ياسر محمد – حرية برس
أسدل الستار أول أمس الثلاثاء على الجولة التاسعة من مفاوضات أستانا، التي لم تخرج بنتائج عملية تنعكس إيجاباً على أي ملف من الملفات العالقة في القضية السورية، بقدر ما حققت مكاسب سياسية للأطراف غير السورية، وخاصة روسيا، التي باتت تهيئ الأجواء لاغتيال مسار جنيف الذي يحظى بدعم وتوافق أممي، واستبداله بما يناسبها بعيداً عن الشرعة الدولية، وهو ما تم لها في أستانا التي سحبت البساط من تحت مسار جنيف، لينتهي المطاف في “سوتشي” حيث خططت روسيا، ووافقها الضامنون، ووجدت طرفاً من “المعارضة” يقبل بهذا المسار ويشارك به “ممثلاً للثورة السورية والمعارضة”!.
“أستانا9” الذي كان من المقرر أن يناقش بشكل أساسي قضية المعتقلين والمغيبين في سجون النظام السوري، أرجأ هذا الملف لتتم مناقشته في حزيران القادم في تركيا، فيما ستجتمع الدول الضامنة (روسيا وإيران وتركيا) في تموز المقبل في “سوتشي” لمناقشة بقية القضايا ومن ضمنها مستقبل مناطق خفض التصعيد المعمول بها حالياً وفق مخرجات “أستانا”.
وكي تُشرعن روسيا لقاء “سوتشي” وتجعله مساراً تفاوضياً وحيداً، جعلت المبعوث الدولي إلى سوريا ستافان دي مستورا، طرفاً أساسياً في تلك المباحثات ومشرفاً عليها بصفته الأممية، وبضغط منها، تم إرجاء جولات مفاوضات جنيف إلى أجل غير معلوم، ما يشي بأن دي مستورا سيتبنى باسم الأمم المتحدة – ربما- مخرجات سوتشي، التي تبنى مخرجات مؤتمرها سابقاً، لتتقزم القضية السورية وتنحصر في تشكيل لجنة دستورية تقوم على “إصلاحات دستورية” وحسب!.
أما الذي ساعد روسيا أكثر من دي مستورا، والذي لم تكن لتكتمل الصورة وتأخذ صفة شرعية من دونه، فهو وفد المعارضة الذي حضر “أستانا9″، ومهّد رئيسه “أحمد طعمة” للمؤتمر بقوله إن مسارات أستانا وسوتشي هي جزء أساسي من العملية السياسية في سوريا، قبل أن يخرج بعد المؤتمر بتصريح مدوٍّ بدا فيه وكأنه يجرِّم المعارضة لأنها حملت السلاح في وجه نظام الأسد!.
“طعمة” وفي حديث لصحيفة الحياة حول الحل السياسي في سوريا، قبل أيام، رفض المفاضلة بين المسارات الثلاثة “أستانا” و”سوتشي” و”جنيف”، مؤكداً على وجوب تلازمها حيث “تم رسم الخطوط العامة للحل السياسي ضمن أربعة بنود”.
وتتضمن البنود: “َوقف إطلاق النار، ومشاريع دعم الاستقرار اللامركزية والإصلاح الدستوري ضمن اللجنة الدستورية المشكَّلة في سوتشي بإشراف دي ميستورا، وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة بإشراف أممي بناء على الإصلاح الدستوري”.
وقد غابت مطالب الثورة السورية الأساسية عن تلك البنود غياباً تاماً، فلا إشارة لإسقاط أو تغيير النظام، ولا محاسبته، ولا ذكر لملف المعتقلين والعدالة الانتقالية وغيرها..
أما الذي أكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن “طعمة” هو “كرزاي” سوريا ورجل روسيا القادم فيها، بحسب ناشطين ومعارضين سوريين، فهو تصريحه لشبكة روسيا اليوم أول أمس الثلاثاء بأن “المعارضة السورية أخطأت بحمل السلاح”، إضافة إلى ما نقلته الشبكة عن طعمة بأن المعارضة “لا تطمح إلى الحلول محل الحكومة السورية (حكومة النظام)”.
وأضاف طعمة بأن “الكثير من القيادات العسكرية السورية المعارضة تجنح حاليا إلى الحل السياسي”، مشيراً إلى قناعة المعارضة بأن “روسيا تبحث عن حل سياسي للأزمة السورية”.
وفيما تبدو “هيئة التفاوض” المنبثقة عن مؤتمر “الرياض2” برئاسة نصر الحريري، تزداد بعداً عن أجواء ومواطن الحل والربط الفعالة، يبرز “أحمد طعمة” كطرف يمكن أن يمرر الحل الروسي في سوريا ويكون جزءاً منه، مع أن “هيئة التفاوض” قدمت كل التنازلات في جولة جنيف الأخيرة وقبلت بـ”سلة الدستور” التي أفرزها “سوتشي”.
فهل تشهد المرحلة القريبة القادمة سباق تنازلات بين الفريقين؟.. وهل بقي ما يمكن التنازل عنه أصلاً؟.
عذراً التعليقات مغلقة