صناعة النسيح اليدوي في أريحا تقاوم الاندثار

فريق التحرير122 نوفمبر 2018آخر تحديث :
استخدم الحرفيون خيوط الدرالون، وهو خيط رخيص الثمن من القطن والبوليستر يستخدم في تصنيع المد العربي – حرية برس©

محمد العبدالله – حرية برس:

خلال سنوات الثورة السورية السبع في سوريا، عزف الكثير من الناس عن مزاولة مهنهم بسبب إجرام نظام الأسد وحلفاءه المساندين له منذ البداية، إلا أن ’’فؤاد طماع‘‘ صاحب ورشة لصناعة المنسوجات اليدوية صمد في وجه الصعوبات وسعى للحفاظ على تلك المهنة من الاندثار، بعدما أصبح الشخص الوحيد في الشمال السوري الذي يملك ورشة نسيج على النول تعمل في هذه المهنة العريقة.

وتعتبر مدينة أريحا في ريف إدلب حاضنة حرفة ’’النول‘‘ اليدوي في الشمال السوري، ويعود تاريخها في أريحا للقرن السابع عشر الميلادي، ففي العهد العثماني شهدت أوج ازدهارها وكان لها شهرتها وسوقها الخاص، وكان المعلم ’’شيخ الكار‘‘ هو المرجع لأرباب الحرفة فيما يواجهون من مشاكل، حتى نالت بعض الأسر في أريحا شهرتها بهذه الحرفة في نهايات العهد العثماني، أمثال “آل قويضي” و“آل شعبان”.

وقال صاحب ورشة النسيج اليدوي الوحيدة في أريحا ’’فؤاد طماع‘‘ لحرية برس: إن مهنة النسيج اليدوي عمرها أكثر من 200 سنة في أريحا، وورثتها عن أبي وجدي وعلّمتها لأبنائي، وكان يوجد في أريحا قبل ست سنوات حوالي 150 نول ضمن عشرين مشغل، لكن خلال السنين السبعة الماضية لم يبق سوى عشرة فقط موجودين في ورشتي.

تحدي الظروف

ويعاني العاملين في هذه المهنة الكثير من الصعوبات، حيث أوضح ’’طماع‘‘، أن تأمين الخيوط هي المشكلة الأكبر التي يواجهها، مضيفاً ’’نقوم بشرائها عن طريق تجار في مناطق النظام، لعدم توفر معامل نسيج في المناطق المحررة، ما يساهم في ارتفاع أسعارها، ففي السابق كان ثمن كيلو الخيوط 125 ليرة سورية، أما اليوم تجاوز 3 آلاف ليرة‘‘.

وأضاف طماع بحديثه ’’للتغلب على موضوع صعوبة تأمين الخيوط، استطاع حرفيو هذه المهنة أن يجدوا حلاً غير مكلف يمكنهم من متابعتها تماشياً مع الظروف الراهنة، عبر استخدام خيوط الدرالون، وهو خيط رخيص الثمن من القطن والبوليستر يستخدم في تصنيع المد العربي‘‘.

من جهته، قال ’’أبو النور‘‘ أحد العاملين في مشغل أريحا، إن ’’أسعار المواد الأولية ارتفعت فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع بشكل عام، ومع ذلك بقيت أجرة العامل على حالها كما كانت قبل انطلاق الثورة السورية‘‘، مشيراً الى أنه ’’كانت أجرة المتر الواحد للعامل قبل الحرب 75 ليرة والدولار كان يعادل 50 ليرة، أما اليوم أجرة المتر 125 رغم أن الدولار أصبح يعادل 500 ليرة‘‘.

وأوضح أبو النور أنه ’’تعتمد صناعة النسيج اليدوي على خيوط القطن الطبيعي وخيوط الحرير والصوف والمخمل، وأن ما يُميز صناعات النول اليدوي عن غيرها من الأقمشة خلوها من الخيوط والمواد الصناعية، والتي تتسبّب بتلف القطعة القماشية بعد فترة قصيرة‘‘.

تأمين الخيوط هي المشكلة الأكبر التي يواجهها فؤاد طماع لأجل النسيج – حرية برس©
يعود تاريخها في أريحا للقرن السابع عشر الميلادي – حرية برس©
التسويق حسب الطلب

وحول كيفية الانتاج قال ’’فؤاد طماع‘‘، إن كل عامل في المشغل يُنتج بساطين، أي أن المشغل يومياً ينتج حوالي 20 بساطاً، مضيفاً ’’كنا في السابق ننتج كل ما يلزم المنازل من سجاد للغرف ومحافظ للقرآن وبيوت للفرش ووسائد وغيرها، أما الآن نركز على صناعة البسط والمد العربي‘‘.

وأضاف طماع أن كلفة نسج البساط الواحد طول 4 أمتار ووزن 2 كيلو، تبلغ نحو 6 آلاف ليرة سورية، ويؤثر عدد الرسوم والنقش في القطع النسيجية على ارتفاع ثمنها، فكلما ازداد عدد نقوش القطعة يزداد سعرها أكثر، بينما يصل ثمن القطعة بدون نقش إلى 4 آلاف ليرة سورية، حسب تعبيره.

وكانت أريحا تصدر منتجاتها من المد العربي المصنع على النول إلى مناطق عدة داخل سوريا منها مناطق خاضعة لسيطرة نظام الأسد مثل دمشق وحماة، وإلى خارج البلاد وخصوصا لبنان والسعودية.

لكن اليوم بات تصريف المنتجات حسب الطلب ضمن المناطق المحررة، وأحياناً إلى مناطق نظام الأسد، حيث يقوم التجار في مناطق النظام بتحديد عدد القطع المطلوبة وطبيعة النقوش ويتم الاتفاق على السعر ومن ثم تصنيعها وشحنها.

وذكر طماع أنه ’’مع تواجد الآلات والمكنات الحديثة، قد يستغرب البعض أن هذه المهنة لا تزال قائمة، ولكن هناك لمسة لا يمكن أن تصنعها تلك الآلات، ولا يمكن أن تجدها إلا في نسيج النول، ولذلك هناك الكثيرين من الأشخاص الذين يثقون بتلك المنتوجات ويطلبونها، وهذا ما يبقي تجارتنا قائمة إلى هذا اليوم‘‘.

تعتمد صناعة النسيج اليدوي على خيوط القطن الطبيعي وخيوط الحرير والصوف والمخمل – حرية برس©
كيفية صنّع المنسوجات اليدوية

ويعتبر ’’النول‘‘ آلة قديمة جداً تستخدم لحياكة المنسوجات والسجاد بطريقة يدوية بدائية شاقة، وكان يستغرق عمل السجادة الواحدة أكثر من أسبوع، وأوضح طماع ’’كان النول مثبت في حفرة داخل الأرض، وأخشابه من أغصان الزيتون، وكل بيت في أريحا كان لديه نول، لكن مع الوقت تطورت المهنة وبات بالإمكان تصميم نول خشبي يمكن نقله من مكان لآخر حسب الظروف‘‘.

ويتألف النول من عدة قطع أساسية أهمها “الدفة” وهي خشبة ثقيلة متحركة يُدق بها القماش بعد كل مرة يضاف خلالها خيط من الخيوط المنسوجة بالعرض، و“النير” وهو عبارة عن قطعتين خشبيتين يصل بينهما صف من الخيوط تمر به خطوط السدود.

ونجد من مكونات النول “المكوك” وهو خشبة مستديرة مفروزة من الوسط وقد صُفّت في الفرزة أخشاب صغيرة، وهي القطعة التي اكتسبت المثل الشائع (رايح جاي مثل مكوك الحايك) باعتبار أنها القطعة التي تضم الخيوط الفاصلة، ويرميها الحائك من الجهة اليمنى لتصل إلى الجهة اليسرى، ويعاود رميها من اليسار إلى اليمين بعد ضم النسيج بالمشط.

وهناك قطعة “المرد” الذي يرد الغزل نحو الأعلى، وبكرات الدحرجة للخيوط، و“الزيار” وهو غالباً ما يكون عظمة ماعز وقد وضعت إلى يمين الحائك وشماله لشد السيفين والرمح.

أما مراحل صنع القطعة الواحدة من النول فأشار فؤاد إلى أنه ’’نجلب الغزل المنتج من القطن الطبيعي غالباً، ثم يؤخذ إلى الصباغ الذي يصبغه حسب اللون الذي يطلبه الزبون، وبعد أن يجفف الغزل يرسل إلى (المسدي)، وهو شخص يقوم بجعل الغزل في شكل خيوط طويلة، ويلفها على هيئة كرات‘‘.

وتابع فؤاد قائلاً: ’’بعد أن تصبح الخيطان جاهزة يقوم شخص بشد الخيوط الرفيعة على النير والمشط، وهذه المرحلة تتطلب مهارة فائقة، وعندها يأتي دور الحائك، حيث يقعد داخل ما يشبه الحفرة المجهزة لجلوسه أمام النول، ويبدأ بالعمل والشد وتشكيل رسومات وزركشات على القماش كي تزداد جماليته، وهذا أمر عائد إلى الحائك حسب الطلب‘‘.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل