“الدّب الروسي” يستولي على موارد الطاقة والاقتصاد السوريين

فريق التحرير22 يونيو 2018آخر تحديث :
مصفاة بانياس للنفط – أرشيف

أحمد زكريا – حرية برس

“الاستيلاء على الاقتصاد السوري بعقود طويلة الأمد” هو العنوان الأبرز للتدخل الروسي في سوريا، ليس على المستوى العسكري فقط بل تخطاه ليشمل القطاع الاقتصادي أيضاً، بحسب مراكز أبحاث ودراسات مختصة.

وقد عزز التدخل الروسي من آلياته وتموضعه في سوريا بشكل ملحوظ عبر الأداة الاقتصادية، ليس على المستوى المحلي فقط بل على مستوى خارطة الطاقة والمنشآت الاقتصادية الهامة في سوريا وما حولها، وفق ذات المصادر.

“الشركة العامة للأسمدة” في القفص الروسي

وكشفت مصادر صحفية ومحلية مطلعة، عن وضع روسيا يدها على “الشركة العامة للأسمدة” الواقعة غرب محافظة حمص، وذلك من خلال عقود استثمار وقعتها إحدى الشركات الروسية مع نظام الأسد بمدة تصل لأكثر من 40 عاماً.

وتعد “الشركة العامة للأسمدة” أكبر مجمع صناعي في سوريا خاص بإنتاج “الأسمدة الآزوتية والفوسفاتية”، إضافة لإنتاجها العديد من المنتجات الكيماوية الهامة مثل “حمض الازوت وحمض الفوسفور وحمض الكبريت ومائيات الأمونيوم والمياه الحامضية”، والتي يستفاد منها في تشغيل أكثر من 200 صناعة على صعيد القطاعين “العام، والخاص”.

النقيب “رشيد حوراني” مدير المكتب الاعلامي لحركة تحرير الوطن، قال في حديث لحرية برس: “إن روسيا تمكنت من وضع يدها والاستيلاء على أهم الشركات والمؤسسات الاقتصادية والعسكرية”، ويمكن القول إن “الانشاءات العسكرية ومعامل الدفاع سيطرت روسيا عليهما بشكل كامل، بالإضافة لمعمل السماد أو الشركة العامة للأسمدة”، وذلك من خلال عقود استثمار طويلة الأجل.

وعن أهمية تلك الشركة أيضاً، لفت “حوراني” الانتباه إلى تواجد “مبنى الطاقة الذرية” والذي يتبع للبحوث العلمية، ضمن حرم هذه الشركة الضخمة، مؤكداً أن هذا المبنى محاط بالسرية التامة، ولا يسمح للعاملين في المعمل أو في الطاقة الذرية بالاحتكاك مع بعضهم البعض، مشيراً إلى معرفته بتلك التفاصيل كونه ابن المنطقة التي تقع فيها الشركة.

وكان موقع “اقتصاد” نقل بتاريخ (16 حزيران/يونيو الحالي) عن مصادر قولَها: “إن شركة روسية خاصة، تعمل منذ ثلاثة أشهر تقريباً على إنجاز دراسة لاستثمار وإدارة الشركة العامة للأسمدة بحمص، وذلك بعقد استثمار مدته 48 عامًا”، واصفاً الأمر بأنه “عملية استيلاء”.

وتم إحداث الشركة العامة للأسمدة منذ أكثر من 50 عاماً، وتتألف من 3 معامل:” معمل سماد السوبر فوسفات الثلاثي، ومعمل الأمون يوريا، ومعمل نترات الأمونيوم” وكل معمل يتألف من عدة أقسام، وجميعها تقع ضمن مجمع صناعي واحد يعتبر من أضخم المجمعات البتروكيماوية في سوريا.

وتقع “شركة الأسمدة” في منطقة “قطينة” وعلى ضفاف بحيرتها، وهي ذات موقع استراتيجي هام كونها تتوسط المنطقة الواقعة بين “حي بابا عمرو” ومدينة “القصير” بريف حمص الغربي.

“الفوسفات السوري” بقبضة الدّب الروسي

وذكرت مصادر صحفية، أن قوات العدوان الروسي وضعت يدها كذلك على أهم مناجم الفوسفات في ريف حمص الشرقي، وذلك بعد بسط نفوذها على مساحات واسعة في تلك المنطقة، مشيرةً إلى أن شركة “إس تي إن جي” الروسية التابعة لـشركة “ستروي ترانس غاز” قد وضعت يدها على منجمي “الشرقية وخنيفيس”.

وفي هذا الصدد أكد الناشط “عبد العزيز الدالاتي” في تصريح لحرية برس، إن الروس وضعوا يدهم على أغلب الصناعات الاستراتيجية بسوريا بعقود استثمار طويلة، مضيفاً أن روسيا وضعت يدها على شركتي فوسفات شرق حمص، الأولى “مناجم خنيفيس للفوسفات”، والثانية “شركة مناجم الصوانة” لنقل وتسويق الفوسفات السوري.

وفي ذات السياق، تحدث موقع “اقتصاد” بحسب مصادر تابعة له، عن “صفقة الاستيلاء على الفوسفات السوري بريف حمص الشرقي بحجة تطوير صناعته، حيث استحوذت مؤخراً شركة (ستروي ترانس غاز) الروسية على عقود استخراج خدمات الفوسفات من بادية حمص وتصديره للسوق العالمية لمدة 50 عاماً”.

أنظار الروس تتجه صوبَ مصفاتي “حمص وبانياس”

وأعرب “الدالاتي” عن اعتقاده بأن الأمر لن يقتصر على استيلاء الشركات الروسية على شركة الأسمدة ومناجم الفوسفات الهامة، بل سيمتد الأمر لأبعد من ذلك وقال: أعتقد أن أنظار الروس ستتجه صوب مصفاتي “حمص وبانياس” الهامتان، وستعمل على وضع يدها عليها أيضاً من خلال عقود الاستثمار طويلة الأمد”.

وأضاف، أنه وبحسب وسائل إعلام تابعة للنظام، فإنه يجري الحديث عن نية الروس الاستيلاء على “الشركة العامة للطرق والجسور”، من خلال دراسة يتم التباحث فيها لتوقيع عقد استثمار روسي بحجة إعادة ترميم الأوتوسترادات والطرق الرئيسية واستثمارها، وبالتالي يصبح المرور في تلك الطرقات مأجوراً لصالح الشركة الروسية التي سيتم منحها العقد.

تكريس التبعية الاقتصادية السورية لروسيا

وفي توضيح منه للإطار العام لتعزيز التدخل الروسي عبر أداته الاقتصادية، قال “معن طلاع” الباحث في “مركز عمران للدراسات” في حديثه لحرية برس: إنه “حتى يكون للتدخل الروسي نتائج مستدامة (كما هو حاصل الآن)، انخرط الروس بتفاصيل المشهد السوري، عبر أربعة أضلاع رئيسية سياسية وعسكرية واجتماعية واقتصادية، تُشكل بمجموعها العامة مناخاً مناسباً لتعميم مقارباتها السياسية على الجغرافية السورية من جهة، وتعزز من قدرتها على التحكم بكافة المسارات واتجاهاتها.

وبحسب “طلاع” فإن الإدارة الروسية تحاول تعزيز نفوذها الاقتصادي عبر سياستين: الأولى تتعلق بضرورة عمل الشركات الروسية على الاستثمار أو الهيمنة لمخزون الطاقة المكتشف في المنطقة، والثانية تستند على سياسة الدعم والمساندة الاقتصادية لنظام الأسد للحصول على امتيازات مهمة في مجال الطاقة وخطط إعادة الإعمار.

ففي سبيل صد مساعي أوروبا في تخفيف اعتمادها على الغاز الروسي، تحرص موسكو على ألا يتنافس أيُّ مشروع لتصدير الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا مع خطط التصدير الخاصة بها عبر الخط الحالي “بلو ستريم” Blue Stream، الذي ينقل الغاز إلى تركيا مروراً بالبحر الأسود، وخط أنابيب “ساوث ستريم” South Stream لنقل الغاز إلى أوروبا.

وتابع: لا تزال موسكو تسعى لتعزيز الأثر التنافسي للشركات الروسية بتطوير الغاز قبالة شواطئ قبرص لضمان التنافس، مع شركات مثل “شيل” و”توتال”، كما تستمر في اختيار شركاء محليين في لبنان ليكونوا جزءاً من مشروع يرمي إلى تطوير الغاز المُستخرَج قبالة الساحل اللبناني، ناهيك عن حصول شركة “غاز بروم” Grazprom على حصة في احتياطيات الغاز المُستَكشَف قبالة شواطئ الأراضي المحتلة في فلسطين.

من جهة ثانية، وبحسب الباحث طلاع”، فقد عملت موسكو مستندة إلى “دوافع مساندة الدولة اقتصادياً” على تثبيت عدة اتفاقات وتفاهمات تسهم في تعزيز تحكمها في خارطة الطاقة من جهة، وتكرس تبعية الدولة الاقتصادية لموسكو واحتكارها لمواردها من جهة أخرى، ومن تلك الاتفاقيات:

1- توقيع اتفاقات بين نظام الأسد وروسيا في مجال الطاقة بين “وزارة النفط والثروة المعدنية السورية وشركة سيوز نفط غاز الروسية“ حصلت بموجبها على حق التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الممتدة من جنوب شاطئ طرطوس إلى محاذاة مدينة بانياس، وبعمق عن الشاطئ يقدر بنحو 70 كيلو متراً وبمساحة إجمالية تصل إلى نحو 2190 كيلو متراً مربعاً، بالإضافة إلى حق التنقيب في حقل قارة في حمص الذي يحوي على 437 بليون متر مكعب من الغاز، حسب تقديرات “هيئة المسح الجيوبوليتيكة الأمريكية”.

وتذكُر الهيئة، أن الساحل الشرقي للمتوسط يحتوي على مخزون من الغاز يقدر بـ 700 بليون متر مكعب، وهذا يظهر تهافت الروس على دعم نظام الأسد للحؤول دون سيطرة أحد غيرها على هذا المخزون ومنافستها على أسواقها، وفق “طلاع”.

2- توقيع ثلاثة بروتوكولات للتعاون في المجال الجمركي بين “مديرية الجمارك العامة وهيئة الجمارك الفيدرالية في روسيا الاتحادية“ في أواخر عام 2016، وذلك حول تنظيم المعلومات التمهيدية ما قبل وصول البضائع والمركبات التي يتم نقلها بين البلدين، وتبادل المعلومات المتعلقة بالقيمة الجمركية للبضائع المنقولة بين روسيا الاتحادية وسورية، والتعاون في مجال تبادل المعلومات والمساعدة المتبادلة، وفقاً للنظام الموحد للأفضليات التعريفية للاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

3- توسيع التعاون بمشاريع نفطية ضخمة تتعلق بالتنقيب واستخراج النفط والغاز، وإعادة بناء البنية التحتية للطاقة وتطويرها، حيث تقدم نظام الأسد في أيار 2016 بطلب مشاركة روسيا من خلال شركات “زاروبيج نفط، ولوك أويل، وغازبروم نفط”.

4- اتفاق “القمح والوقود مقابل مشاريع إعادة الإعمار”، إذ طلبت حكومة الأسد في آذار 2016، من موسكو تزويدها بالقمح والوقود لتخفيف حدة النقص والمعاناة الناجمة عن الحرب، وعرضت في المقابل – على لسان وليد المعلم – إعطاء الشركات الروسية أولوية في إعادة الإعمار.

5- تأسيس عدة معامل روسية، فبالتوازي مع حركة الاستيراد والتصدير بين الجانبين، وخلال شهر آب 2016، رصد رجال أعمال روس 250 مليون دولار لتأسيس معامل من أجل إنتاج البطاريات والإطارات، ومعمل لإنتاج البيرة ومشروع لإقامة معمل للبرادات والغسالات والأفران وآخر لإقامة محولات، ومن جهة أخرى أعلنت الشركة الروسية المصنعة لسيارات “لادا” أنها دخلت الأسواق السورية بأسعار منافسة.

6- سياحة الحرب الروسية في سوريا، إذ أعلنت شركة روسية حصولها على رخصة تشييد سياحية، بعد تقديمها لمخططات استثمار موقع “جول جمال” السياحي في اللاذقية، بكلفة إجمالية وصلت إلى 22 مليون يورو، وفي المقابل أعلنت إحدى الشركات الروسية السياحية تنظيم رحلات إلى خطوط الجبهات في سوريا، وحجزت علامتها التجارية بعنوان “سياحة الأسد”.

7- توسيع مرفأي اللاذقية وطرطوس، إذ ذكرت “سبوتنيك” الروسية إن وزارة النقل التابعة للنظام اتفقت مع شركتين روسيتين، لتطوير وتوسيع مرفأي طرطوس واللاذقية.

التحكم الكامل بقرارات دمشق الاقتصادية

وأكد “طلاع”، أن عمليات الاستيلاء الروسية على أهم القطاعات الاقتصادية في سوريا بعقود طويلة الأمد، تأتي من مبدأ التحكم الكامل بقرارات دمشق الاقتصادية بغض النظر من يحكم دمشق، لأن هذا العقود تتسم بصفتها الراهنة بأنها عقود قانونية وهذا ما يزيد إشكالية أي حكومة مستقبلية، وتحت هذا العنوان تأتي التبعية الكاملة والتحكم المطلق بالاقتصاد السوري، سواء كجغرافية سياسية ذات أثار اقتصادية مهمة، أو فيما يتعلق بالتنافس المحلي على ملفات إعادة الإعمار وغيرها.

وكانت “وحدة المعلومات” في مركز عمران للدراسات، رصدت أهم الشركات الروسية وأماكن تموضعها والمشاريع التي عملت وتعمل عليها في سوريا ومن أبرزها: مشروع تأهيل منجم الملح ومشروع استثمار النفط الصخري والبازلت في محافظة دير الزور، عن طريق شركة “ستونج لوجيستيك”، ومشروع انشاء محطات طاقة كهربائية في محافظات حماة ودير الزور وحلب وريف دمشق، والاستفادة من محطات الطاقة في محردة وتشرين ودير الزور، يضاف إلى ذلك مشروع مطاحن الحبوب والذي بدأت شركة “سوفو كريم” الروسية العمل عليه منذ العام الماضي في المنطقة الواقعة بين مدينتي “حمص وتلكلخ”.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل