التيار الثالث بين الضرار والضرورة

عماد غليون29 أبريل 2018آخر تحديث :
التيار الثالث بين الضرار والضرورة

كنت ضيف ندوة حوارية عقدها اتحاد الكتاب العرب بدمشق في حزيران 2011 وكان الضيف الآخر للندوة الدكتور عارف دليلة؛ رغم أني رفضت المشاركة في لقاءات ما كان يسمى الحوار الوطني تحت إشراف النظام ليقيني بعدم وجود أي  فائدة منها أو تحقيق اختراق ما من خلالها؛ ولكونها تكرس وجهة نظر النظام وتظهر المشاركين فيها بمظهر المؤيدين؛  لكن ما دفعني للمشاركة في تلك الندوة هو الرغبة في معاينة تغير مواقف النخبة الثقافية والفكرية في دمشق؛ واستطلاع مدى تأثير الأحداث المتسارعة في حمص عليها؛ رغم توقعي المسبق بعدم وجود مواقف قريبة من الحراك الثوري أو على أقل تقدير خطاباً وطنياً متوازناً.

في مواجهة الثورة الشعبية العارمة دفع النظام لخلق انقسام مجتمعي حاد بين مؤيدين ومعارضين؛ وعمل على تأجيج  تلك الحالة باستمرار؛ ورغم وصول الأمور لانسداد خطير ينذر بدمار شامل إلا أن النظام بقي يرفض تقديم أي تنازلات أو إجراء أي إصلاحات حقيقية ويدفع باتجاه الحسم العسكري؛ وبالمقابل لم يكن أمام الثوار سوى الاستمرار والمواجهة حتى إسقاط النظام.

لم يظهر أي دور خارجي حاسم يجنب الشعب السوري ويلات النظام ويعمل على إسقاطه على الطريقة التونسية أو المصرية؛ وبالمقابل لم يظهر طرف ثالث داخلي قوي يستطيع أن يمارس دور الوسيط الوطني النزيه.

مثل دور الطرف الثالث تاريخياً النخب الاجتماعية والدينية؛ وكان يؤمل انضمام النخب الثقافية والفنية والسياسية لتعزيز ذلك الدور.

كانت ندوة اتحاد الكتاب العرب مخيبة للآمال بشكل مريع؛ لم تختلف مواقف الحاضرين بشيء عن لقاءات الحوار الوطني المزعوم؛ صدمتني فيها المواقف المخزية لرئيس اتحاد الكتاب العرب حسين الجمعة ورئيس اتحاد الصحفيين الياس مراد ومعظم الحضور النوعي كما يفترض؛ لكن الدكتور عارف دليلة واجه الحضور بصرامته  المعهودة وأدلى بحججه في دحض الاستبداد والفساد؛ بينما ركزت في مداخلتي على نقطتين جوهريتين الأولى أن يتم نقل الأحداث كما تجري بصدق وواقعية وربطها مع ماضٍ حافلٍ بالفساد والأخطاء؛ ومن ثم التحول نحو صياغة عقد اجتماعي جديد يلبي التطلعات الشعبية بعد اندلاع الاحتجاجات.

انعدم أي دور فاعل للنخب الاجتماعية التقليدية من وجهاء أحياء وقرى وزعماء عشائر؛ فقد حطم النظام تلك النخب بعد أن كانت تحظى بنفوذ اجتماعي واسع؛ وفعل الشيء ذاته في المؤسسات الدينية لكافة الطوائف؛ حيث غرس مؤيديه  والمتعاملين معه في كل مكان.

فشل الرهان كذلك على دور قد تلعبه النخب الثقافية والفنية التي كان ظهورها يتسع في المجتمع؛ وبعد أن كانت تلك النخب تصدع رؤس الناس بمحاربة الظلم والفساد؛ وجدت نفسها في اختبار وطني جدي لمواقفها وانتماءاتها؛ ورغم  ظهور العديد من المواقف الرائعة؛ إلا أن الاختبار لم يكن بالمجمل لصالحها وخسرت احترام وثقة الجمهور بوقوفها ضد ثورة الشعب.

بطبيعة الحال فإن مواقف الطبقة السياسية المؤيدة من أحزاب بعث وجبهة لم يكن من المتوقع أن تخرج عن عباءة النظام؛ لكن مواقف معظم الأحزاب اليسارية والماركسية والقومية كانت هي الأسوأ حيث اصطفت مع النظام بحجة مقاومة المشروع الصهيوني والمؤامرة الكونية.

هناك اختلاف واضح بين طرف أو تيار ثالث؛ وربما جرى الخلط بشكل مقصود بينهما؛ يفترض أن يتحلى الطرف الثالث بالحيادية وهو يلعب دور وسيط يقوم بطرح حل توافقي بين طرفين متصارعين؛ وقد فشلت محاولات ظهور طرف ثالث لعدم وجود نخبة فاعلة مؤثرة؛ ودفع النظام لإفشال أي طروحات فيها تنازلات أو إصلاحات؛ وقام بتقزيم لقاءات الحوار الوطني؛ كما أنه أهمل تماماً توصيات مؤتمر صحارى برئاسة فاروق الشرع رغم كل ما قيل عن المؤتمر؛ وتم تغييب الشرع تماماً بعد ذلك.

يتبنى التيار الثالث رؤية فكرية إيديولوجية وسطى بين رؤيتين متباعدتين؛ سياسياً يمكن أن يكون بين اليمين واليسار أو  بين الماركسية والرأسمالية؛ دينياً يعبر التيار الثالث عن الوسطية والاعتدال في وجه التطرف والشطط.

كانت طروحات التيار الثالث في أوج الثورة مريبة؛ فلا يمكن الوقوف على الحياد ومساواة الضحية بالجلاد؛ فالثورة لا تقبل المواقف الرمادية بحجة السلمية وعدم الاصطفاف مع أحد المعسكرين المتحاربين؛ وشكل وجود بعض الشخصيات الإشكالية ضربة قوية لظهور تيار ثالث فاعل.

هناك ضرار وراء تشكيل تيار ثالث؛ لكن المراجعة الموضوعية بعد انتهاء حالة الفصائلية توصلنا لضرورة تشكيل ذلك التيار.

التيار الثالث المطلوب يقف ضد النظام من جهة والتطرف والإرهاب من جهة أخرى؛ تيار يكون هدفه تحقيق الاستقلال الثالث لسورية؛ تيار ثالث يأتي مع الموجة الثالثة للثورة بعد السلمية والجيش الحر.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل