيانة القبضات، حيث يتراوح سعرها بين 70 إلى 150 دولار أمريكي، وتختلف أنواع القبضات، فهنالك قبضات ذات شاشة وتحتوي على أكثر من تردد، وأخرى بدون شاشه ويسمى ( جهاز أعمى) كما يطلق عليه سكان المنطقة، بالاضافة إلى محطات البث ذات السعر المرتفع والخاصة فقط بالمراصد.”
ويضيف “سليمان” :”يقتصر عملي على أصلاح الأعطال التي تتعلق بالاستقبال أو الإرسال، وحقن القبضات بالترددات العامة التي تصدر عن المرصد العام في المنطقة ويتم تنبيه الناس عليها، بالإضافة إلى أنني مسؤول عن إصلاح أي خلل فني بالقبضات التي وضعها المرصد على المآذن العالية، حيث يقوم المرصد بتنبيه الناس عند اقتراب أي خطر من المنطقة عن طريق مكبرات الصوت في المأذن المنتشرة في المنطقة وذلك من خلال تثبيت قبضة بجانب المكبر”، ويؤكد “سليمان ” أن إقبال الناس على صيانة القبضات كبير لأهميتها في الحياة الآن، بالإضافة إلى أن محل الصيانة مصدر دخل حقيقي لعائلته يكفيه قوته ولا يضطر للعمل في مجالات أخرى”.
عذراً التعليقات مغلقة