نبال زيتونة: كل ما دفعناه من أثمان باهظة سببه صمتنا الطويل على الذل

فريق التحرير16 يوليو 2018آخر تحديث :
حوار ولاء عساف

طالت الاعتقالات الكثير من شبان وشابات سوريا، منهم من دخل السجون ولم يخرج ومنهم من أسعفته الظروف وكان الحظ الوافر من نصيبه فخرج بعد أن كان الموت يلوح له يريد انتشاله من براثن الحياة في سجون نظام لا يعرف الرحمة.
لم تستهدف الاعتقالات طائفة معينة أو طبقة ما.. بل كانت أجهزة الأسد الأمنية تزج في السجون كل من حاول أن يتنفس قليلاً بذريعة الإرهاب، فسجنت المدرسين والمدرسات وألقت القبض على طلاب مدارس وطلاب جامعات دون أن تدرك أن هذه الفئة التي تدمرها نفسياً وجسدياً ستعود لتقف في وجهه من جديد ولن تمل الصمود مهما حدث.
نبال زيتونة مدرسة اللغة العربية من مواليد العام 1962 تروي قصتها بحزن ووجع لما تتذكره لكن بتصميم على الانتقام وأمل بتحقيق العدالة؛ تقول نبال: اعتقلت من مدرستي (ثانوية زاهي السمين) في جرمانا بتاريخ 28-11-2013 حيث ألقت القبض علي مجموعة مؤلفة من ثلاثة أشخاص يرتدون الزي المدني ولكنهم يحملون أسلحة، للوهلة الأولى ظننت أنني أحلم ولكن صحوت على نفسي وعلى واقعي وأنا في فرع الأمن السياسي بالمزة.
وتضيف زيتونة: كانت جلسات التحقيق التي تجاوزت العشرين تتعبني وتزيد من كرهي للنظام، يحققون معي بعيون “مطمشة” وأيادٍ مكبلة، كنت أتساءل على الدوام لم يخافون من عيوني.. لكن مع الوقت عرفت أنهم لا يريدون أن أرى وجوههم المخيفة كقلوبهم وألا أعرف أشخاصهم فهم جبناء بقدر قسوتهم.
وتتابع زيتونة أن التهم التي وجهت لها كانت مساعدة ذوي الشهداء (الفطايس) كما أسموهم، التعامل مع الإرهابيين في الغوطة الشرقية ودير العصافير، حيث كانت مدرستها قبل أن ينقلوها إلى جرمانا. والتعامل مع المجلس العسكري في درعا وتهريب كاميرات وأجهزة اتصال من هناك، كما التواصل مع “البنتاغون” إضافة للتحريض على التظاهر.. تقول: “كانت تطرق الكلمات مسمعي بعنف وتحرق الدم في أحشائي من غيظي وحقدي الذي ترعرع في سجون التعذيب”.

التعذيب والترهيب

أما جلسات التحقيق بحسب ما قالت نبال: “كنت في غرف التعذيب حيث كنت أستطيع التمييز بين صراخ المعتقلين والمعتقلات وأصوات آلات التعذيب التي استخدمها النظام على كل من دخل سجونه، إضافة للسباب والشتائم التي كان يكيلها المحققون لي وللآخرين”.
“تعرضت للشحط والجر عبر الممرات لساعات دون توقف، مرت لحظات لم أستطع فيها الوقوف أو المشي بسبب انخفاض ضغط الدم الذي لم أعاني منه سوى في سجون الظلم، أما الزنزانة فكانت لا تتجاوز المترين عرضاً إلى خمسة أمتار طولا تقريباً، في داخلها مرحاض تخرج منه الجراذين الكبيرة المتوحشة التي شكلت لي مع الوقت وبعد خروجي من السجن رعباً حقيقياً، كانت الزنزانة مظلمة وشديدة الرطوبة كما شاطرنا المسكن القمل الذي فتك بأجسادنا طوال تلك الفترة، في أغلب الأوقات تضيق الزنزانة علينا عندما يرتفع عدد المعتقلات إلى العشرين، فلا مكان لنوم الجميع. كنا نسمع صراخ الأطفال من زنازين الرجال.. وأيضا كان لدينا في الزنزانة طفلة لم تتجاوز السنتين مع أمها الحامل. أمضت حوالي عشرة أيام لم تتوقف عن الصراخ”.
وتضيف: “أمضيت ما يقارب خمسة أيام بمفردي اتبعوا كل الأساليب الوحشية، هددوني بإحضار أمي إلى السجن، كما هددوني بإخوتي وعائلتي. رأيت جثث الشباب في الممر أمام زنزانتي تترك لساعات ويخرج منها سائل لونه (زنجاري) بين الأخضر والازرق. جثة طفل أخرجوه أيضاً من هناك”.
“وفي أحد الأيام وبينما أسكن منفردتي المظلمة سمعت صوتاً شعرت أنني أعرفه، كانت صديقتي أليس مفرج التي وضعوها في المنفردة وراح يعذبوننا ويهددوني بها كما يهددوها بي، لم يتوقفوا عن التعذيب يوماً فلا شاغل لهم سوانا ولا رحمة في قلوب تسكن الظلمة لتعذب الناس دون أن تعرف أهم مذنبون حقاً أم أن القدر أحضرهم إلى مكان لا يعرف ما يحدث فيه إلا الله”.
خرجت نبال إلى الحياة من جديد بمبادلة راهبات معلولا في 10-3-2014 حيث قضت شهوراً كانت بعمرها سنوات لن تنساها واليوم تعاني من شقيقة وصداع نصفي كما أنها باتت تخاف الظلمة والوحدة.
نبال زيتونة اليوم تعمل في شبكة المرأة السورية، كما أنها تكتب مقالات عن وضع النساء وكانت تبحث بأوضاع اللاجئين في فترة سابقة في بيروت، كما أنها تشارك في الحركة السياسية النسوية،  وقد وجهت كلمة لكل سوري قائلة أن كل ما دفعناه من أثمان باهظة هو بسبب صمتنا الطويل على الذل، فكفانا صمتاً.
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل