لا تختلف سيرة درعا وأخواتها في حوران جنوبي سوريا عن سيرة الدم المسفوح ظلماً في سلسلة من أبشع مجازر التاريخ، مسرحها سوريا، تشارك في إدارتها وتنفيذها قوى محور الوحشية الطائفية بزعامة ملالي إيران، والضبع الواهم بتسيد عالم الغاب “بوتين”، في ظل غياب عالمي مريع، وتواطؤ فاضح من أبناء العم، “أعرب الناس لسانا وأنضر الناس عودا”..
أصحاب النخوة.. مغيثو الملهوف وواصلو الرحم.. والمتنافخون غرورا بسيرة “وامعتصماه”، لم يكتفوا اليوم في محنة درعا بالصمت، بل تجاوزوا إلى تجاهل الدم والتهرب من سماع الاستغاثات، وأحيانا – وكي يبرئوا أنفسهم – ما وجدوا وسيلة أفضل من اتهام القتيل وتحميله مسؤولية موته، بالنفخ في قربة الفتنة!!
أما إعلام أبناء العمومة فيقود حملة التغييب والتضليل والتبرئة، فبدل اللجوء إلى وسيلة العاجز أو أضعف الإيمان بالصدع بكلمة الحق ولو من دون فعل، يستحضر معظم الإعلام العربي بعض أطراف الصراع والقتلة ويغض النظر ويتعامى كلياً عن آخرين.
ولعل هذا الإعلام المستخدم والموظف سياسياً ينجز بأمانة مشروع النظام العربي الراهن القائم على التقارب مع سفاح العصر “بوتين”، بتغييب روسيا عن جريمة إبادة جنوب سوريا مثلما فعل بأخواتها من قبل..
المعارض السوري إبراهيم الجباوي قال أمس إن تلفزيون البحرين اشترط عليه تجنب الحديث عن روسيا نهائياً في مداخلة لشرح ما يتعرض له الجنوب من إبادة، وتحميل وزر الجريمة لنظام الأسد وإيران، ما دعا الجباوي للاعتذار عن المشاركة وشرح ما حدث معه لمتابعيه، مستهجنا هذا الاشتراط والتضليل والمشاركة في إخفاء المجرمين والتعمية عنهم.
إلا أن نظرة غير معمقة تبدو كافية لتفسير نهج تلفزيون البحرين وإخوته من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر على خريطة بلاد العرب أوطاني..
ففي خضم خوض بوتين وإيغاله بالدم السوري توالت زيارات الزعماء العرب له، متقدمين منه بهدايا لها رمزية تقديم فروض الولاء واستجداء الرضا والمن بالصحبة، صقور وخيول وسيوف عربية لبوتين الغازي الذي نحر عنق دمشق واستعرض فيها مع ذيله جبروته وأعلن احتلاله، ليستحق التصفيق والتبرئة من أبناء عمنا بالدم.. على سفح دمنا!!
إذن فالمطلوب في سوق نخاسة الكلمة اليوم، وفق مقياس العروبة، أن توجهها إلى نحور خصوم أبناء العم لا إلى نحر خصمك.. ولا بأس أن تجتزئ المشهد، الحديث عن إجرام إيراني مسموح لدى أعداء إيران من العرب، أما عن القيصر فممنوع لتضارب المصالح الذي يقوم أساسا على المتاجرة بالدم..
حتى أعداؤك يا درعا وقتلة شيبك وأطفالك، لم يعد الإعلان عنهم ممكنا في هوامش العرب التي ضيقها الذل حتى اختنقت بها المروءة.
وبينما يموت نازحون هاربون من غربان بوتين عطشاً ومرضاً على خطوط سايكس بيكو، تجد بعض وسائل إعلام المتشبهين بالمعتصم ترفاً كافياً لفرض إرادتها ورؤيتها على المشهد.. فحتى موتك يريد أبناء عمك منك تزويره، يطلبون منك شهادة زور على موتك.. في تمثيل ذئبي حيّ: “وجاؤوا على قميصه بدم كذب”..
Sorry Comments are closed