كتب نائب رئيس جامعة باكنغهام المؤرخ سير أنتوني شيلدون، دراسة تحت عنوان “عشرة أيام في آب”، ستصدر في العام المقبل، وفيها تتبع الأحداث التي كان يمكن للغرب فيها أن يغير الدينامية للحرب السورية.
ونشرت صحيفة “صندي تايمز” مقتطفات من الكتاب، حيث يرى شيلدون أن الأيام العشرة الطويلة من آب/ أغسطس هزت النظام العالمي القائم، حيث يمكن مقارنة أثرها بالأثر الذي تركته هجمات أيلول/ سبتمبر 2001، أو الأثر الذي أحدثته الأزمة المالية العالمية عام 2008، والرهان في ذلك الوقت لم يكن فقط على القيادة الأخلاقية للغرب.
ويقول المؤرخ في مقاله، إنه “بعد خمسة أعوام يمكننا تجميع خيوط ما حدث، من خلال الشهود المعاصرين لها، والكشف عن السبب الذي تحطمت فيه آمال التدخل ومن كان مسؤولا، ففي 21 آب/ أغسطس شن الأسد هجوما بالغاز الكيماوي على الغوطة الشرقية، واضعا الغرب أمام تحد للتدخل، لكن كيف سيرد؟ فقبل عام قال الرئيس باراك أوباما: (كنا واضحين مع نظام الأسد.. الخط الأحمر هو عندما نرى كميات من الأسلحة الكيماوية تنقل من مكان لآخر، أو تستخدم، وهذا سيغير حساباتنا وسيغير معادلتي)”.
ويعلق شيلدون قائلا إنه “تم تحدي إرادة الغرب في الغوطة، فلو مرت دون رد فستكون تهديداته فارغة، وكان ديفيد كاميرون في كورنوول يستمتع مع عائلته، بعد صيف حافل عندما شاهد جثث أطفال يتلوون من الألم، وعرف كاميرون أن ترك الأسد يمر دون عقاب أمر غير مقبول، فاستخدام السلاح الكيماوي ممنوع منذ الحرب الكبرى قبل مئة عام، لكنه كان يعلم أن مهمة إقناع البرلمان ستكون محفوفة بالمخاطر، فذكريات حرب العراق لا تزال غضة، وكذلك الشعور بأن توني بلير خدع البرلمان في حرب غير ضرورية ضد صدام حسين عام 2003”.
ويجد الكاتب أن “من المثير للقلق أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان يشعر أن كاميرون خدعه؛ لحجب صوته في مجلس الأمن، من أجل اتخاذ عمل عسكري قاد إلى تغييرالنظام الليبي، ولم يكن بوتين ليسمح للغرب بتكرار ما فعل في ليبيا، وكانت الخطوة الأولى لكاميرون هي الحديث مع أوباما، لكن تأمين خط له لم يتوفر، ولم يتحدثا إلا بعد ثلاثة أيام من الهجوم”.
ويقول شيلدون إن من استمع للمكالمة بينهما يقول إن المكالمة سيطر عليها كلام الرئيس وتفكيره، على خلاف سلفه جورج دبليو بوش، الذي كان يطلب رأي محاوره أولا، واقترح أوباما القيام بغارات بصواريخ كروز في 26 آب/ أغسطس؛ لعدم تفويت الفرصة، لكنه حاول جهده التأكيد أنه لم يتخذ قراره بعد، واتصل كاميرون عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة مع المقربين منه، مباشرة بعد الانتهاء من المكالمة، وأخبرهم بأن الرد المحتمل سيكون صاروخيا، وستؤدي فيه بريطانيا دورا مهما.
ويشير الكاتب إلى أن وزير الخارجية ويليام هيغ كان أول المتحدثين، حيث عبر عن خشيته من قيام الأسد والروس بإطالة أمد المفاوضات، وقتل آثار استخدام السارين، فيما عبر نائب رئيس الوزراء نيك غليغ، زعيم حزب الليبراليين الديمقراطيين، عن دعمه لأي تحرك، طالما مر عبر الأمم المتحدة، ومن خلال قوة دولية تضم فرنسا.
ويلفت شيلدون إلى أنه عندما انتقل كاميرون إلى مقر الحكومة الريفي في تشيكرز، فإنه اجتمع مع المسؤولين البارزين، الذين عبروا عن قلقهم من الرئيس أوباما، وتأخره في الرد، وعدم فهمه الضغط الذي يتعرض له كاميرون، مشيرا إلى أن النصيحة كانت هي دعوة النواب من عطلتهم الصيفية للتصويت والتأكد من الحصول على دعم حزب العمال.
ويذكر المؤرخ أن كاميرون قرر كتابة رسالة شخصية لأوباما، أكد فيها دعمه للعمل العسكري، مع تأكيدات حول ثلاث نقاط: وجود دليل قاطع عن استخدام السلاح الكيماوي، وأرضية قانونية للعمل، ودعم الأمم المتحدة للتحرك العسكري.
وينوه شيلدون إلى أن المخاوف زادت عندما أبدى أوباما ترددا في التدخل العاجل، فيما أعلنت الحكومة السورية و”بذكاء” عن سماحها للمفتشين الدوليين بالدخول والتحقيق، فلا تستطيع أمريكا الضرب وهم في الداخل.
ويبين الكاتب أن تداعيات عدم التحرك كانت في قلب القصة، فقد اتفق أوباما وكاميرون على العمل العسكري، “لكن لماذا لم يحدث؟”، مشيرا إلى أنه في 26 آب/ أغسطس كان الضغط يتزايد على كاميرون لدعوة البرلمان، ودعا كاميرون، الذي قاوم المطالب بالعودة، إلى 10 داونينغ ستريت بالتحضير لعقد اجتماع لحكومته، ومجلس الأمن القومي، وكانت أولوية كاميرون في ذلك اليوم هي الحديث مع بوتين، حيث تم تحديد المقابلة في الساعة الرابعة وخمس دقائق مساء.
ويشير شيلدون إلى أن كاميرون تحدث مع بوتين بعد سلسلة من التأخيرات، بادئا المكالمة بالتأكيد على العلاقات الثنائية، قائلا: “أود اليوم مناقشة الهجمات الكيماوية المروعة، ومن الواضح أنها خط أحمر رسمناه نحن وروسيا، وأنا مهتم بمعرفة رأيك، لكن لدينا مستويات عالية من الثقة بأن الهجمات نفذها النظام، ويجب أن تكون للأفعال تداعيات”.
ويلفت الكاتب إلى أن بوتين رد بالقول إنه “سعيد بالاستماع إليك، تحياتي من سيبيريا، وصلتني رسالتك يوم 23 أب/ أغسطس، التي طلبت فيها إقناع سوريا بالسماح لمحققي الأمم المتحدة، ومنح الإذن يوم 25 آب/ أغسطس، هل تسمعني؟”، “نعم”، ومضى بوتين قائلا إنه يريد أن يكون صريحا معه بصفته “زميلا وصديقا”، لكنه يرى ان أحداث 21 آب/ أغسطس هي مبرر لجر المجتمع الدولي للعمل العسكري، وتقويض الخيارات لمؤتمر دولي، وتساءل عن السبب الذي يدفع دمشق لعمل عسكري يؤدي إلى التدخل الخارجي، مشيرا إلى أنه “لا توجد بيانات تثبت استخدام النظام السلاح الكيماوي، ومن السهل البدء بحرب، ومن الأفضل انتظار تحقيق المفتشين”.
وينوه شيلدون إلى أن كاميرون، الذي استمع بصبر، رد قائلا إن السماح للمفتشين لا يعني أنهم زاروا الموقع الذي تعرض للقصف المستمر، واحتج على اقتراح مسؤولية المعارضة عن الهجوم، فـ”ليست لديها الأسلحة التي استخدمها النظام في عدد من المناسبات”، وأخبر بوتين قائلا: “لو لم نتحرك فإنك ستعطي رسالة للديكتاتوريين بأنه يمكن استخدام السلاح الكيماوي”.
وينقل الكاتب عن بوتين، قوله: “اتفق بشكل كامل بأن استخدام السلاح الكيماوي غير مقبول.. في الوقت الحالي ليست لدينا أدلة على استخدامه، أو أن الحكومة استخدمته”.
ويفيد شيلدون بأنه بعد عودته لمقر الحكومة في لندن، فإنه انشغل بالاجتماعات مع نائبه كليغ وهيغ ووزير الخزانة، حيث كان على رأس النقاشات دعوة البرلمان للاجتماع، مستدركا بأنه رغم ما يملكه الوزراء من صلاحية للمشاركة في الحروب، إلا أن الواقع بعد حرب العراق كان مختلفا
ويذكر الكاتب أن هيغ حذر من استدعاء البرلمان؛ لأن هذا يحتاج لإجراءات برلمانية، فيما قال مسؤول النواب المحافظين في البرلمان جورج يانغ، إنه واثق من قدرته على تأمين العدد المطلوب للتصويت، وثبت أنه أخطأ الحسابات، لافتا إلى أن كاميرون أنهى اللقاء بدعوة البرلمان للانعقاد.
ويشير شيلدون إلى أن الحديث تواصل حول ضرورة إشراك البرلمان بالمعلومات الأمنية عن اللقاء، حيث دعا كليغ للأمر، خاصة في ظل ما حدث في العراق، مستدركا بأن المشكلة هي أن التقارير الأمنية لم تكن متأكدة “100%” من استخدام السلاح الكيماوي في الهجوم، ومن هنا طلب من المخابرات تقديم تقدير يحدد عما إن كان هناك قدرا من الصحة حول استخدام السلاح الكيماوي، فجاء الرد إما أن يكون صحيحا أو لا.
ويقول المؤرخ إن “كاميرون شعر بالسخط، فلو تحركت أمريكا وضربت لأصبح النقاش حول أحداث حدثت، وبدلا من ذلك فهو أمام مشكلة حشد القوى للتحرك العسكري، وتمت دعوة قادة الجيش للمشاركة، حيث كشفوا عن خطتهم المكونة من أربع خطوات: التحضير والضرب والنشاط الدبلوماسي والضرب مرة أخرى في حالة الضرورة، وبدا أن العملية العسكرية الأمريكية محدودة، خاصة أنه تم استبعاد المؤسسات الحكومية”.
ويكشف شيلدون عن أنه عندما التقى كاميرون مع إد ميليباند، فإنه أطلعه على ما تعرفه الحكومة عن الهجمات الكيماوية، وأبدى استعداده للمشاركة في عمل لو قرر أوباما التحرك، وقال إنه يدعم قوة دولية عبر الأمم المتحدة، لافتا إلى أنه عندما سأل ميليباند عن المفتشين الدوليين، ولماذا لا ننتظر حتى يتم الانتهاء من تحقيقهم، والدليل وقانونية العمل، وتساءل عن الأهداف العسكرية وكيفية تحقيقها، فإن كاميرون عبر عن استعداده لتقديم النصيحة القانونية له، وشعر أن ميليباند متعاون ومتفهم في تلك المرحلة، حيث قال زعيم حزب العمال: “في الحقيقة لا أريد معارضة هذا الأمر، لكن علينا إشراك الرأي العام معنا”.
وينوه الكاتب إلى أنه عندما تشاور ميليباند مع مسؤولي حكومته، فإنهم حذروه، وقالوا إن الحزب يلعب بالنار بعد العراق، ومن هنا تغيرت لهجته من التعاون إلى عدم المساعدة، واتصل مع كاميرون قائلا له: “لا نستطيع عمل هذا دون قرار من الأمم المتحدة، أو حتى لو استخدم الروس الفيتو ضده”.
وبحسب الصحيفة، فإن كاميرون كان يعلم أن العودة للأمم المتحدة عبثية، لكنه طلب من المسؤولين البريطانيين البدء في التداول مع الدول الدائمة العضوية في الأمم المتحدة للبحث في مشروع قرار.
ويستدرك شيلدون بأن أوباما عبر في مكالمة ثانية مع كاميرون عن ضيقه من العوده للأمم المتحدة، وكان لا يريد أن يكون خارج أمريكا أثناء عملية عسكرية، فكان يحضر للسفر إلى سانت بطرسبرغ للمشاركة في قمة الدول العشرين، وختم مكالمته بالقول إنهما قد يحتاجان لنقاش صعب، ما يعني أن أمريكا قد تقرر المضي وحدها.
ويفيد الكاتب بأن كاميرون واجه مشكلة مع الرأي العام، الذي كان يعارض المشاركة، بنقطتين لصالح نقطة واحدة، بحسب استطلاع نشرته صحيفة “صن”، منوها إلى أن كاميرون شعر أن ظلال حرب العراق تحوم فوقه، حيث قال في اجتماع لمجلس الأمن القومي: “يبدو هذا مثل عام 2003 وليس عام 2013”.
ويذهب شيلدون إلى القول إن العراق كان حاضرا في تفكير حزب العمال، حيث قال ميليباند: “الإجراءات مهمة، وهي مهمة لدعم الشرعية، وقد أخطأت حكومتنا عام 2003″، وقال ميليباند بعد خروجه من مقر الحكومة: “لا أستطيع دعم هذه المهمة”، حيث فقدت الحكومة منذ هذه اللحظة السيطرة على الأحداث، وقادت للتصويت الذي أنتج 272 صوتا داعما، مقابل 285 صوتا رافضا.
ويعتقد الكاتب أن “ظلال حرب العراق كانت الجاني الذي ورد على كل لسان، فعندما قال كاميرون: (ثقوا بي)، تذكر الناس (الملف المزور) لتوني بلير وأليستر كامبل، ورغم مخاوف الحكومة البريطانية من رد أمريكي غاضب، إلا أن مكالمة أوباما بعد يوم من التصويت البرلماني كانت تحمل لهجة متعاطفة (لا ضير أخي، كل ما تريده هو الصمود ولو لفترة، وسيكون كل شيء على ما يرام)، وأضاف: (أعلم أنك تشعر بالأذى أخلاقيا وشخصيا، ولم تتخل عنا بأي طريقة، ولديك إجراءات يجب الالتزام بها، والمزاج في الغرب هو أنه يرى ليبيا في فوضى، وسوريا تعاني من الفوضى، وهم قلقون)”.
ويقول الكاتب: “نعلم بقية القصة، وقرار أوباما نقل ملف العمل العسكري إلى الكونغرس، بعد قرار البرلمان البريطاني بشكل جعل منظور العمل بعيدا، خاصة أن الكونغرس كان في عطلة الصيف، وتبعت فشل الغرب في الرد على تجاوز الخط الأحمر أحداث كبيرة، من تشريد الملايين من السوريين، وقتل مئات الآلاف منهم، وتحولت سوريا إلى ساحة تأثير روسية، واحتلت روسيا شبه جزيرة القرم، وهددت دول البلطيق، واستمر تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا”.
ويلفت شيلدون إلى أن فشل أوباما على الساحة الدولية أدى إلى ظهور خليفة يزعم أنه يستطيع عمل الأشياء، وفقد كاميرون الثقة التي تمتع بها في الفترة ما بين2011 – 2013، مشيرا إلى أن هذه الأمور كلها تبعت فشل الغرب في التحرك بطريقة حاسمة على الهجمات الكيماوية.
ويجد الكاتب أنه “مع ذلك فإنه من غير المؤكد أن هذه العشرة أيام كانت سببا للأحداث، فمن ناحية عكسية ربما كان التدخل مدعاة للدم والدمار”.
ويختم شيلدون مقاله بالقول إنه “من الواضح أن أوباما وكاميرون أساءا التقدير عندما افترضا أنهما يعيشان في عالم يعد فيه التدخل الإنساني أمرا مقبولا، بناء على قاعدة أخلاقية، لكنهما تعلما الدرس بقسوة، وراقبت القوى الشعبوية في كلا البلدين ذلك، وكانت لدى الغرب فرصة لممارسة قيادته الأخلاقية لكنه تلوى تحت الضغط”.
عذراً التعليقات مغلقة