خلال لقاء صحفي مع صحيفة الإندبندنت البريطانية في القاهرة شباط 2012؛ توقعت سقوط نظام الأسد خلال مدة ثلاثة أشهر؛ استندت في تصريحي ذاك على الصدمة الضخمة التي ضربت قوة النظام السياسية والاقتصادية وحالة التردي والضياع في أداء أجهزة الدولة المختلفة؛ وفي الأساس على الزخم الثوري المتصاعد في جميع أنحاء سورية؛ وقد لقي ذلك التصريح المثير لي الاهتمام الواسع من مختلف وسائل الإعلام العالمية؛ ربما لأنه يقدم تصوراً زمنياً محدداً لسقوط النظام يقدمه أحد العارفين بمكامن قوة وضعف النظام.
حقيقة لم يكن لدي أي رغبة أو نية في تقديم أمل مخادع سواء لوسائل الإعلام أو للجماهير؛ وبقيت أتحلى بقناعتي عدة أشهر أخرى بانتظار تحقيق نبوءتي الفاشلة دون جدوى؛ قمت بعدها عدة مرات بمراجعة نقدية ذاتية لموقفي؛ حيث اكتشفت مدى تهافت الطرح وكذلك بساطة وسذاجة سيناريو سقوط النظام الذي قدمته خلال اللقاء.
كانت وسائل الإعلام تعج بالناشطين والمعارضين الذين يتسابقون في تقديم الوعود المؤكدة للجماهير بسقوط وشيك للنظام حسب زعمهم؛ وكان البعض يبررون تلك المبالغات بحجة بث روح التفاؤل الذي يدفع للصمود في وجه آلة النظام القمعية؛ ورغم عدم دخولي ضمن تلك الجوقة لكنني لا أستطيع تبرئة نفسي من الوقوع في العديد من الهفوات على وقع الحماس السائد بقوة.
كان لصاحب كتاب القوقعة مصطفى خليفة رأياً مخالفاً للموجة السائدة؛ حيث طرح في وقت مبكر تساؤلاً جريئاً: ماذا لو انتصر الأسد؟ استند خليفة على تجربته المريرة القاسية في سجن تدمر ومعرفته بخبث النظام؛ لم يلتفت كثيرون لتساؤل خليفة أو يعيرونه أيّ أهمية تذكر في حينه؛ لكن البعض اعتبروا طرحه من باب المناكفة؛ وفي الحقيقة فإن طرح خليفة كان منهجياً ويفترض أن يحظى بالاهتمام بناء على دراسة الاحتمالات الممكنة المبنية على الوقائع ومواجهتها؛ ولم تكن الأجواء الاستعراضية السائدة تسمح بنقاش أي احتمال غير السقوط الوشيك للنظام.
دفعتني المراجعات المستمرة للميل أكثر نحو منطق خليفة في دراسة كافة الظروف والاحتمالات وتوقع النتائج في ضوء التحولات المستمرة في مسار الثورة دون فقدان الإيمان بها وحتمية انتصارها؛ وهذا جعلني أبدو أمام الأخرين بمظهر المتشائم في عدد من المواقف.
دفعنا الإفراط في التفاؤل واعتماد المبالغات للعمل باستعجال والاهتمام بالنتائج السريعة؛ ولم يعد هدف الثورة التغيير الجذري الشامل؛ بل تحول نحو إسقاط النظام أولاً؛ ثم الاكتفاء بإسقاط بشار الاسد بعد ذلك من أجل استلام سدة الحكم؛ باتت الثورة مشروع سلطة أو ما يشبه حركة انقلابية؛ وأدى ذلك لفقدان الثورة شرعيتها وتحولت لمعارضة وفي الواقع فإن العديد من أجهزة الإعلام باتت تصف الثورة بالمعارضة.
فرض منطق الاستعجال نفسه خلال تشكيل هيئات المعارضة المختلفة استجابة لرغبات الدول الداعمة دون طرح برامج وطنية شاملة أو تحقيق تمثيل حقيقي لقوى الثورة؛ ودون توفير أنظمة داخلية تضمن العمل المؤسساتي والرقابة والشفافية؛ وأدى ذلك لانهيار مؤسسات المعارضة بشكل متتالي؛ ولأجل ذلك لم أقبل الانضمام لأي هيئة معارضة؛ وأدى التنافس على المكاسب والمناصب لإبعاد وإقصاء وتهميش الكوادر الثورية والخبرات الوطنية.
السعي نحو الحصاد السريع دفع للتساهل وتمرير الأخطاء والقبول بها وتبريرها ثم تكريسها وصعوبة إصلاحها فيما بعد؛ وظهر ذلك في قبول التدخلات الخارجية والعمل لصالح الدول الأخرى؛ لكن التساهل الأسوأ جرى في التعامل مع الحالة الفصائلية التي أدت لتشظي الجيش الحر وانهياره وظهور فصائل متطرفة متناحرة شكلت ضربة قاضية للثورة السورية.
كان يفترض بنا التحلي بالواقعية والحنكة وإدراك أن الثورة عملية تغيير مستمرة لا تتوقف حتى بسقوط النظام؛ علينا البحث عن طرق لإعادة الأمل للنفوس التي أصابها الإحباط واليأس مع التقدم الميداني المستمر للنظام وتشتت قوى الثورة والمعارضة.
ينبغي علينا الإيمان بأن النظام لم ينتصر.. وأن الثورة لن تهزم.
عذراً التعليقات مغلقة