اقتتال الفصائل وفوضى السلاح هاجسٌ يؤرق المدنيين في المناطق المحررة

فريق التحرير9 يونيو 2018Last Update :
(صورة تعبيرية)

أحمد زكريا – حرية برس

حالة من التوتر والترقب الحذر تعيشها المدن والبلدات الواقعة في مناطق “درع الفرات” شمال سوريا، عقب حوادث الاقتتال الداخلي بين بعض الفصائل، والتي تحولت من حالات فردية إلى ظاهرة عامة، يضاف إلى ذلك ظاهرة فوضى السلاح التي باتت هاجسًا يؤرق المدنيين.

وألقت الأوضاع الأمنية المتردية في مناطق الشمال السوري المحررة، بظلالها على حياة السكان بشكل سلبي، ما دفع بهم للخروج بمظاهرات واعتصامات، مطالبةً الجهات المختصة والمسؤولة عن تلك الفصائل، بضرورة الحد من انتشار السلاح وانهاء المظاهر المسلحة، وفق ما تحدثت به مصادر مطلعة لحرية برس.

حوادث أمنية متكررة في مدينة الباب

وشهدت مدينة “الباب” في شهر أيار/ مايو الماضي، مواجهات داخلية بين فصيل “أحرار الشرقية” المهجر من القلمون الشرقي، ومجموعة من إحدى العائلات في المدينة والمعروفة بآل “واكي”، ليتطور الأمر من مشادّةٍ كلامية إلى اشتباكات بالأسلحة استمرت على مدى عشرين يومًا، خلفت سقوط قتلى وجرحى من الطرفين بينهم مدنيون، الأمر الذي استدعى دخول قوات فض النزاع لوقف تلك الاشتباكات.

الناشط الإعلامي “عمار نصار” أوضح في حديثه لحرية برس، أن الوضع الأمني في مدينة الباب يعيش في حالة تردي متزايدة، ويرى أنه “على الرغم من تخلص المدينة من قصف الطيران الحربي التابع لقوات النظام وروسيا، يضاف إلى ذلك هدوء الجبهات مع تلك القوات ومع الميليشات الانفصالية أيضًا، إلا أن عدم جدية الجهات المسؤولة عن حماية المدينة من فوضى السلاح بسبب تبعيتها أصلا للفصائل، وغموض الموقف التركي وعدم تدخله لضبط ايقاع المسيئين من الفصائل، يدفع الأمور الأمنية للمدينة للتدهور، بسبب الاعتداءات المتكررة والتي أضحت بشكل شبه يومي على المدنيين أو على الشرطة أو حتى فيما  بينها”.

وقال “نصار”: كان لاقتحام المدينة بشكل فوضوي وهمجي من قبل إحدى الفصائل في الجيش الحر، والتعامل الهزيل مع هذا الحدث من قبل المسؤولين الأمنيين أو العسكريين في حينها، أجبر العديد من أهالي المدينة لاقتناء السلاح والتنسيق بين العوائل لمنع تكرار تلك الحادثة.

ولم تكن حادثة الاقتتال بين “أحرار الشرقية، وعائلة واكي” الأولى من نوعها، فقد سبقها اعتداء مسلح من قبل مجموعة تتبع لفرقة “الحمزات” على أحد المشافي في المدينة والاعتداء على كادرها الطبي، بحسب ناشطين، الأمر الذي زاد من غضب سكان المدينة، ليتطور الأمر إلى خروج مظاهرات شعبية نددت بتلك الممارسات ورفضت وجود أي مظهر مسلح في المدينة.

الاقتتال الداخلي ظاهرة عامة

واعتبر “نصار” أن الاقتتال أصبح ظاهرة في المدينة وقد أخذ خلال الأيام الماضية صورًا متعددة، سواء من اقتتال بين الأهالي والفصائل أو الفصائل فيما بينها أو الشرطة مع الفصائل، لافتًا إلى أن “جهاز الشرطة” مازال ضعيفًا والسبب في ذلك يعود إلى عدم تدخله بالأمور العسكرية عند حدوث أي مشكلة في حال كان أحد أطرافها أي شخص عسكري أو محسوب على الفصائل العسكرية ويحال الأمر الى الشرطة العسكرية التي قوامها أصلاً من عناصر الفصائل.

وأكد الناشط الإعلامي، أن مطالبات الأهالي مستمرة بضرورة نزع السلاح وانهاء المظاهرة المسلحة في المدينة، وقد تم ذلك بتنظيم العديد من الوقفات والمظاهرات، ووصل الأمر لذروته يوم تنفيذ الاضراب العام الذي شلّ المدينة، بالإضافة لنبض الشارع المتذمر من هذه الفوضى.

وشهدت مدينة الباب التي تحررت من تنظيم “داعش” على يد قوات درع الفرات، في شباط من العام الماضي، بحسب “نصار”. نهوضًا عمرانيًا وتجاريًا بنحو مقبول رغم عزوف الكثير من التجار عن إنشاء المشاريع الكبرى خشية تسلط المسيئين عليهم، وتلك التطورات الإيجابية كانت بسبب جهود أهالي المدينة، رغم عدم دخول المدينة بمرحلة إعادة الاعمار -سوى إعادة اعمار عدد من المدارس فقط.

وفي ردّ منه على سؤال حول الحلول المقترحة لضبط الوضع الأمني في المدينة ومنع اقتتال الفصائل قال: الحل يكون باتجاهين: الأول توعية عناصر الفصائل، والثاني: الضغط على قيادات الفصائل بطرد المسيئين، إلا أنه ومع الأسف فهناك العديد من المسيئين يتصدرون قيادة أكثر من فصيل، وهذا يجعل اللوم والطلب من الطرف التركي بضرورة تخليص المنطقة من هؤلاء من خلال أي برنامج فرز.

غضب شعبي في مدينة جرابلس

ولا يختلف الوضع في مدينة “جرابلس” بريف حلب الشرقي، عن مدينة “الباب” من ناحية الحوادث الأمنية والتي عنوانها الأبرز “اقتتال الفصائل فيما بينها”، واستخدام السلاح المتوسط والخفيف في تلك الاشتباكات، يقابلها على الضفة الأخرى حالة من الاحتقان والغضب الشعبي جراء ذلك.

الناشط الإعلامي “محمود سليمان” قال لحرية برس: اندلعت اشتباكات داخلية بين “فرقة السلطان مراد” و “حركة أحرار الشام”، في الثلاثين من شهر أيار الماضي، داخل مدينة جرابلس شرقي حلب، حيث استخدم في الاقتتال السلاح الخفيف والمتوسط، هذا ما أدى لغضب شعبي داخل المدينة وخروج مظاهرات طالبت بإنهاء المظاهر المسلحة وإخراج الفصائل العسكرية من المدينة، كما طالب المتظاهرون بأن تكون حماية المدينة بيد الشرطة الحرة، لأن الفصائل العسكرية مهمتها على الجبهات لا داخل المدن وبين المدنيين.

وتعد “الفرقة التاسعة وأحرار الشرقية وحركة أحرار الشام وفرقة السلطان مراد” من أقوى الفصائل العسكرية العاملة في مدينة جرابلس التي تم تحريرها من قبضة تنظيم داعش في (24 أب/ أغسطس 2016) على يد الجيش السوري الحر بدعم تركي.

اقتتال هدفه زعزعة الأمن

ويرى النقيب “أبو عزيز” من مرتبات شرطة جرابلس الحرة، وفي تصريح لحرية برس، أن أسباب الاقتتال بين الفصائل عديدة ولكن أهمها دخول بعض المحرضين والمفتنين بين المقاتلين وتعبئة كل فصيل على الآخر، وهنا تظهر حكمة قيادات الفصائل المقاتلة في الشمال السوري وتوعية قادة المجموعة بعدم الانسياق وراء هذه الفتن وأي أشكال يجب أن يتم حلّه عن طريق الشرطة العسكرية.

ولفت “أبو عزيز” الانتباه، إلى أن “الاقتتال الذي يحصل هدفه زعزعة أمن المنطقة، لتظهر بمظهر غير لائق أمام مناطق قسد ومناطق النظام”، معربًا عن اعتقاده بأن النظام يستخدم أشخاصاً لتحريك مثل هذه الأمور وخلط الأوراق، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن الحل يجب أن يكون من خلال الاستجابة لمطالب الشارع وإخراج المظاهرة المسلحة في المناطق المحررة، وجعلها ضمن معسكراتهم أو ضمن مقراتهم خارج البلدات.

واعتبر “أبو عزيز” أن كثرة فوضى السلاح حالياً في الشمال السوري، سببها أعداد السكان القاطنين في مساحة ضيقة، مضيفًا أن الزخم السكاني في هذه المنطقة بأنه أصبح كبيراً جداً، يضاف إلى ذلك كثرة الفصائل المقاتلة وعدم التزامها بضوابط أمنية حال تنسيب المقاتلين، في حين أن كل فصيل يحاول جاهداً أن يكون لأكثر عدداً من الفصيل الآخر، ويحاول فرض سيطرته عن طريق السلاح.

اعتراف الفصائل بدور الشرطة الحرة

وفيما يتعلق بدور الشرطة الحرة في ضبط الأمن قال النقيب “أبو عزيز”: للأسف دور الشرطة الحرة ضعيف جداً، ويقتصر على القضايا المدنية الصغيرة، وليس لها قدرة على مواجهة الفصائل أو الحيلولة دون ذلك، لذا فإن هذا الدور سيكون على عاتق الشرطة العسكرية المحدثة في مناطقنا المحررة كونها ولدت من رحم الفصائل.

وعن مخاوفهم في حال استمرت الفوضى الأمنية على ماهي عليه كشف “أبو عزيز” عن أنه “لا يوجد أي مخاوف لأن قيادة الأركان التركية أخذت قراراً حاسماً بهذا الشأن، وهو أن تعترف كل الفصائل بالشرطة وتنصاع لأي مطلب، وأن تسلم جميع الحواجز للشرطة الحرة، وأي فصيل سوف يتلكأ سيحاسب من قبلهم مباشرة، وعلى الرغم من أنها خطوة متأخرة ولكنها جيدة جداً في سبيل بسط الأمن”.

المناطقية وغياب المؤسسة العسكرية وتعدد المرجعيات

وينظر مراقبون إلى أن ما يجري من اقتتال داخلي بين الفصائل، هدفه تشويه الثورة السورية وتشويه صورة الجيش السوري الحر، الذي حمل السلاح للدفاع عن المدنيين وليس لترهيبهم، وأن السبب يعود في ذلك إلى تشرذم الفصائل وغياب الجسم الواحد الأمر الذي أدى لتمدد الفصائلية على حساب حياة المدنيين.

العقيد الركن “فاتح حسون” القائد العام لحركة تحرير الوطن، يرى في حديثه مع حرية برس، أن من أسباب فوضى السلاح عدم وجود مؤسسة عسكرية تعمل على عقيدة قتالية واضحة وتتطور بحسب الظروف، اضافة إلى تأثر الفصائل بعوامل سابقة كالمناطقية وتعدد المرجعيات الفكرية  والمالية الداعمة للفصائل.

وأضاف: إن انعكاس اقتتال الفصائل يتجلى على الحياة المدنية من خلال تأثيره العكسي (السلبي) على المجتمع المدني وفعاليته والحد منها، خاصة أنه مع انطلاق الثورة انتشرت منظمات هذا المجتمع وأخذت دورا ايجابيًا في الثورة وتنظيمها وحمايتها فكريًا وتوعويًا، لأن المجتمع المدني وهيئاته تحتاج إلى الاستقرار.

وحذّر “حسون” من أن اقتتال الفصائل يؤدي الى زعزعة ثقة الحاضنة الشعبية بقدرة الفصائل على فرض الأمن في المناطق المحررة، على حد تعبيره.

المدنيون “وقود” تلك الصراعات الداخلية

أما  المحامي “غزوان قرنفل” رئيس “تجمع المحامين السوريين الأحرار” فأعرب عن اعتقاده بأن فوضى السلاح ترتبط بالفشل في بناء مؤسسة أمنية أو عسكرية موحدة تحمل بعض سمات المؤسسات، من حيث التراتبية وآليات العمل ومرجعيات القرار ، مرجعًا السبب في هذا الفشل إلى تعدد المشاريع التي تحملها أو تتبناها القوى التي تسيطر على الأرض، والتي انكفأت عن مشروع ادارة الصراع مع النظام للانتقال لمشروع ادارة مناطق سيطرت عليها وتفرض سطوتها فيها بقهر السلاح لا بخيارات الناس، وبالتالي تكون المحصلة الطبيعية هي صراع القوى وادارة التصفيات لبسط النفوذ طالما لا مشروع وطني لديها.

وأشار إلى أن المدنيين وحدهم هم وقودَ هذه الصراعات، وهم من يسدد فاتورتها من دمهم وضيق سبل عيشهم وتوتر حياتهم، ليكونوا ضحايا طاحونة صراعات القوى والمصالح، فليس من بين تلك القوى قوة واحدة مهتمة لأمر الناس كلها مجرد أدوات لمصالح شخصية واقليمية ودولية لا أكثر.

وأضاف “قرنفل” قائلًا: إن حسم تلك المسألة لا يمكن أن يتم إلا بفرض القانون بالقوة، وهذا واحد من أهم استحقاقات والتزامات يتعين على الضامن التركي القيام بها ولا أجد تفسيرا منطقيا لامتناعه عن ذلك حتى الآن”.

ضبط الأمن ليس من أولويات قادة الفصائل

من جهته، يرى الإعلامي والحقوقي “ماجد الخطيب” بأن ظاهرة فوضى السلاح وانتشارها عموماً بين فئات الناس من مراهقين ورجال، تعتبر ظاهرة طبيعية في زمن الثورات وخاصة عندما تلبس الثورة لباس العمل المسلح بدلاً من السلمي، هذا في العموم، أما في حالتنا السورية فقد زاد الطين بِلةً تنوع الاسباب المؤدية لانتشار هذه الظاهرة أفقياً، واتساعها على رقعة الجغرافية السورية حيث تواجد الفصائل المعارضة للنظام والمسلحة.

وأضاف: أن من هذه الأسباب عدم وجود قيادة عسكرية واحدة للمعارضة، وعدم وجود آلية اجرائية تنظم كيفية حصول الفرد على السلاح سواء كان الفرد مدنياً أم عسكريا بالإضافة لتحول عملية بيع السلاح إلى تجارة يعتاش منها قادة الفصائل الذين تحول معظمهم إلى ظاهرة أمراء الحرب أكثر من كونهم ثواراً، وهذا يعني بالضرورة أن ضبط الحالة الامنية لم يعد من ضمن أولوياتهم على الاطلاق.

وتابع: أضف الى ذلك غياب عنصري الأمن والأمان في مناطق المعارضة، دفع الكثير من الأهالي إلى اقتناء السلاح تحسباً لأي خطر يهدد حياتهم، هذه الاسباب وغيرها شكلت خطراً على حياة المدنيين العزل، وجعلتهم عرضة للتهديد من ضعاف النفوس والمجرمين، ناهيك عن غياب الوعي وضعف منسوب المسؤولية بين البعض الأخر.

وختم بالقول: ما نشاهده اليوم يؤكد أننا أمام حالة من الفوضى المدمرة، تهدد ليس فقط مستقبل الثورة بل تهدد ما تبقى من حالة مدنية وقيم أخلاقية لمجتمعنا.

Comments

Sorry Comments are closed

    عاجل