بين خيمة رمضان.. ورمضان الخيمة

ياسر الأطرش18 مايو 2018آخر تحديث :
بين خيمة رمضان.. ورمضان الخيمة

صحيحٌ إنَّ السوريين (موالاة ومعارضة ورماديين وسلبيين..) دخل عليهم رمضان هذا العام في يوم واحد، إلا أنهم دخلوه من أبواب “مرجعيات” متفرقة، برز منها ثلاث: القاضي الشرعي بدمشق الذي يمثل حكومة نظام الأسد، والذي أعلن الخميس غرة شهر رمضان، وهو ما يُلزم السوريين في عموم مناطق سيطرة النظام دون غيرهم، أما في مناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا؛ فتصدّت جهتان لالتماس الهلال، المجلس الإسلامي السوري الذي تستأنس به كثير من فصائل الجيش الحر والمعتدلين، و”حكومة الإنقاذ” في إدلب التي تمثل – حقيقةً- هيئة تحرير الشام وجمهورها، ومع أن كلا الجهتين أعلن الخميس غرة رمضان، إلا أنه كان لا بد من إثبات “المرجعية” من بوابة رمضان.

هذا الانقسام الاستعراضي؛ ما هو إلا تعبير ملطف عن انقسامات حادة وشبه نهائية حولت السوريين إلى مجتمعات أو تجمعات متباعدة متنافسة عدمت كل أشكال وإمكانيات التواصل فيما بينها، أما المسؤولية فلا يمكن أن يتحملها إلا الذي هشّم بنية المجتمع وأيقظ فيه كل الثأريّات الكامنة تحت رماد الزمن، وخلق ثأريّات جديدة عبر قتل جديد لمن لم يكن ليتورط بنزالات الماضي وينخدع بالمظلوميات القادمة من التاريخ.

وإن كان من مأثور المسلمين تفاخرهم برمضان على أنه شهر الوحدة؛ بمعنى أنه يوحد المسلمين في أركان الدنيا الأربعة ويضبطهم ضمن إيقاع حياة ونمط عبادة وسلوك طيلة شهر كامل.. يأتي رمضان السوريين ليوسّع الهوة ويكشف ما كان مستوراً من عورات، ولعل الخيام الرمضانية متعددة الاستخدامات هي أكثر ما يفضح ما آل إليه حالنا نحن السوريين.

فمع ازدياد خيام النزوح عدداً، ورسوخها معنىً، وانزياحها لتقترب من معنى البيت في معجم أطفال وُلدوا ودرجوا فيها، وما عرفوا سواها سكنا، استمر التهجير قبل شهرنا المبارك هذا بأيام، وما زال بعض المطرودين من بيوتهم وحاراتهم وبلداتهم، على أساس عرقي وسياسي، من حمص ودمشق، يلوبون بحثاً عن خيمة تسترهم في الشمال، في زمن أصبح فيه السوري المُقتلع من أرضه – بآلة نظام الأسد وإرادة مغتصبي سوريا- يحلم ببعض بيت أو ظل خيمة، بعدما عدم النصير وانكشف زيف ادعاءات الأخوّة، وكفَّ العرب والمسلمون و”العالم المتمدن” حتى عن التنديد، بعدما قاموا بواجبهم طوال سنوات، ليلتفتوا إلى اهتمامات هي أولى برمضان الذي يعرفون، مثل هاشتاغ “فطوركم_شوط_ولا_شوطين”!..

وللأمانة؛ فإن خيام النزوح ليست هي الوحيدة من نوعها في سوريا، وإن كانت تكاد تكتسب صفة الديمومة ومعاني البيت، فثمة خيام موسمية رمضانية، ما زالت تُنصب، ليس في العراء ومناطق النزوح كئيبة المنظر، بل في أفخم الفنادق والمنتجعات والمتنزّهات، في دمشق والساحل وعموم مناطق “الآمنين”..

وبالتأكيد فإن تلك الخيام الترفيهية، ليست لكل صائمي أو مفطري رمضان في المناطق “المستقرة”، فثمة نازحون اختاروا مناطق النظام، يعمرون موائد إفطارهم بالكثير من الصبر والخوف، وقليلٍ مما جنوه لقاء افتدائهم “الرئيس” بالروح والدم!.

وغير بعيد عن هؤلاء المهزومين المكسورين بإرادتهم، ترتفع أسقف خيام البهجة والملذات، حيث كل ما هو غير رمضاني ولا إنساني ولا أخلاقي، من الروّاد الذين هم مصاصو دماء وتجار حرب وسماسرة خطف ومهربون وقوّاد ميليشيات… إلى الممارسات التي تتغنى بالحرب وتمجّد الإبادة وتغذي الطائفية، في تأكيد نهائي على إلغاء الآخر وطرده من الوطن والزمن إن أمكن..

أما المفارقة الأوجع، فهي أن خياماً تقتات على دماء خيام!.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل