تهدر طائرة عسكرية من طائرات العدوان الروسي وهي تمر في السماء في الساعة 4:47 مساء بالتوقيت المحلي بعد انطلاقها من قاعدة حميميم الجوية الروسية غربي سوريا متجهة نحو الشرق.
يدون مراقب ملاحظات عن تلك التفصيلات الثلاث ويفتح تطبيقاً على هاتفه المحمول ويدخل تلك المعلومات في الأماكن المخصصة لها.
وبعد 14 دقيقة وعلى بعد 100 كيلومتر يرى “عبد الرزاق” الطائرة وهي تحلق فوق “معرة النعمان”، فيفتح التطبيق على هاتفه ويكتب “معرة النعمان، طائرة عسكرية روسية، متجهة نحو الشمال الشرقي”.
ويعالج برنامج يسمى ”الراصد“ تلك البيانات التي تقدر مسار المقاتلة ويرسل تحذيراً يطلق بدوره رسائل عبر فيسبوك وتليغرام وتويتر والأهم أنه يرسل أيضا صفارات إنذار مدوية عبر المدن التي تقع في مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في سوريا.
وباتت الضربات الجوية أمراً واقعاً في الحياة اليومية لملايين السوريين الذين يعيشون في مناطق المعارضة وأصبحت الغارات أكثر كثافة وحدة بكثير منذ تدخلت روسيا في الحرب في 2015.
تقول “أمية” 50 عاماً إنه قبل الراصد، كان التحذير الأساسي من وقوع ضربة جوية هو سماع أزيز الطائرات بأنفسهم وبالتالي يكون قد فات الأوان على التحرك للاحتماء، ونزحت أمية من حلب لريف المحافظة الشمالي الغربي.
وقالت أمية “ما في فائدة أنو الواحد يعمل شي… وأحيانا البراميل نشوفها وهي عم تنزل… يعني نطلع عليها ونشوف البراميل والأطفال تبكي”.
وحضرت “أمية” دورة تدريبية أدارها متطوعون عن استخدام تطبيق الراصد وكيفية النجاة بأفضل السبل من الضربات الجوية، وتعرف الآن أن عليها أن تفتح نوافذ منزلها حتى لا يؤدي الضغط الناجم عن الانفجارات إلى تحطم الزجاج، وأن دورة المياه في وسط المنزل هي أفضل مكان للاختباء.
وأرشد المتطوعون أحفاد “أمية” الستة، الذين توفي آباء ثلاثة منهم، لما يفعلونه إذا تعرضت مدرستهم لضربة جوية، وتقول “نائلة” وهي إحدى المتطوعات إنهم دربوا الأطفال على الاحتماء أسفل مكاتبهم واتخاذ وضع الجنين إذا سمعوا الإنذار، أما إذا جاء التحذير مبكراً بما يكفي فيمكن للمعلمين اصطحاب الأطفال للاحتماء في الأقبية.
وأشارت “نائلة” إلى أن النساء كن من الأهداف الرئيسية للحملة وقالت “النساء بتحمل دائما جوال معها، فتصلها الرسالة فين ما كانت، قاعدة بالبيت، قاعدة بالمطبخ، مع جارتها”.
وصمم نظام الإنذار أمريكيان هما “جون يجر” وشريكه في الأعمال “ديف لفين”، وعمل “يجر” من قبل مع مدنيين سوريين بحكم عمله في وزارة الخارجية الأمريكية.
وقال ”أدركت أن أكبر خطر يهدد السلام داخل سوريا هو القصف العشوائي للمدنيين… فكرنا ببساطة أن هناك المزيد الذي يمكن للمجتمع الدولي أن يفعله وعليه أن يفعله لتحذير المدنيين سلفا من هذا العنف العشوائي“.
وتقول شركتهما التي تسمى (هالا سيستيمز) إنها تلقت تمويلاً من دول من بينها بريطانيا وكندا وهولندا والولايات المتحدة إضافة لمانحين أفراد، ويتعاون موظفو الخوذ البيضاء العاملون في مناطق المعارضة مع الراصد لتشغيل صفارات تحذير من الغارات الجوية.
يقول “يوسف” الممرض الذي يعمل في مستشفى ميداني خارج حلب “كان قبل، وقت يصير في قصف طيران، لحديت يجي لعنا (حتى تصل إلينا) الإصابات، لتوصل لعنا لحتا صرنا نعرف أو يصير عندنا عمل (ندرك) أنو صار في ضربة“.
وأوضح ”بينما هلأ بخدمة الراصد، صار فورا عن طريق الجهاز أو عن طريق الموبايل، صارت الضربة، يعني عرفنا في المنطقة الفلانية في تجمع سكني، عرفنا أنو في إصابات أكيد“، وأضاف ”معتمدين عليه بشكل كتير كبير لأنو هو صار الأساس بشغلنا“.
ويعيش نحو ثلاثة ملايين شخص في آخر معقل رئيسي للمعارضة في شمال غرب سوريا نصفهم نزحوا إلى المنطقة فراراً من تقدم قوات الأسد ومليشياته بمناطق أخرى من البلاد، ومع استعدادهم لهجوم عسكري متوقع، جهز المدنيون مؤناً غذائية وحفروا ملاجئ، وأعد البعض أقنعة مضادة للغاز تحسبا لوقوع هجوم كيماوي.
رصد الطائرات
كانت طائرات الأسد ومليشياته وطائرات العدوان الروسي معها استأنفت الضربات الجوية والقصف البري على إدلب لكن “عبد الرزاق” الذي يراقب الطائرات ويدرج المعلومات في تطبيق الراصد أوضح أن الأيام القليلة الماضية شهدت هدوءاً نسبياً.
وينقر الرجل على صورة طائرة لتحديد نوع الطائرة التي رآها ثم يختار الموقع ويذكر ما تقوم به أو إلى أي مكان تتجه. ويؤدي ذلك لنشر رسائل على قنوات مثل تليجرام منها تحذيرات زمنية لمدن وقرى محددة.
ويراقب “عبد الرزاق” وهو مدرس سابق للغة الانجليزية، ومراقب لحركة طائرات الأسد منذ عام 2011، وانضم مؤخراً إلى الراصد كمراقب.
وقال عبد الرزاق ”نحن مجموعة من الشباب متواجدون في أماكن، كل واحد ماسك قطاع معين. فبالعين المجردة بيشوف الطائرة، نوع الطائرة، بيحط التحذير“.
وقال “لفين” المؤسس المشارك لـ”هالا سيستمز” إنه بالإضافة لتحذير الناس من الهجمات المفاجئة فإن نظام الرصد ساعد أيضا في إخطار الناس بفترات هدوء وجيزة خلال هجمات طويلة، وخلال الهجوم على الغوطة الشرقية قرب دمشق في وقت سابق من العام اعتمد المدنيون على هذا النظام لتحديد أوقات خروجهم من الأقبية والملاجئ لجلب الأغذية والمياه.
وقال لفين ”منحنا ذلك شعورا كبيرا بالارتياح لأننا كنا حقا مؤثرين حتى عندما كانت السماء تمطر قنابل“.
Sorry Comments are closed