تعرض العالم الإسلامي خلال القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، لسلسلة حملات عسكرية عُرفت باسم الحروب الصليبية، وهي حروب طويلة شارك فيها المسيحيون من أوروبا باسم السيد المسيح والمسيحية، ضد المسلمين في شرق وجنوب البحر المتوسط، بتحريض من باباوات الكنيسة الكاثوليكية، وكانت هذه الحروب على شكل حملات عسكرية هدفها السيطرة على المقدسات المسيحية، وأراضي جنوب البحر المتوسط على اعتبارها إرثاً شخصياً لكنيستهم من المسيح، ومن الرومان.
وخلال هذه الحملات برز عدد من المواقف لسكان بلاد الشام في تصديهم لها أوردتها المصادر التاريخية بين طياتها، ومن هذه المواقف التي سنقف عندها:
1- موقف علماء دمشق – رجال الدين – في ذلك الوقت ضد الصليبيين، و مقارنتها بمواقف أقرانهم اليوم من الحرب الدائرة في سورية التي اشتركت فيها روسيا وباركتها كنيستها الأرثوذكسية من الجهة الأولى.
2- موقف رجال الغوطة الأبية ولا سيّما مدينة (زملكا) ضد هذه الحملات، ومقارنتها بمواقف أحفادهم اليوم من الحرب في سورية من جهة ثانية.
تذكر المصادر والروايات التاريخية أنه في سنة 607هـ/1210م تحركت جيوش الصليبيين قاصدة جهة ساحل الشام واحتشدوا في عكا بأعداد كبيرة، وبدأوا في مهاجمة بلاد المسلمين في فلسطين، فقام المعظم بن العادل الأيوبي، صاحب دمشق بالتصدي لهم والدفاع عن بلاد المسلمين.
هذه الغارات المتكررة للصليبين حرّكت جمهور المسلمين في عاصمة بلاد الشام دمشق، حيث خلّد المؤرخ المعاصر لها (سبط ابن الجوزي) موقف السكان بقيامهم بما أسماه “حركة جهاد شعبية” انطلقت من دمشق لردع الصليبين، فاجتمع عشرات الألوف من سكان دمشق في الجامع الأموي للاستماع إلى موعظة المؤرخ سبط ابن الجوزي التي ألقاها عن فضائل الجهاد، وبلغت الحماسة بالمسلمين حداً جعل الكثير من نسائهم يُقدِمن على قص شعورهن لجعلها ”حبالاً” لخيول المجاهدين، وقد تحدث سبط ابن الجوزي عن تلك الشعور، فكتب: ”ولما صعدت المنبر أمرت بإحضارها فحملت على أعناق الرجال وكانت ثلاثمائة شكال، فلما رآها الناس صاحوا صيحة عظيمة وقطعوا مثلها وقامت القيامة”.
وخرج سبط ابن الحوزي من دمشق واحتشد المتطوعون من سكان دمشق في إثره ووصلت الحماسة بين صفوف سكان دمشق ذروتها، حتى أن قرية واحدة من قراها تسمى “زملكا”، في دوما التي ارتكب فيها بشار مذابح شنيعة ضد سكانها، انخرط جميع سكانها في صفوف الخارجين للجهاد، وذكر ابن الجوزي أن عدد من خرج منها ”ثلاثمائة رجل بالعدد والسلاح”.
وخرجت تلك الجموع من دمشق احتساباً للجهاد في سبيل الله، ووصلوا إلى عقبة فيق ”والطير لا يطير خوف الفرنج” وساورا حتى وصلوا إلى نابلس، فاستقبلهم المعظم عيسى بن العادل، واجتمع بهم في جامع نابلس وأحضروا الشعور بين يديه ”فأخذها وجعلها على صدره ووجهه وجعل يبكي وكان ذلك يوماً عظيماً ”.
وعندما وصلت أخبار تلك الجموع إلى الصليبين في عكا وغيرها من المعاقل تحصنوا داخل أسوارهم وقلاعهم ولم يتجاسروا على الخروج، فأغار المسلمون على مواقعهم وقطعوا أشجارهم وقتلوا وأسروا من ظفروا به منهم، ثم سار المسلمون في صحبة المعظم إلى الطور قُرب عكا، وهي غير طور سيناء، حيث استقر رأيه على بناء قلعة على الطور، ولقد نجم عن هذه الحركة الشعبية أن اشتد الخوف بالصليبين فراسلوا السلطان العادل يطلبون الصلح، فأجابهم إليه.
وبمقارنة بسيطة بين موقف – علماء الدين الدمشقيين – في ذلك العصر مع اقرانهم من معظم علماء الدين في هذا العصر، نرى جلياً أن “المؤسسة الدينية الدمشقية” هي التي تغيرت وفق منظور ورؤية وتربية النظام الحاكم في سورية واختياره لرجالاتها ليكونوا عوناً وسنداً وغطاءً شرعياً لعملية القتل التي تمارس ضد أبناء الشعب السوري، فخطيب الأموي في دمشق اليوم (مأمون رحمة) هو من أبناء الغوطة الأبية، نراه قد بارك وصفق ودافع وبرر من على منبر جامع بني أمية عمليات القتل التي مارسها بشار وجيشه وميليشياته ضد أبناء الشعب السوري.
ولكن الثابت على أبد الدهر هم رجال الغوطة الأبية وخاصة في (زملكا) وموقفهم في عصر الحروب الصليبية وعصر الحروب الأسدية الذي لم يتغير، حيث وقفوا مدافعين عن أعراضهم وأراضيهم في زمنين اختلف فيهما العدو، من عدو خارجي إلى عدو داخلي.
وفي النهاية لكي لا ننسى.. فالتاريخ يسجل.
Sorry Comments are closed