طوال عقود لم يكن لهم ولا لأصواتهم ثقل أو تأثير في تغيير أي شيء في بلدهم، حيث كان السوريون مجرد أرقام انتخابية، لا ناخبين.
أما الآن وقد أصبح نحو ثلث الشعب السوري لاجئاً بفعل سياسة نظام الأسد التدميرية، فقد بقي الحال على ما هو عليه للراضخين والمغلوبين في “سوريا الأسد”، بينما تحول اللاجئون منهم إلى ورقة حاسمة وبيضة قبان في الانتخابات غير السورية، لا لجهة أصواتهم بالطبع فهم غير مؤهلين قانونياً لخوضها، وإنما لجهة استخدامهم وتسخير قضيتهم من قبل المتنافسين.
الأمر يبدو أكثر وضوحاً في الانتخابات التركية واللبنانية، كما أنه ليس قليل شأن في حسم انتخابات وائتلافات حكومية في دول أوربية تأتي ألمانيا على رأسها.
ولم يكن مستغرباً، ولكن كان مفاجئاً، أن يحضر اللاجئون السوريون بقوة في أول خطابات ووعود المرشحين الأتراك لانتخابات الرئاسة المبكرة التي ستجري في الرابع والعشرين من حزيران القادم.
ففي أول إطلالة لها على جمهورها، قالت ميرال أكشنار، رئيسة “الحزب الصالح”، والملقبة بالمرأة الحديدية، إنها ستعمل على إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم حال فوزها بانتخابات الرئاسة، مضيفة في لقاء بأنصارها في مدينة مرسين: أعدكم أنهم سيفطرون مع إخوتهم في سوريا في رمضان 2019.
وفي مرسين، التي هي من قلاع المعارضة التركية، يجد الصوت العنصري قبولاً، خاصة وأن المتحدثة هي منشقة عن “الحزب القومي” الذي يمجد العرق التركي، إلا أن جناحه الرئيسي برئاسة “دولت بهتشلي” الذي تحالف مع “العدالة والتمنية” في انتخابات حزيران، لم تصدر عنه أي تصريحات عدائية ضد السوريين.
بدوره؛ الرئيس التركي الحالي والمرشح أيضاً لانتخابات الرئاسة المبكرة، رجب طيب إردوغان، رد على “أكشينار” بالقول: “نحن فتحنا أبوابنا أمام اللاجئين لأننا أردنا أن نكون الأنصار لهؤلاء اللاجئين، بعد أن تعلمنا ذلك من الأنصار الذي استقبلوا النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة”، وتعهد إردوغان بمنح الجنسية التركية للمزيد من السوريين الذين يبرعون في مجالات عدة مفيدة لتركيا، وفق قوله.
ومع هذه البداية الساخنة، يمكن القول إن اللاجئين السوريين في تركيا سيكونون ورقة حاسمة وأساسية في مخاطبة جمهور الناخبين الأتراك وخطب ودهم، ما بين مخوّف منهم ومن خطرهم على المجتمع والاقتصاد، وما بين مرحب بهم كعامل غنى ثقافي وإثراء اقتصادي للبلد.
أما في لبنان، والتي تضم أقل بقليل من مليون لاجئ سوري، فالأمر يبدو مختلفاً عن الوضع في تركيا، حيث يحضر العداء للاجئين علنياً ورسمياً على لسان رئيس الدولة ووزير خارجيته، بينما يكتفي المناصرون للاجئين، بخطاب خجول، حيث اكتفى رئيس الحكومة سعد الحريري بالقول إنه لا يجب إجبارهم على العودة وأن عودتهم يجب أن تكون طوعية.
أما ما ساقه رئيس الجمهورية ميشال عون، في سياق الانتخابات النيابية التي وضعت أوزارها أول أمس، فكان خطاب كراهية وإعلان حرب، حين قال إن لبنان سيعمل على إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بمعزل عن الأمم المتحدة، وهو ما يعتبر خرقاً لكل الأعراف والقوانين الدولية، ولكن أيضاً يحقق مكاسب انتخابية ظهرت فعلياً في صناديق جماعة “عون” وحلفائه.
ويعلم السوريون – والعالم معهم- أنهم استبيحوا وتحولوا أرقاماً انتخابية مع استيلاء حافظ الأسد على السلطة، ومن ثم القضاء على الحياة السياسية في سوريا، قبل أن يتم استئصال الانتخابات فعليا واِسمياً من ممارسات وقواميس السوريين، فـ”القائد الخالد” حوّل العملية الانتخابية إلى “تجديد بيعة” له كل سبع سنوات، ومن ثم أورث سوريا ومن عليها لابنه الذي سار على الدرب نفسه مع قليل من عمليات التجميل التي اضطر إليها، ليقبل على مضض بنسبة 84% بدل 100%.
عذراً التعليقات مغلقة