لا أدري كيف وما هي قصة المثل الشعبي السوري الشهير (عايف التنكة)، لكن للعلم لعلّ السوريين هم الشعب الوحيد في العالم الذي يعتمد (التنكة) كوحدة قياس، بدءاً من تنكة زيت الزيتون وتنكة المازوت وتنكة البرغل وانتهاء بتنكة الفقر و البؤس الذي يعيشه.
فإذا ما سألت كيف حال فلان وقالوا لك “عايف التنكة” فاعلم أن الحالة التي وصل إليها من البؤس والفقر، دفعته إلى أن يترك التنكة ويغادر، نتيجة عظيم همه وغمه. فخط الفقر والبؤس عند السوريين هو “التنكة” والتي هي بدون أدنى شك دون خط الفقر العالمي، فآخر أحلام المواطن السوري أن يكون في بيته تنكة ماء لكي يشرب منها وتنكة طحين ليؤمن الخبز لأهله، وتنكة برغل لكي يطبخ منها، وتنكة زيت زيتون لكي يغمس بها لقمة خبزه الجاف، وتنكة مازوت لعله يشعل بها مدفأة في بيته تقيه وتقي عياله برد الشتاء.
من مضاعفات التنكة البرميل، فالبرميل الواحد يساوي عشر تنكات، وبما أن البرميل كان أكبر من حجم أحلام المواطن السوري (المعتّر)، فذكر البرميل شبه نادر في قاموس الشارع السوري ما قبل الثورة، بالمناسبة (المعتّر) هو الفقير القليل الحظ الذي يعمل ويعمل ولا يجني إلا الشوك والتعب في نهاية الموسم.
لكن النظام السوري المجرم الذي حرم الشعب السوري من أدنى أحلام العيش، وجعل التنكة المليئة بالمازوت أو الزيت أو البرغل أو الطحين أحلاماً بعيدة المنال، إلا أنه ومع بداية الثورة لم يتوانَ عن إمطار سماء سوريا بالبراميل صيفاً وشتاء، ليلاً ونهار، وعلى مدار سبع سنوات دون كلل أو ملل، براميلاً طافحة بالحقد والبارود، فأصبح الشعب السوري من أغنى شعوب العالم بالبراميل المتفجرة.
ربما أن الكثير من الناس لا يعرفون أن “تنكة” المازوت كان لها دور كبير في تسريع اشتعال الثورة السورية، طبعاً أرجو ألا يذهب فكركم بعيداً وتظنوا أن نظام الاسد قد أغرق سوريا بالمازوت والنفط.. ومن ثم اشتعلت.
المازوت بالنسبة للسوريين عصب الحياة، فبواسطة المازوت يصنع السوريون خبزهم، وبالمازوت يدفئون بيوتهم، وبالمازوت يسقون محاصيلهم الزراعية وبواسطته تمشي معظم وسائل النقل في سوريا، وعندما قام النظام السوري برفع قيمة ليتر المازوت من 7 ليرات الى 24 ليرة دفعة واحدة، كانت طامة كبرى بالنسبة لشعب ـ معظمه بالأساس ـ “عايف التنكة”، وهذا سبب دفع الشعب “العايف التنكة” أن يحمل تنكته الفارغة ويدق عليها وينادي بأعلى صوته “حرية للأبد غصب عنك يا أسد”.
عذراً التعليقات مغلقة