إنها المرة الأولى في تاريخ جائزة نوبل التي تمنحها الأكاديمية السويدية منذ مطلع القرن العشرين، التي تُحجب فيها جائزة الأدب لأسباب «أخلاقية» بعدما حُجبت قسراً خلال الحرب العالمية الأولى في العامين 1914 و1918، وبين العامين 1940 و1943 نتيجة استشراء الحرب العالمية الثانية.
هذه السنة لن تمنح الأكاديمية السويدية جائزة الأدب، كما أعلنت أمس في بيان حسَم الجدال القائم منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 بعد رواج إشاعة عن «سوء سلوك جنسي» أضحت بمثابة فضيحة أربكت أعضاء الأكاديمية والمثقفين السويديين وجمهور نوبل في السويد والعالم، وأسفرت عن اتهامات وصراعات معلنة وخفية، داخل الأكاديمية وخارجها، أدت إلى اللجوء إلى المحكمة.
أحدث قرار الأكاديمية حجب جائزة الأدب، صدمة شغلت فوراً الصحافة العالمية والمواقع الإلكترونية والأوساط الأدبية في العالم التي تنتظر سنة تلو أخرى اسم الكاتب الفائز بأرقى جائزة أدبية. إلا أن من تابع مسار السجال الذي شهدته أروقة الأكاديمية قبل أشهر، يدرك أن المسألة غير مقتصرة على «سوء سلوك جنسي» بل هي تطاول أحوال الأكاديمية الداخلية نفسها، وانقسام أعضائها حول شخصية السكرتيرة الدائمة للأكاديمية سارة دانيوس التي أُقيلت في 12 نيسان (أبريل) الماضي، وأثارت إقالتها حركة احتجاج كبيرة. فهذه السكرتيرة التي كانت تملأ موقعها، سرعان ما عهدت إلى مكتب محاماة بمهمة التحقيق في أمر فضيحة «السلوك الجنسي السيء» الذي سماه بعضهم علناً «تحرشاً جنسياً»، والذي اتُهم به زوج كاتارينا فورستنسون، العضو في أكاديمية الخالدين، وهو فرنسي يدعى جان كلود إرنو، إضافة إلى اتهامه بتسريب أسرار الأكاديمية والأسماء الفائزة قبل إعلانها.
وكانت 28 امرأة اتهمن زوج كاتارينا بالتحرش بهنّ خلال عمله. وعقب صدور نتائج تحقيق مكتب المحاماة، رفضت أكثرية الأعضاء هذه النتائج، وأحجمت عن رفع شكوى قضائية ضد الزوج المتهم الذي يشغل موقع المدير الفني للـ «فوروم» أو «المحفل» الثقافي الشهير في استوكهولم. وجددت الأكثرية ثقتها بكاتارينا وأعلنت دعمها إياها. لكنّ ثلاثة من الأعضاء اعترضوا واستقالوا في 6 نيسان، مؤيدين التحقيق الذي قامت به السكرتيرة الدائمة التي أُقيلت بعد ستة أيام من منصبها. وكانت أقيمت تظاهرة ضخمة أمام مركز الأكاديمية شاركت فيها ألفا امرأة دعماً للسكرتيرة، وأعرب آلاف المثقفين السويديين اعتراضهم على إقالتها، فهي بنظرهم المرأة الأولى التي تتولى مثل هذا المنصب. وكانت سارة بدأت مشروع تحديث للأكاديمية يشمل بنيتها ونظامها الداخلي. ويبدو أن مشروعها لم يرُقْ لبعض الأعضاء الآخرين. ومما زاد من حال الاضطراب داخل الأكاديمية إقدام 227 أستاذاً أكاديمياً و700 باحث من الجامعات السويدية على رفع بيانات صارمة أعربوا فيها عن قلقهم إزاء واقع الأكاديمية واحتجاجهم على الفضيحة، مركزين على أن الأكاديمية «تؤدي دوراً مركزياً في صون الصرح الأدبي واللغوي في السويد».
هكذا بدا قرار الأكاديمية حجب جائزة الأدب رداً على الفضيحة أولاً، ثم التفافاً على الصراع الداخلي الذي يكاد يستشري مؤثراً سلباً في الأكاديمية نفسها التي تعاني «تضاؤلاً في عدد أعضائها حالياً وتراجع ثقة الناس فيها». وأضافت الأكاديمية في بيانها: «تحتاج الأكاديمية وقتاً لتعاود العمل بقوتها السابقة، وتستعيد أعضاءها الفاعلين والثقة في عملها قبل إعلان الفائز المقبل بجائزة الأدب لعام 2019».
Sorry Comments are closed