* ساري الساري
مضى شهر من القهر ونحن نقبع داخل غرفة تشبه علبة الكبريت؛ كنا ننتظر كل يوم من سيكون عود الثقاب البريء الذي سيقوم الطغاة بأشعاله المساعد أول أبو الوليد ذو العينين الملونتين إجراماً وحقداً، والذي على ما يبدو كان اسماً مستعاراً يخفي خلفه حقده وإجرامه بحق المعتقلين ، لكنني متأكد أن كل من خرج حياً لن ينسى شكله وظلمه فقد كان يحصد أرواح كثيرة من الأبرياء في يوم مناوبته الذي يكاد يكون مشهداً من يوم القيامة.
كان يقوم بإطفاء الأنوار وإغلاق الأبواب لتبدأ حالات الاختناق الجماعي والصراخ، لم يكن أبو الوليد مجرد سجان ينفذ أوامر أسياده فحسب، بل كان سادياً يتلذذ بمنظر الدماء، بل إنه كان وقحاً لدرجة أنه يبرر أفعاله الإجرامية بعبارته الشهيرة بأنه كلما “فطس أحد العراعير” ستشعرون بالراحة أكثر وسيتسع المكان لكم أكثر!
كل هذا عدا عن الشتائم والكلمات الطائفية البذيئة التي لا تفارقه وكأنه نشأ وترعرع عليها,، ولا يمكن وصف “أبو الوليد” إلا أنه خلق ليفترس وأنه من فصيلة الوحوش على شاكلة شبه إنسان تعيس لا يجد ذاته إلا بقتل الأبرياء.
“شاليش” هو الآخر كان “مساعد أول” في فرع الموت، ذو شعر طويل وعينين غائرتين كـ “جرذ الطاعون”، لا يعرف لونها، وأسنان لا يتجاوز عددها الـ5 أسنان تشبه “الحركة التصحيحية”.
كان شكله مضحكاً لدرجة أننا كنا نشفق عليه ونظهر له أننا نخاف منه وأنه أكثر إجراماً وبطشاً من أبي الوليد، فيتولد لديه شعور بأنه طاغية كبير وجلاد يحسب له ألف حساب، كان سلاحه المفضل الركل بالأرجل والدعس على الأجساد بحذاء من نوع Lacoste وهي ماركة عالمية مشهورة عليها صورة “تمساح” كان قد سرقه من أحد المعتقلين.
“شاليش” شخص مصاب بجنون العظمة الإجرامية؛ كان لديه قطيع من المجرمين يعرفون باسم “سرية المداهمة”، مهمتهم الأساسية هي فض أي استعصاء داخل المهاجع عبر العصي الكهربائية والهروانات، ولا يمكن وصف “شاليش” إلا أنه خلق ليسرق ويبطش بالأبرياء، وأن حذاء Lacoste الذي يلبسه في رأسه يدل على أنه من فصيلة التماسيح المتوحشة ولا يجد ذاته إلا “بتعفيش” الآخرين .
“موسى العمر” السجان الأكثر جدلية والذي لا يعرف أحد اسمه ، لكنه كان يشبه الإعلامي السوري “موسى العمر” فهو أحد ال 40 شبيهاً له؛ كان لطيفاً جداً فلا يضرب أي معتقل، وكان يحضى باحترام فائق من الجميع، فيبدأ مناوبته بالمرور على جميع المهاجع بابتسامة؛ وبمقولة “الله يفرج عنكم”، فكنا نستطيع التحدث معه ونسأله ذات السؤال كل يوم: لماذا لا تنشق عن هذه العصابة؟ فيجيبنا بابتسامة بريئة خادعة بذات الجواب: “خراس يا حيوان”.
ولا يمكن وصفه إلا أنه خلق ليصمت عن المجرمين وأنه من فصيلة “الله يطفيها بنوره”.
تشبيح خريجي جامعات بولونيا :
تمر الايام والليالي ونحن نعاني من ظلم وبطش “أبو الوليد” وشاليش وغيرهما من السجانين، والمفارقة أنهم ليسوا محققين وليسوا مخولين بالقيام بهذا العمل ليقوموا باستجوابنا، ولكنهم كانوا يعذبوننا لأجل التعذيب فقط، عدا عن التعذيب الذي نتعرض له في غرف المحققين الذين لا نرى وجوههم لكننا نسمع أصواتهم.
صوت ما أرجع لي شيئاً في ذاكرتي رغم فقدي لها .. لم تكن أصوات المحققين التي اعتدنا سماعها عند الذهاب لغرف التحقيق وإنما أصوات كنت أسمعها في كلية العلوم السياسية؛ نعم انه صوت “الدكتور” سمير حسن الذي سرق كتاباً كاملاً من المقدمة إلى الفهرس من الجامعة اللبنانية ووضع عليه اسمه؛ والمعروف أيضاً باستغلاله للطالبات الأناث في كلية العلوم السياسية.
الصوت الأخر كان لـ “الدكتور” صابر بلول؛ صاحب مقولة “أنا سني من الخالدية لا تخافوا مني”، وكلاهما – أي سمير حسن وصابر بلول – تخرج من المعهد العالي للعلوم السياسية في بولونيا.
شئ ما لا يصدقه العقل البشري، أن يشرف على تعذيبنا أساتذة جامعات؛ تخرجوا من جامعات أوروبا!!
هل تعلم بولونيا أن من تخرجوا من جامعاتها أصبحوا قتلة؟ هل تعلم أنهم حاربوا العلم؟ لماذا يا بولونيا؟
ألا تعلم جامعة بولونيا أن جميع هؤلاء القتلة لا يمكن وصفهم إلا بأنهم خلقوا ليسرقوا ويبطشوا وينكلوا بالسوريين والسوريات وهم قتلة ومصاصو دماء وعار على جامعة بولونيا العريقة أن يتخرج منها أشخاص من فصيلة الزواحف والقوارض البشرية المتوحشة وهذه الفصيلة غير البشرية لن يستطيعوا أن يجدوا ذاتهم أبداً؟!
صوت قادم من بعيد وفرحة كبيرة داخل المهجع، كان صوت المساعد “شاليش” ينادي بأسمائنا؛ وأنه قد جاء أمر إطلاق سراحنا وأن علينا أن “نضب أغراضنا”.
صوته النشاز أفقدنا لذة التمتع بالخبر وأفقد صديقي صوابه حيث بدأ يحاول أن “يضب أغراضه” التي لا وجود لها من الأساس كوننا دخلنا كما ولدتنا أمهاتنا.
الطريق للخروج من المهجع (1 حديد) كان سالكاً بصعوبة بسبب تراكم الشبيحة في الممر المؤدي إلى غرفة المساعد أول “أبو مهاب”؛ والذي كان على ما يبدو مهمته الاستقبال والتوديع؛ إذ لم نره طوال فترة اعتقالنا؛ وهو على ما يبدو لا يهاب أي شيء؛ حتى أنه ضرب عجوزاً تجاوز ال 65 من الألم؛ كان جلاداً ذا بطن كبيرة تشبه كوكب المشتري؛ قام بتوقيعنا على 5 أوراق فارغة وقام بإعطائي مبلغ 10 ليرات سورية وقال: (هاد اللي بقيلك من مصاريك؛ بعد ما اشترينالك دواء وملابس) علماً انني دخلت وبحوزتي مبلغ وقدره 15000 ليرة وإنني لم ألبس أي نوع من اللباس طوال فترة الاعتقال.
عرفت بعدها سبب حجم بطنه الزائد.
ودعنا أبو مهاب بمثل ما استقبلنا به من حفاوة بالإجرام؛ خرجنا مقيدين بالسلاسل، شعرنا بالدوار من نور الشمس ورغبة بالتقيؤ من الهواء النظيف، وضعونا في سيارة مصفحة تشبه علبة السردين فيها ثقوب صغيرة تشبه الأمل، توجهنا إلى سجن القابون وبقينا فيها يوما واحدا، توجهنا بعدها إلى المحكمة في الزبلطاني؛ داخل ممر المحكمة كان الجميع يبتعد عنا ويفتح لنا الطريق بسبب رائحتنا الكريهة وأثار الحبوب والقيح على أجسادنا؛ وليس لأننا ابطال كما كان يظن صديقي.
أطلق القاضي سراحنا دون توجيه أي سؤال فقد نطقت دماؤنا ورائحة أجسادنا؛ لقد كانت خير دليل على براءتنا.
خرجت حافي القدمين مع رفاقي؛ لأجد نفسي في حي دمر الدمشقي، ولأنهي فصول أقسى تجربة في سوريا الأسد؛ سوريا المتوحشة؛ تاركاً ورائي آلاف القصص المؤلمة التي لن تنتهي إلا بالخلاص من هذه العصابة الطائفية المجرمة؛ التي روعت السوريين طوال عقود من القهر الممنهج.
Sorry Comments are closed