على كل ما بنا، نحن السوريين، من مصاب جعل قصتنا تتصدر مسرح العالم، إلا أن قضيتنا التي تتلخص بالكفاح من أجل الكرامة الإنسانية، لا تنفصل بشكل من الأشكال عن قضايا شعوب الأرض من أدناها إلى أقصاها، فالإنسانية واحدة ومسعى المظلومين واحد، فما بالك إن كان الإنسان ذا قربى – ولو مفترضة أو اسمية-، وكنا نتقاسم معه الفضاء الملوث بطاعون الدكتاتورية ووباء العسكرتاريا.
حديث الصحافة العربية، أمس، عن معاهدة سلام ومصالحة بين إثيوبيا وإرتيريا، برعاية سعودية، جعلني أبحث في خفايا تلك الدولة الهامشية المُغيبة، إرتيريا، الدولة التي لم أكن أعرف عنها غير كونها عضواً في الجامعة العربية المجيدة، وأحفظ منذ طفولتي اسم رئيسها الذي لم أسمعه إلا في اجتماعات جامعة الدول العربية كذلك، ومنذ أشهر خلت قرأت خبراً أذهلني مفاده أن تلك الدولة ليس فيها جامعة على الإطلاق!.. نعم أيها السادة، دولة ليس فيها جامعة واحدة!.
وقادني خبر “اتفاق السلام” إلى سؤال بسيط: لمن هذا السلام وعلى من سينعكس ومن سيجني ثماره؟ وهل هناك دولة حقاً أم هي مستعمرة “وطنية” تخلصت من احتلالات أجنبية متعددة (إيطالي- إنكليزي- إثيوبي) ليحتلها الرئيس “الوطني” اسياسي أفورقي الذي جثم على صدرها منذ استقلالها عن إثيوبيا عام 1993 وحتى تاريخه، وتبين أن السيد الرئيس الفرد الصمد قد سار على سيرة ونهج رفقائه من أصحاب السعادة والفخامة، فتخلص بعد الاستقلال من كل رفقاء دربه في حرب التحرير، سياسيين وعسكريين، وأحكم قبضته على مفاصل البلاد كلها، لتحصل إرتيريا على نسب رائعة في النمو الاقتصادي والحريات والتعليم والصحة بعد “الاستقلال”، فنسبة وفيات الأطفال تتجاوز 20%، ومتوسط أعمار السكان يبلغ 52 عاماً فقط، ونسبة الأمية تكاد تكون الأكبر في العالم بمعدل 80%، ولكي يتخلص أفورقي من آفة التعليم وتبعات الوعي، فقد أغلق الجامعة الوحيدة التي كانت تُعرف بجامعة أسمرة، لتصبح أرتيريا دولة بلا جامعة، وذلك منذ العام 2005، ومبرر السيد الرئيس هو المظاهرات الطلابية والخوف من نشوء جماعات معارضة أو تكتلات سياسية يمكن أن تهدد عرشه ولو من باب الاحتمال الصفري!..
ومن بين نحو خمسة ملايين إرتيري هم إجمالي عدد السكان، نجح قرابة مليون في الهرب إلى منافٍ اختيارية أو إجبارية في السودان وأوروبا وأميركا، بينما يرزح الباقون تحت نير حكم استبدادي لا يوفر لهم أدنى متطلبات العيش من صحة وتعليم، أما الحريات على اختلافها فهي من أحرم المحرمات.
ولعل من “حسنات” السيد أفورقي عدم إخفاء ولعه بدولة الكيان الإسرائيلي، فقد فضلها على كل الدول العربية الشقيقة حينما مرض، وزارها مرتين للعلاج، مبدياً إعجابه بتفوقها على كل من حولها لوحدها!.. وتراجعت علاقة الغزل بينه وبين “إسرائيل” بعدما أمدت الأخيرة عدوه إثيوبيا بالسلاح في حربها ضده، إلا أن المياه عادت لمجاريها عام 2016 عندما منح أفورقي “إسرائيل” أعلى قمة مطلة على باب المندب لتقيم مرصداً متطوراً تراقب منه البحر الأحمر ودول الجوار العربي، وليس أفورقي وحده من يفضل “إسرائيل” فيما يبدو، فهنالك نحو 40 ألف إرتيري هاجروا إليها بشكل غير شرعي، مفضلينها على المحيط العربي والحلم الأوروبي، الذي ربما ما استطاعوا إليهما سبيلا.
فعن أي سلام يتحدث الإعلام العربي؟ وهل هذا رئيس يمكن أن يُستقبل وتُمد له يد عون؟.. أم أن الإنقاذ الحقيقي والسلام الحقيقي يكون للشعب الإرتيري “الشقيق” المعتقل بأسره في سجنه “الوطني” الكبير.
عذراً التعليقات مغلقة