رغم سنواتها الـ60، إلا أن الجدّة مريم تغادر، صبيحة كل يوم، مخيم أطمة بإدلب شمالي سوريا، باحثة بين التلال عن حبات زيتون تجمعها لتوفّر بثمنها قوتا لأحفادها الثلاثة.
رحلة يومية شاقة تجد نفسها مجبرة عليها، متحدية وهن جسدها وقيظ الصيف وقر الشتاء، باحثة عمن يسمح لها من أصحاب أشجار الزيتون، بالتقاط حبات تعيل أحفادها الذين باتوا في كفالتها وجدّهم، عقب اعتقال والدهم من قبل النظام السوري، وهجرهم من قبل والدتهم.
وفي المساء، تعود الجدة إلى خيمة باهتة اللون، تتمايل أعمدتها كلما هبت الرياح، لتجد الأطفال الثلاثة بانتظارها، ونظراتهم تسألها قبل ألسنتهم عما أحضرته لهم أو ما ستعدّه من طعام يسدّون به رمقهم.
أطفال صغار أعمارهم 6 و9 و10 سنوات، اغتالت الحرب طفولتهم، قبل أن يحرمهم النظام والدهم، لترحل والدتهم تاركة وراءها مأساة لا تختلف عن غيرها من مآسي الأسر بالمخيم، إلا في تفاصيل دقيقة.
اعتقل النظام والد الأطفال قبل 6 سنوات، في قرية “الجملة” بريف حماه الشمالي دون سبب، ومنذ ذلك الحين لم تصل أخبار منه ولا عن مصيره.
أما الجد عبد الكريم إبراهيم، فيعاني من أمرض القلب والسكر وارتفاع الضغط الشرياني، ومع تقدمه في العمر (65 عاما)، بات عاجزاً عن العمل.
وبما أن ما تكسبه الجدة قليل جدا، ولا يكفي لسد احتياجات الأسرة، فإن الجد غالبا ما يضطر للاقتراض من الأقارب والجيران، ويحرص على تسجيل ديونه في دفتر صغير خشية نسيانها.
قال الجد إن نظام بشار الأسد اعتقل ابنه قبل 6 سنوات، ولا يعلم عنه أي شيء منذ ذلك الحين. وأضاف أن أم الأطفال تركتهم قبل 4 سنوات، ليتولى هو وزوجته المسنة تربيتهم في خيمة.
ولفت إبراهيم إلى أن الديون تراكمت عليه، معربا عن أمله في أن يتمكن من سدادها رغم أنّ ظروفه الصعبة تمنعه من ذلك. ومع حلول فصل الشتاء، تحتاج الأسرة إلى مدفئة قال الجد إنه عاجز عن شرائها.
وتابع: “أنا استطيع أن أدفئ نفسي عبر التزام الفراش وتغطية نفسي، لكن ذلك لا يمكن مع الأطفال”.
أما الجدة التي تشي تجاعيد وجهها، ونظراتها الواجمة بحجم مأساتها، فقالت إنها تعتني بالأطفال، وتعمل على تأمين ما يحتاجونه بكل طاقتها.
وبذكر الأطفال، لم تستطع الجدة منع ابتسامة من الظهور على شفتيها، وهي تروي قصتها، كيف يلعبون معها، ويعتلون ظهرها، مشيرة أنها لا تنام كل ليلة قبل أن تطمئن أنهم خلدوا للنوم.
وبخصوص عملها، أشارت أنها تجوب التلال باحثة عن أشجار الزيتون، لتجمع حباتها المتساقطة على الأرض، لافتة إلى أن بعض أصحاب الأرض يسمحون لها بذلك، فيما يمتنع البعض الآخر.
وأضافت: “أعمل من أجل أن أكفي أطفالي شر السؤال، وحتى لا يمدون أيديهم للحرام، لكن عملي لا يكفي لإعالتهم، وهذا ما اضطرني لاستدانة ألفي ليرة سورية (نحو 5 دولارات) حتى أوفر الطعام والشراب للأطفال”.
مشهد آخر يوثّق معاناة الأسر السورية النازحة في المخيمات، ويعرّي قبح الحرب التي شردّت الملايين، ووأدت الطفولة، وسلبت أبسط مقومات الحياة من جميع الفئات والأعمار.
- المصدر: الأناضول
Sorry Comments are closed