وليد أبو همام – حرية برس:
ليس أصعب مرارة من التهجير، غير الظروف التي تحيط بالشخص المهجر و التي كثيراً ما تقف ضده، فيكون أمام خيارين إما أن يستسلم لواقعه الصعب و يكون تحت رحمة نوائب الدهر، و إما يقاوم هذا الواقع بأي وسيلة و ينهض من جديد بعد أن سلبه التهجير كل شيء إلا كرامته.
بدأت معاناة أهالي ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي منذ أن حط بهم الرحال في محافظة إدلب و ريف حلب، حيث أن معظم من جاء إلى هذه المناطق لم يأت إلا بملابسه و قليل من المال سرعان ما تبخر لشراء بعض الحاجات الضرورية، ولولا القليل من المساعدات التي قدمتها بعض المنظمات في الأشهر الثلاثة الأولى لما وجد البعض القدرة على تأمين لقمة عيشه.
“أسامة أبو عمر” مهجر من ريف حماة الجنوبي لم يرض بالبقاء تحت حكم الأسد رغم معرفته بالصعوبات التي سيواجهها في الشمال السوري يقول إنه حاول منذ قدومه إلى الشمال تأمين عمل يساعده في حياته الجديدة والتي زادت تكاليفها أضعافاً مضاعفة عما كانت عليه في ريف حماة، إلا أنه لم يجد أي عمل فقرر أن يؤسس عملاً خاصاً به رغم التكاليف التي يتطلبها.
عمل “أبو عمر” على إنشاء دكان لبيع الألبان في القرية التي استقر فيها، موضحاً أن اختياره لهذه المهنة جاء كونها مهنة بسيطة ولا تحتاج رأسمال كبير، و إنما تعتمد على الجهد و رغم بساطة عمله و قلة دخله إلا أنه يرى بأن ذلك يكفيه و هو أفضل بكثير من الجلوس وانتظار المساعدة من أحد.
“أبو حيان” مهجر من خربة الناقوس في سهل الغاب وقد تجاوز الستين من عمره قال لحرية برس: “عندما قدمنا إلى الشمال منذ حوالي سنتين لم نكن نتوقع أن تكون المعيشة بهذه الصعوبة، وخاصة ما يتعلق بإيجار البيت الذي أصبح همهنا الوحيد قبل لقمة الطعام، فاضطرت إلى العمل رغم كبر سنّي”.
يضيف “أبو حيان”: فقمت بنصب خيمة صغيرة على طرف الشارع ليبيع فيها بعض الخضراوات والأشياء البسيطة للحصول على مصروفي اليومي و أجار بيتي، لأني أملك أي مصدر دخل آخر، كما لا أستطيع العمل بأي عمل آخر لذلك وجدت أن هذا العمل مناسب لي ولا يحتاج أموالاً كثيرة و يقيني من الحاجة إلى الناس”.
أما أبو مالك وهو من بلدة الغنطو في ريف حمص الشمالي فقد أثقلته الديون و عبثاً حاول الحصول على عمل لكنها كانت مجرد أعمال يومية و ليست دائمة، ولا يمكنها أن تسد حاجة عائلته الكبيرة المكونة من أهله و إخوته الصغار و الذي يعتبر مسؤولاً عنهم و ضاقت به الحال.
وبعد محالات عدة للبحث عن فرصىة للدخل تمكن أخيراً من العمل على صهريج مياه لأحد الأشخاص، فكان هذا العمل نافذة صغيرة يعتاش من ورائها مع أنها لا تكفيه و أهله لسد حاجاتهم الضرورية، حيث أن كل شيء ابتداءً من المياه والكهرباء و مصاريف أخرى لم تكن في حسبانهم ولابد أن يقوم بتأمينها.
إن هذه النماذج ليست إلا جزء صغير من أناس كثيرين رفضوا البقاء في ذل و مهانة نظام الأسد ومليشياته، حيث يواجه عشرات آلاف السوريين المهجرون من مدنهم وبلداتهم في الشمال السوري، صعوباتٍ عدة في شكل الحياة الجديدة، بعدما حُرموا من منازلهم ومدنهم في ظل سياسة التهجير التي تنفذها قوات النظام وبدعم روسي على امتداد الأراضي السورية التي خرجت عن سيطرتها في وقت سابق.
عذراً التعليقات مغلقة