نشرت مجلة “ذا أتلانتك” مقالا للصحافي ثاناسيس كامبانيس، يقول فيه إن رئيس النظام بشار الأسد قد ينظر بازدراء إلى قداسة الحياة البشرية، لكنه ليس استراتيجياً متهوراً.
ويشير الكاتب في مقاله، إلى أن “الأسد قام منذ عام 2011، بحرب لا هوادة فيها ضد شعبه، وارتكب جرائم حرب فاضحة بشكل استراتيجي، أحيانا للقضاء على مدنيين يفضلون الموت على العيش تحت حكمه، وأحيانا لتحييد نظام عالمي يهدد أحيانا بالحد من سلطاته، وفي أحيان أخرى، كما هو الحال باستخدامه الأسلحة الكيماوية، لتحقيق الهدفين مرة واحدة، وعندما يرتكب خطأ فإنه يفعل ذلك بوعي كامل، ولتحقيق الهدف المرجو، فجرائمه ليست حوادث”.
ويقول كامبانيس إنه “يمكن تفسير الهجوم الكيماوي المحتمل على دوما في ريف دمشق على أن الأسد وحلفاءه حققوا الأهداف الأولية من الحرب، ويريدون الآن فرض هيمنتهم على الشام، لكن هناك عاملين كبيرين يعقدان خطة الأسد، أحدهما هو سكان سوريا، الذين لا يزال فيهم ثوار ومدنيون يرفضون بشكل سلمي حكمه الاستبدادي، والعامل الثاني هو أن دونالد ترامب، الذي أعلن أنه سينسحب تماما من سوريا، أعرب في الوقت ذاته عن اشمئزازه من استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية”.
ويلفت الكاتب إلى أن “الأسد قام قبل عام واحد تقريبا بشن هجوم كيماوي على ريف إدلب، متسببا بغضب دولي وضربة رمزية، إلا أنها مهمة، أمر بها ترامب ضد قاعدة جوية انطلقت منها الهجمات، بحسب التقارير، وكان نظام الأسد مسؤولا عن الهجمات، وكان مؤيدو النظام الروس مطلعين على الأمر، كما أظهرت الأدلة لاحقا، لكن كلا من دمشق وموسكو أصرتا على ترديد عبارات الإنكار الفارغة”.
ويقول كامبانيس: “يبدو أن نظام الأسد ضرب ضربة أخرى خلال نهاية الأسبوع ، حيث رفض المقاتلون في دوما وقف إطلاق النار من جانب واحد، ولم يركعوا، بالرغم من سنوات الحصار والتجويع والقصف العشوائي، وفيما أصبح مسلسلا مألوفا للأحداث، فإن النظام قام بتحضير الرأي العام بالحديث عن قرب وقوع هجوم بالأسلحة الكيماوية تقوم به المعارضة، لتتهم به الحكومة للحصول على التعاطف الدولي، وفعلا وقع بعد ذلك هجوم كيماوي قتل ما لا يقل عن 25 شخصا، وجرح أكثر من 500، بحسب تقارير غير مؤكدة من عمال الإنقاذ واتحاد منظمات العناية الطبية والإغاثة”.
ويذكر الكاتب أن “كلا من نظام الأسد وروسيا ألقتا بالمسؤولية على الثوار؛ لمعرفتهما بأن الأمر يأخذ شهورا قبل ظهور الأدلة القوية، وعند ذلك يكون الانتباه انتقل إلى موضوع آخر، وأصبح مسار الأمور الآن واضحا، ففي الغالب ستظهر أدلة قوية مستقلة قريبا تربط النظام السوري بالهجوم”.
ويفيد كامبانيس بأن “الأسد استطاع أن يتجاوز التحريم العالمي للأسلحة الكيماوية، من خلال ذلك فضح عدم تماسك المجتمع الدولي بهذا الخصوص، وقد فضحت سوريا النظام الدولي الليبرالي بأنه مجرد وهم ملائم، حيث أصبحت العبارة المبتذلة (لن يحصل مرة أخرى) لا تعني شيئا عندما يرتكب ديكتاتور مصمم يقف خلفه مؤيدون دوليون ثقال جرائم ضد الإنسانية”.
ويتساءل الكاتب: “لماذا الآن؟ هذا هو آخر هجوم في الغوطة، وإن كان متطابقا مع النموذج فإنه له منطقا دقيقا في حسابات الأسد وفلاديمير بوتين والزعيم الروحي الإيراني علي خامنئي، فإن هذا الثلاثي الناجح يريد قهر من تبقى من الثوار في سوريا، وعينه على محافظة إدلب، التي يسيطر عليها الثوار، فهذا الموت البشع للصامدين في الغوطة، بحسب هذا المنطق العسكري، قد يفت في عضد الثوار في إدلب؛ لئلا يصمدوا حتى آخر رمق، وما يحمل الأهمية ذاتها أيضا هو تطويق ترامب، كما فعلت روسيا وسوريا وإيران مع أوباما من قبل”.
ويبين كامبانيس أنه “بعد حادثة عدم الرد المهينة في آب/ أغسطس 2013، عندما غير أوباما رأيه حول خطه الأحمر، وقرر عدم الرد على استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، فإن السوريين وضعوا أمريكا في الصندوق، ووافق البيت الأبيض على خطة نزع أسلحة كيماوية أثبتت أنها مهزلة، ومع مرور الوقت تكشفت الاتفاقية، وعاد الأسد لاستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري، ولم يعد الرأي العام يهتم، وكان أوباما منهمكا يناقش إرثه في السياسة الخارجية”.
وينوه الكاتب إلى أن “سياسة ترامب في الشرق الأوسط تبقى غير واضحة، وبدا لفترة طويلة غير مهتم بتنامي القوة الروسية في الشرق الأوسط، لكنه غرد اليوم بأن هناك (ثمنا كبيرا) ستدفعه كل من روسيا وإيران وسوريا، ويبدو أنه يفضل وجودا عسكريا صغيرا، حيث تحدث مكررا عن الانسحاب من العراق وسوريا، بالإضافة إلى أنه هاجم الاتفاقية التي أوقفت برنامج إيران النووي، ولا يبدو سعيدا باتفاق نزع الأسلحة الكيماوية السورية، كما لا يبدو مهتما بتفاعل استراتيجي مع العالم العربي على المدى الطويل، لكنه ليس مع دعم الوضع الحالي، وكان رد فعله في خان شيخون متوائما مع هذه الرؤية: فقد شجب الهجوم وتحدث بإنسانية، على غير طبيعته، عن الأطفال الذين قتلهم الأسد، وأمر برد فعل قوي ومحدود، ولم يكن مهتما بالتصعيد أو التدخل ضد روسيا والأسد، لكن لم يكن من مصلحته إرضاؤهم أو طمأنتهم”.
ويفيد كامبانيس بأن “إحدى نتائج سياسة ترامب المحيرة تجاه سوريا هي أن الأسد وداعميه غير متأكدين حول ما الذي تخططه أمريكا، انسحاب أم دفع، ولذلك جاء الهجوم الكيماوي لفحص مدى الرد الأمريكي، وربما يدفع بترامب إلى الزاوية ذاتها التي وضعت فيها سياسة أوباما نحو سوريا”.
ويذهب الكاتب إلى أنه “بالنسبة للأسد، فإن هناك فائدة لمثل هذا المكر، وليس هناك تهديد حقيقي، ففي 2013 تحصن هو والمنطقة خوفا مما قد تقوم به أمريكا كرد فعل كان متوقعا أن يصدم الأوضاع في المنطقة، لكن الأسد تعلم الدرس منذ ذلك الحين، وهو أنه لن يكون هناك رد فعل أمريكي ذو معنى مهما كان حجم جريمة الحرب، فأمريكا لا تزال في حالة انجراف استراتيجي، وليست متأكدة لماذا تتفاعل في الشرق الأوسط، وهي عرضة لردات فعل من النشاط الزائد أكثر من إعارة الاهتمام المستمر”.
ويستدرك كامبانيس قائلا إنه “مع أننا لسنا متأكدين إلى الآن مما حصل في الغوطة، إلا أنه يمكننا أن نكون متأكدين أنه لم يكن حادثا، فالأسد مصمم على إحكام قبضته مرة أخرى على سوريا، بغض النظر عن مدى تدميره لبلده قبل إعادتها، وبدعم بوتين، فهو مصمم على إفقاد ما تبقى لقيادة أمريكا والمجتمع الدولي من مصداقية، لا يعلمان ماذا سيفعل ترامب، لكن استخدامهما الجريء للأسلحة الكيماوية في الذكرى السنوية لخان شيخون يشير إلى ثقتهما بأن الرئيس الأمريكي لن يقوم برد جاد”.
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن “هذا الهجوم الأخير، بالرغم من مأساويته، فإنه سيكون نقطة تحول، وهو ينذر بالمزيد من الجرائم ذاتها من الأسد وحلفائه، في الوقت الذي يمكنون فيه لهذه الأعراف المروعة والخطيرة التي اشتغلوا على ترسيخها منذ عام 2013”.
عذراً التعليقات مغلقة